بين الأخوّة والحذر السياسي بقلم:ندي عثمان عمر الشريف

منذ اندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، ظلت مصر تراقب الموقف من الجهة الشمالية بقلق بالغ. فالعلاقات بين البلدين ليست محض جوار جغرافي، بل ترتبط بتاريخ طويل من التعاون السياسي والاجتماعي والأمني، ولكن الحرب فرضت واقعًا جديدًا دفع القاهرة إلى السير على حبل دبلوماسي مشدود.
موقف مصر: الحياد الحذر

اتخذت مصر موقفًا رسميًا داعمًا لوحدة السودان واستقراره، ودعت مرارًا إلى وقف إطلاق النار والجلوس إلى طاولة الحوار. استضافت القاهرة، في يوليو 2023، “قمة دول جوار السودان”، ولقاءات سياسية جمعت الفاعلين المدنيين، في مسعى لحل الأزمة دون الانحياز لطرف على حساب آخر.

لكن ذلك لم يمنع التوتر، خاصة بعد احتجاز قوات الدعم السريع جنودًا مصريين في قاعدة مروي مطلع الحرب، ما أثار استياءً مصريًا كبيرًا، وأظهر هشاشة العلاقة بين القاهرة والدعم السريع. من جانبه، اتهم محمد حمدان دقلو (حميدتي) مصر بدعم الجيش السوداني، وهو ما نفته القاهرة بشدة، مؤكدة تمسكها بالحياد.
الدور الإنساني المصري
رغم التوترات السياسية، لعبت مصر دورًا بارزًا في الجانب الإنساني، حيث استقبلت أكثر من 460 ألف نازح سوداني منذ بدء الحرب، وقدّمت لهم المساعدة عبر الهلال الأحمر ومراكز الإيواء في أسوان والمناطق الحدودية. هذا التدفق أعاد التأكيد على متانة الروابط الشعبية، خاصة في ظل علاقات قرابة ومصاهرة تربط بين مجتمعات الحدود في البلدين.
تدرك مصر أن استقرار السودان جزء من أمنها القومي، وأن انفجار الوضع هناك سينعكس سلبًا على حدودها الجنوبية، ومياه النيل، والتوازن الإقليمي. لكنها في الوقت ذاته لا ترغب في التورط العسكري المباشر، وتفضل لعب دور الوسيط لا الخصم.
ومع ازدياد تعقيدات المشهد، تحاول القاهرة الحفاظ على خط رجعة مع الطرفين، بينما تسعى لتقوية نفوذها السياسي من خلال المبادرات الإقليمية، والحفاظ على حضورها كضامن لأمن وادي النيل.
علاقات السودان ومصر، رغم ما تمر به من ضغوط، ما زالت قائمة على تاريخ مشترك ومصالح متبادلة. لكن الحرب فرضت واقعًا جديدًا، تتعامل معه مصر ببراغماتية حذرة، توازن بين التعاطف الشعبي، والمصالح الجيوسياسية، وعدم الانجرار إلى عمق الأزمة. فهل تنجح القاهرة في لعب هذا الدور حتى نهاية الحرب؟