خارج النص يوسف عبدالمنان أمن البحر

فتحت “صحيفة الكرامة” جرحاً عميقاً بتقرير كتبه الصحافي المتميز جداً رحمة عبدالمنعم عن النقل البحري وشركات أجنبية ظلّت تسيطر على مورد اقتصادي هام من خلال احتكار وارد وصادر البلاد من السلع، ولكن ما لم يرد على الأقل في الحلقة الأولى من ملف جدير بالقراءة والمتابعة ومشاركة آخرين من المختصين من علماء النقل البحري والأمن البحري والاقتصاد، وقد عانت بلادنا كثيراً في حقبة الحرب الحالية من عدم وجود ناقل وطني بحري لتغطية احتياجات البلاد من مدخلات الدفاع عنها.

شاهدنا كيف احتجزت المملكة العربية السعودية سفينة أسلحة قادمة للسودان تحت ذريعة وجود قرار من الأمم المتحدة بإيقاف توريد السلاح للسودان، ثم احتجزت الولايات المتحدة الأمريكية سفينة أخرى مملوكة لشركة خليجية خاصة، ولم تُفرج عنها إلا بعد شهور عديدة، واحتجزت السلطات الأردنية في ميناء العقبة سفينة بلغارية في طريقها للسودان الذي لا يملك أسطول نقل بحرياً مملوكًاً للدولة، ولم تشجّع الحكومة القطاع الخاص على ولوج هذا السوق الرابح، ودولة أفقر من السودان مثل الصومال تمتلك 34 سفينة، منها 20 حكومية و14 للقطاع الخاص، بينما يملك اليمن الجنوبي سابقاً 50 سفينة تجارية وأكثر من 30 قطعة بحرية عسكرية.

ومنذ أن حلّت ببلادنا لعنة الخصخصة التي أفقدتها القطاع البحري، وبيعت البواخر السودانية بطريقة مريبة وبأسعار زهيدة، مثلما بيعت مؤسسات أخرى، وبكل أسف لم تنهض شركات النقل البحري لسد الفراغ الذي حدث، ولم يشأ القطاع الخاص نفسه، وهو ناقل وطني أيضاً، بتطوير السفن التي يملكها، واكتفت شركات محدودة بنقل صادر الحجاج والخراف من حين لآخر، ولكن المنافسة غير العادلة أبعدت الشركات السودانية عن لعب دور في إسناد الدولة، خاصة في حقبة الحرب الحالية.

وقد استبشر الناس خيراً بدخول شركة وطنية ملكت الفضاء، والآن تُجرّب حظها في البحر، وهي “شركة تاركو” التي امتلكت باخرتين، وهو أقل بكثير من حاجة البلاد، ولكن دور الدولة أن تدعم مثل هذه الشركات، ولا تتركها للمنافسة غير العادلة مع دول تمتلك أساطيل بحرية وإمكانيات كبيرة، ومثلما دعمت الدولة قطاع الطيران ببعض التسهيلات، فإن قطاع النقل البحري له ارتباط وثيق جداً بأمن البلاد البحري، الذي تتعاظم أهميته في عالم اليوم، والسودان دولة مطلّة على أهم الممرات البحرية في العالم.