‫الرئيسية‬ مقالات كيف تعاملت القاهرة مع أخطر أزمة على حدودها دون إطلاق رصاصة؟ مصر والسودان: سياسة النفس الطويل في زمن الانهيار د. عبدالناصر سلم حامد
مقالات - مايو 14, 2025

كيف تعاملت القاهرة مع أخطر أزمة على حدودها دون إطلاق رصاصة؟ مصر والسودان: سياسة النفس الطويل في زمن الانهيار د. عبدالناصر سلم حامد

كيف تعاملت القاهرة مع أخطر أزمة على حدودها دون إطلاق رصاصة؟        مصر والسودان: سياسة النفس الطويل في زمن الانهيار     د. عبدالناصر سلم حامد

 

كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في فوكس السويد

باحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب

 

منذ اندلاع الحرب في السودان بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل 2023، كانت مصر في تماس مباشر مع واحدة من أخطر أزمات الإقليم خلال العقد الأخير. وبينما تتابع القوى الإقليمية والدولية الأحداث عن كثب، اختارت مصر أن تكون قوة استقرار، تلتزم بنهج “النفس الطويل”، حيث لا تنحاز لطرف بعينه بل تضع أمن المنطقة واستقرارها في مقدمة أولوياتها.

 

تمتد الحدود بين مصر والسودان لأكثر من 1,200 كيلومتر، مما يجعلها من أكثر الجبهات هشاشة في حال غياب الدولة السودانية عن الحفاظ على الأمن على الجانب الآخر. ومن هذا المنطلق، تمسكت مصر بسياسة “الاحتواء دون الانخراط”، حيث ركزت على تعزيز الأمن دون التدخل العسكري المباشر، وتواصلت دبلوماسيًا دون أن تأخذ جانبًا عسكريًا في الصراع. هذا النهج يعكس التزام القاهرة بالاستقرار الإقليمي دون التورط في صراعات غير محسوبة، وهو نفس النهج الذي تبنته في ليبيا، حيث حافظت على وجود مؤثر دون الدخول في عمق النزاع.

 

في ظل التصعيد العسكري، استقبلت مصر أكثر من 1.2 مليون لاجئ سوداني، أي ما يقارب 57% من مجموع اللاجئين على أراضيها حسب بيانات الأمم المتحدة. وقد توزع اللاجئون بين عدة مدن مصرية مثل القاهرة الكبرى، الإسكندرية، أسوان، والجيزة. على الرغم من الأعباء الاقتصادية التي فرضها هذا التدفق الكبير، بذلت الحكومة المصرية جهودًا كبيرة في توفير الرعاية الصحية والإيواء والدعم الإنساني للاجئين بالتنسيق مع المنظمات الدولية والمحلية مثل الهلال الأحمر. والجدير بالذكر أن هذا الموقف لم يكن حكوميًا فحسب، بل تفاعلت معه مؤسسات المجتمع المدني المصرية التي عاملت اللاجئين كمقيمين دائمين وليس ضيوفًا مؤقتين.

 

منذ بداية الأزمة، اتبعت مصر سياسة استباقية تهدف إلى احتواء الأزمة السودانية من دون أن تساهم في تفاقمها. إذ وضعت القاهرة أمنها القومي في سياق أوسع يتجاوز مسألة العلاقات الثنائية إلى مسألة الأمن الإقليمي ككل. وفي هذا الصدد، أدركت مصر أن انهيار السودان سيؤدي إلى تهديدات أمنية شديدة، بما في ذلك احتمالية تحول البلاد إلى ساحة جذب للتنظيمات المسلحة العابرة للحدود.

 

في هذا السياق، تحركت مصر بهدوء عبر القنوات الدبلوماسية، محققة نفوذًا من خلال التعاون مع منظمات إقليمية ودولية مثل الاتحاد الإفريقي، وتجنبت الوقوع في فخ الحلول المفروضة من الخارج. وقد كان هذا التحرك جزءًا من سياسة مصرية أوسع، تتمثل في دعم الحلول السياسية التي ينبثق فيها الحل من داخل السودان نفسه، مدعومًا بإرادة إقليمية ودولية.

 

على الرغم من أن البعد الإنساني والسياسي كان محوريًا، إلا أن البُعد الاقتصادي للأزمة كان له أيضًا دور كبير في تحديد سياسة مصر. تدرك القاهرة أن استقرار السودان ليس فقط ضمانًا لأمنها القومي، بل أيضًا ضرورة استراتيجية لضمان استمرار التكامل الاقتصادي بين البلدين. حيث يرتبط السودان بمصر عبر عدة مشاريع اقتصادية، مثل الربط الكهربائي العابر للحدود وسلاسل التوريد الزراعي التي تلعب دورًا هامًا في ضمان استقرار السوق المصري. هذه المشاريع تعزز من الحاجة لاستقرار السودان وتكامل اقتصاده مع الاقتصاد المصري، مما يجعل من الضروري دعم الحلول التي تمنع انهيار المؤسسات السودانية.

 

من خلال التحرك متعدد المسارات، اعتمدت الدبلوماسية المصرية على أدوات غير مباشرة مثل التعاون الأمني والاستخباراتي والدعم الإنساني. كما كان لها دور مهم في التنسيق مع دول الجوار مثل تشاد وجنوب السودان وإريتريا. وقد أسست مصر من خلال هذا التنسيق منصة ثلاثية لتبادل المعلومات ومتابعة تطورات الوضع في السودان بشكل أكثر فاعلية. هذا التنسيق الإقليمي يساهم في تعزيز قدرة مصر على التعامل مع تبعات الأزمة السودانية بشكل مشترك مع جيرانها.

 

وفي المجال الدولي، دعت مصر المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته فيما يتعلق بالأزمة السودانية، خاصة في مجالات اللجوء وإعادة الإعمار ودعم الاقتصاد السوداني. وقد حذرت القاهرة من أن ترك السودان في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار سيزيد من تعقيد الوضع، ويخلق بيئة خصبة لتدخلات خارجية قد تؤدي إلى تفاقم الأزمة. من هنا، أكدت مصر على ضرورة أن يتحمل المجتمع الدولي جزءًا من المسؤولية لضمان حل طويل الأمد للأزمة السودانية.

 

وسط الأوضاع الإقليمية والدولية المتشابكة، حافظت مصر على تموضعها كجسر توازن بين مختلف القوى الإقليمية والدولية، مما سمح لها بالتحرك بشكل متوازن دون أن تتورط في صراعات إقليمية. إن سياسة “الاحتواء دون الانخراط” التي تبنتها مصر تعكس رؤية استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على الاستقرار الإقليمي، وحماية المصالح الوطنية، وضمان أمن المنطقة. هذه السياسة تشير إلى فكر سياسي ناضج يعكس فهمًا عميقًا للواقع الجيوسياسي وأهمية التحرك في أوقات الأزمات.

 

والسؤال اليوم: من يحذو حذوها

‫شاهد أيضًا‬

وهج الكلم         د حسن التجاني  قواتنا المسلحة…عودة سيادة البلاد وحكومة الأمل….!!

مع الجيش أين كان واين حل واين وجد….مع قواتنا المسلحة واقول قواتنا المسلحة نعم واعني …