مذكرة قانونية حول أثر الحرب في السودان على عقود الإيجار السابقة لنشوبها بقلم: نزار رحمي الهد المحامي والمستشار القانوني
مقدمة:
تمر البلاد بظروف استثنائية نتيجة الحرب التي اندلعت في السودان، وما نتج عنها من نزوح قسري، وتوقف تام في عدد من المرافق والخدمات الأساسية، وتعذر وصول كثير من المواطنين إلى مساكنهم المستأجرة أو الانتفاع بها. وفي ظل غياب عمل المحاكم، برزت تساؤلات قانونية حول مصير عقود الإيجار السابقة للحرب، وخاصة التزامات المؤجرين والمستأجرين، واستحقاق الأجرة، وإمكانية العودة إلى العقار.
تهدف هذه المذكرة إلى تقديم رؤية تحليلية قانونية مدعومة بالنصوص، مع توضيح أثر الظروف الطارئة وفق أحكام الشريعة والقانون، وأساس استحقاق الأجرة وأجرة المثل، وحدود العلاقة بين المؤجر والمستأجر في ظل هذه الأوضاع.
*أولًا: الفرق بين الظروف الطارئة والقوة القاهرة – والتكييف القانوني للحرب* :
وفق المادة 117 من قانون المعاملات المدنية لسنة 1984، تُعرف الظروف الطارئة بأنها ظروف عامة لم يكن في الوسع توقعها عند التعاقد، ويترتب عليها أن تنفيذ الالتزام يصبح مرهقًا لا مستحيلاً.
أما القوة القاهرة فتتطلب أن يصبح تنفيذ الالتزام مستحيلاً تمامًا، وهو ما قد ينطبق على العقود التي دُمّرت فيها العقارات.
في المقابل، فإن أغلب العقارات ذات العقود المتأثرة بالحرب في السودان، لم تصل إلى حد الاستحالة، وإنما إلى تعذر مؤقت أو إرهاق بالغ، وهو ما يجعل نظرية الظروف الطارئة هي الأساس القانوني الأنسب لمناقشته في هذه المذكرة.
*ثانيًا: طبيعة عقد الإيجار وأثر الظروف الطارئة عليه* :
عقد الإيجار هو عقد زمني مستمر، تُستحق فيه الأجرة مقابل المنفعة، كما نصت المادة 295 من قانون المعاملات المدنية:
“يجب في الإيجار تعيين الأجرة وبيان المنفعة المقصودة منها.”
فإذا تعذرت المنفعة تعذرًا كليًا أو جزئيًا بسبب الحرب، ترتب على ذلك تعليق الالتزام أو تخفيض الأجرة. وهو ما ينسجم مع القاعدة الشرعية “لا واجب مع العجز”، ويحقق مبدأ التوازن العقدي.
*ثالثًا: التزامات المستأجر والمؤجر في ظل النزوح وتعذر الانتفاع:*
*المستأجر* :
عند تعذر الانتفاع، يجوز له طلب وقف أو تخفيض الأجرة، لكن لا يُعفى من الالتزام بمجرد النزوح، بل يجب أن يثبت أن الانتفاع بالعقار أصبح غير ممكن أو مرهق.
ويظل مُطالبًا بالعودة للعقار متى ما زال المانع، وإلا عُد تركًا للعين المؤجرة.
*المؤجر* :
لا يجوز له تأجير العقار أو التصرف فيه أو إغلاقه أو إزالة منقولات المستأجر دون موافقته أو حكم قضائي، خصوصًا عند وجود قرينة مثل بقاء الأثاثات.
*رابعًا: زوال المانع وعودة الالتزام بالأجرة* :
بمجرد زوال ظروف النزاع وعودة إمكانية الانتفاع، تعود الأجرة إلى أصلها، ويكون المستأجر مُلزمًا بالسداد.
الامتناع أو التأخر غير المبرر يُعد إخلالًا بالعقد ويجيز الإخلاء وفقًا للمادة 11(1)(أ) من قانون إيجار المباني لسنة 1991 على أن الإخلال بسداد الأجرة يعتبر سببًا للإخلاء، لكن ذلك مشروط بثبوت الاستحقاق وعدم وجود مانع مشروع حال دون الدفع، كالنزوح أو عدم العثور على مكان وعنوان المالك المؤجر او اي سبب مقنع.
*خامسًا: الإيجارة الحكمية وأجرة المثل* :
وفق قانون إيجار المباني لسنة 1991، تتحول العلاقة بعد انتهاء العقد إلى إيجارة حكمية (قانونية)، وتستمر لمدة سبع سنوات من تاريخ انتهاء العقد التعاقدي.
وخلال هذه المدة، يحق للمؤجر المطالبة بـ أجرة المثل، التي تُقدّر حسب القيمة السوقية، وذلك استنادًا إلى المادة 300 من قانون المعاملات المدنية:
“إذا لم يتفق المتعاقدان على مقدار الأجرة أو طريقة تعيينها، استُحقّت أجرة المثل.”
وتُستحق أجرة المثل قانونًا في الحالات التالية:
بعد انتهاء العقد التعاقدي وتحوله إلى إيجارة حكمية.
أو كل ثلاث سنوات من آخر زيادة للأجرة، بموجب نص القانون .
ويمثل هذا التنظيم القانوني حماية للمالك (المؤجر) من جمود الأجرة ورفض الزيادة العادلة، لكنه يحتاج لتفعيل وموازنة قضائية ومراجعة عملية بتعديل القانون ليحقق الموازنة العادلة في ظل الحرب والواقع الاستثنائي للبلاد خصوصا ان الملاك سيتضررون في ظل تعسف بعض المستأجرين أو الامتناع عن دفع أجرة عادلة، ما يُبرز الحاجة إلى مراجعة القانون لتحقيق توازن حقيقي بين أطراف العلاقة الإيجارية
*سادسًا: أثر بقاء الأثاثات داخل العقار*:
يُعد بقاء الأثاثات والمنقولات قرينة على نية الاستمرار في العلاقة التعاقدية، ولا يجوز اعتبار العقار مهجورًا أو إنهاء العقد دون إجراءات قضائية، ما لم يُثبت التخلي عن العين.
*سابعًا: القواعد الشرعية والقانونية الداعمة* :
– العقد شريعة المتعاقدين
– الضرر يُزال
– المشقة تجلب التيسير
– لا واجب مع العجز
– تفسير العقود لصالح المدين عند الشك
كما أن سلطة المحكمة الطبيعية تتيح لها معالجة النزاعات بما يحقق العدالة، مستهدية في ذلك بمقاصد الشريعة الإسلامية وروح القانون.
*خاتمة* :
يمثل الوضع الحالي في السودان ظرفًا استثنائيًا من نوع “الظروف الطارئة”، يوجب إعادة التوازن إلى العلاقة التعاقدية، لا إلغاؤها. وتبقى الحماية المتوازنة للطرفين – المستأجر والمؤجر – هي الغاية التي يجب أن يسعى إليها الاجتهاد القضائي والتنظيم القانوني، من خلال مرونة التطبيق ونزاهة التقدير، بما يُحقق العدالة ويحفظ الحقوق.
وهذه المذكرة تمثل رؤية تحليلية أولية، سأعقبها بدراسة أشمل تتضمن معالجات ومقترحات واقعية لمساعدة المتعاملين في سوق الإيجارات بالسودان.
والله المستعان
في رحاب الوطن هل ظهور حميدتي يضيف شي للمشهد السوداني لا اعتقد فقد سبق السيف العزل فات الاوان فات فات كتب /اسامة مهدي عبد الله
المشهد الإقليمي والعالمي والمشهد في الشرق الأوسط يشهد الان مواجهات مسلحه وحرب بين اسرائيل …