د.محمد عبد الكريم يكتب سرقة حضارة السودان

تمثل المتاحف ذكرى حية لتاريخ الشعوب وأثرها الثقافي والحضاري عبر حقب زمنية مختلفة للحضارة الإنسانية. المتحف القومي السوداني منارة للحضارة السودانية – حضارات كرمة، نبتة ومروي، والممالك النوبية والإسلامية ـ ومكون من مكونات التاريخ العالمي. يحوي على آثار لأدوات حجرية لها أكثر من مليون عام وآثار تعتبر وثائق مادية حية عن تطور الإنسان والثقافات في السودان الجغرافي ومنطقة شمال شرق أفريقيا. يمثل المتحف القومي السوداني رمزاً لهوية السودان وثقافاته المتنوعة، حيث أن كل قطعة تمثل جزءاً من تاريخه وثقافته، ويُعتبر وجهة سياحية رئيسية تساهم في تعزيز قطاع السياحة الثقافية في السودان. يحتوي متحف السودان القومي على قطع أثرية نادرة تعد من الجواذب السياحية للسودان، وإحدى روافد الإقتصاد المحلي والسياحي.
في 15 ابريل 2023م تعرضت الدولة السودانية لمؤامرة دولية استهدفت كيان الدولة في مركزها بالعاصمة المثلثة، مستخدمة مليشيا الدعم السريع المجرمة في إحداث إنقلاب على السلطة أدى إلى إحتلال الخرطوم دون سقوط الدولة، وتبين أن هذا المخطط تقف خلفه دول عالمية وإقليمية، وتستخدم مرتزقة من 18 دولة من دول الجوار وحول العالم. صدم العالم من جرائم القتل والإغتصابات وتدمير البنى التحتية للعاصمة ومناطق مختلفة من السودان. تفاجأ العالم والسودانيون بعرض عمليات إقتحام المتحف القومي والمتاحف الوطنية وعرض محتويات المتحف القومي من المومياوات بأنها جثث لمن قام الكيزان بقتلهم في مراحل حكومة الإنقاذ، وزاد الحزن وسط أهل السودان والمثقفين بعرض أثار السودان في أسواق الكترونية تعرض تلك الآثار بثمن بخس، فبانت المأساة وإتضحت عملية سرقة الحضارة السودانية من أجل طمس الهوية الحضارية للشعب السوداني بفقدان جزء نادر من هويتهم الثقافية. أعتبرت عملية سرقة المتحف القومي والمتاحف الأخرى إهانة لكرامة السودان وإرثه الحضاري، وفقدان أحد أدوات التأثير الثقافي الذي يعزز صورة السودان الدولية، ويلقي بظلال سالبة على علاقاته الدبلوماسية.
يضم المتحف السودان القومي قبل تعرضه للنهب حوالي 3000 قطعة أثرية نادرة، بما في ذلك مخزن يضم حوالي 50 ألف قطعة أثرية متنوعة . المسروقات من المتاحف الأخرى التي تعرضت للنهب متحف بيت الخليفة – تم نهب 80% من المجاميع المتحفية- ومتحف نيالا- تم سرقة مجموعته المتحفية بالكامل، نهب وتخريب متحف القصر الملحق بالقصر الجمهوري، النهب والتخريب لمقر الزعيم الأزهري – منزل أول رئيس وزراء سوداني بعد الاستقلال في عام 1956م من الحكم الإنجليزي المصري- . مواقع التراث العالمي، تم نهب عدد 41 قطعة فنية متميزة من مخزن البعثة الألمانية وتدمير منزل البعثة العاملة في الموقع. ظهرت القطع المسروقة في الأسواق الدولية والمنصات الإلكترونية.
في سعي العلماء السودانيين للمساهمة في حماية التراث الثقافي السوداني المتأثر بالحرب، تم تأسيس لجنتين وطنيتين، هما ICOMOS السودان (المجلس الدولي للآثار والمواقع) و Blue Shield السودان. تهدف هذه اللجان إلى تنسيق الجهود، وزيادة الوعي، وتنفيذ التدابير للحماية والحفاظ على التراث الثقافي الغني في البلاد في ظل النزاع المستمر والتهديدات. اتخذت وزارة الثقافة والإعلام السودانية إجراءات قانونية متعددة تشمل التعاون الوطني والدولي وفق القوانين المحلية والاتفاقيات الدولية. يحتاج السودان إلى تضافر الجهود الوطنية والدولية لتعزيز حماية هذا التراث، واستعادة ما يمكن استعادته من الآثار المسروقة، وكذلك منع تهريبها والاتجار بها في الأسواق العالمية.
ندعو الدول الصديقة، كدولة قطر التي كان لها مجهودات ومعاونات سابقة ببذل مجهودها للمساعدة في استعادة المنهوبات من المتاحف الأثرية.
ابشر الماحي الصائم يكتب خطى كتبت علينا
اذا منحت (حقيبة وزارية) فأنت يومئذ قد منحت ،، سلطة ،، وإذا كانت هذه الحقيبة هي وزارة ايراد…