للتاريخ والذكرى… جعفر نميري يدافع عن حكمه: “مايو لم تخطئ أبداً” حوار: ضياء الدين بلال
صدام يستحق ما حدث له.. وأمريكا أعظم دولة في العالم
“أرجوكم أعفوني من هذا السؤال”…!
نُشر هذا الحوار لأول مرة قبل أكثر من عشرة أعوام، مع الرئيس الأسبق جعفر محمد نميري، في ذكرى انقلاب 25 مايو. وقد تضمّن إجابات صريحة، ومعلومات جديدة، وآراء مثيرة، نعيد نشره اليوم بمناسبة ذكرى انقلابه .
كانت مقدمة الحوار آنذاك:
هل هي المناسبة، أم الشخص، هو ما يجعل هذا الحوار بطعم مختلف؟
“مايو” التي امتدت ستة عشر عامًا، انتقلت من اليسار إلى اليمين، ثم وقفت في الوسط، تأخذ من الاتجاهين بقدر ما يكفل لها البقاء.
من الصعب طيّ صفحاتها ووضعها في الأرشيف، فهي فترة لا تزال آثارها وبصماتها حاضرة في كل شيء: في الاقتصاد، والسياسة، وفي الرجال الذين خالفوها أو حالفوها.
وما زالت معظم أسئلتها عذراء، لم يمسّها إنس ولا جان!
دخلتُ مباني حزب “قوى التحالف العاملة” الذي يترأسه جعفر محمد نميري. كانت مراسم الاحتفال قد بدأت، والكراسي مبعثرة هنا وهناك، ومجموعات صغيرة تحتل بعض المكاتب.
على مدخل المبنى الداخلي، سكرتيرة وموظف وعدد من الزوار.
دخلتُ على نميري في مكتبه البسيط الأثاث: طاولة، مكتبة، ومقاعد. قال إن الأثاث من مكتب السيد مالك حسين، الذي حضر جانباً من الحوار.
كان نميري منكباً على ورقة أمامه. وبفضول الصحفي، نظرت إليها، فإذا بها رسمة لفتاة ذات ملامح ذكورية، وقد ظلل بعض أجزائها بقلم أحمر.
سألته:
• هل رسمتها أنت، سيدي الرئيس؟
أجاب: لا!
وفي ورقة أخرى، كُتب بخط عريض: “لا إله إلا الله”، بعد البسملة.
سألته: هل هذا خطاب؟
قال: لا، أردت أن أكتب أسماء الله الحسنى!
كان الحوار مفتوحاً، يقفز من موضوع لآخر، بحسب رياح الإجابات، التي جاءت عاصفة أحياناً، وهادئة في أحيان أخرى. وكانت البداية من اللافتة على الباب.
⸻
اللافتة على الباب كتب عليها “الرئيس” فقط. هل المقصود رئيس الجمهورية باعتبار ما كان، أم رئيس “قوى التحالف”؟
• “الرئيس” المقصود هنا هو رئيس التحالف، ولكن بصفتي العسكرية، فإن أي رتبة يكتسبها الشخص تبقى له، لا يُزاح عنها. لذلك حين يُناديني الناس بـ”الرئيس”، أقدّرهم، فهي مثل المشير، لأنني وصلت إلى رتبة المشير عسكرياً، ورئيس سياسياً.
على واجهة دار التحالف كُتب: “سنعيده وطناً عزيزاً سيداً”. هل يعني ذلك أن الوطن فقد عزته وسيادته بابتعادكم عن الحكم؟
• الوطن منهار.
قبل 15 عامًا، وضعنا خطة ليصبح السودان “أمريكا أفريقيا”، لأننا نملك الأرض والناس والإمكانات، ولدينا علاقات دولية واسعة.
لو لم تأتِ 6 أبريل، هل كنت ستحكم السودان حتى اليوم بالطريقة ذاتها؟
• لا. نميري كان يحكم ويتقدم للأمام كل يوم، لم يكن جامداً على حال.
هل كانت مايو ستتطور إلى نظام تعددي ديمقراطي؟
• مايو كانت أكثر الحكومات ديمقراطية في تاريخ السودان، وكان يمكن أن نُزيد فيها من الديمقراطية.
هل تقصد ديمقراطية حزبية؟
• لا. لا يمكن أن تكون حزبية مثل حزب الأمة أو الحزب الاتحادي أو حزب الجبهة… كلهم جربوا حكم البلد، ولم يأتوا بجديد.
لكنكم سجلتم حزباً وفتحتم له داراً؟
• سجّلنا الحزب من أجل الديمقراطية، ولنكون ديمقراطيين مع الآخرين.
اختيار هذا المبنى لحزبكم، هل له دلالة خاصة؟
• اخترناه لأن الحكومة رفضت منحنا أي مكان. للأسف “لا الوالي ولا الواعي خشانا ولا أدانا مكان”.
لكن الحكومة ليست ملزمة بإعطائكم مكاناً، أنتم حزب مستقل؟
• المبنى الذي فيه وزارة الخارجية هو ملك لنا، أعطيناه للحكومة لأنها أهم من الحزب.
هل هو ملك شخصي لك أم ملك الحزب؟
• ملك لنا كتنظيم سياسي. اشتريناه من الإنجليز في أيام مايو، وأعطيناهم مكاناً آخر.
لكنكم كنتم دولة آنذاك، لا حزباً؟
• كنا تنظيماً سياسياً ولسنا حزباً، وإلى الآن لسنا حزباً.
هل دخلت هذا المبنى أثناء فترة حكمك؟
• المبنى أُعطي لي من صديقي، وهذه الطاولة والدولاب من مكتب مالك حسين.
هل لديكم أموال تديرون بها الحزب الآن؟
• حين عدنا، لم نكن نملك شيئاً. لدينا أصحاب يتكفلون بكل شيء، حتى احتفال هذا العام.
من بقي معك من رفاق الأمس؟
• أغلبية السودانيين الذين انتخبوني رئيساً.
أقصد من القيادات؟
• كلهم معي، كل الذين بدأوا معي الثورة.
لكن معروف عنك أنك تخلصت من أغلبهم؟
• تخلصت من السيئين فقط.
تخلصت من كل أعضاء مجلس الثورة؟
• لا، أبداً.
لكن قتلت بابكر النور، وهاشم العطا، وفاروق حمدناالله!
• هل تسمي ما حدث “استغناء”؟ قدمناهم لمحاكم، والمحكمة حكمت عليهم بالإعدام.
ولو عاد بك التاريخ، هل كنت ستُقر تلك الإعدامات؟
• كل من يعمل ضد قانون البلد يُقدَّم لمحاكمة، وهي التي تقرر مصيره.
لكن أنت نفسك قمت بانقلاب ضد دستور ديمقراطي منتخب؟
• كنت مستعداً لأن أُحاكم لو قبضوا عليّ. وقد حوكمت مرات عديدة.
هل تعتذر عن أخطاء ارتكبتها خلال حكمك؟
• مايو لم تخطئ أبداً. من أخطأ هم الناس، الذين تسابقوا على كراسي الحكم، وعلى رأسهم الترابي.
لماذا الترابي؟
• لأنه كان قائد الإخوان المسلمين، ويعمل بالسر. وقد كنت رئيسه ثلاث مرات: في المدرسة الوسطى، والثانوي، وحين أصبحت رئيساً.
هل كان يحمل نوايا سيئة تجاهك؟
• ظهر ذلك. رغم أنه نبيه وخلوق، إلا أن سيئاته ظهرت حين دخل الحكومة.
قيل إنك كنت تنوي ضرب الإسلاميين كما فعلت مع الشيوعيين؟
• كلمة “إسلاميين” لا تدخل رأسي. قل لي: “حزب الإخوان المسلمين”، لدي أصدقاء فيه درسوا معي.
من أسقط مايو؟
• لا أعرف.
قيل إن الأمريكان أسقطوك بسبب توجهك الإسلامي؟
• هذا غير صحيح. ما زلت أطالب بعلاقة جيدة مع أمريكا، وأراها من أعظم الدول في العالم.
ما رأيك في مصير صدام؟
• يستحق ما حدث له. كان يتآمر على السودان.
لكن في 1971 لم يكن صدام حاكماً؟
• كان نائباً للرئيس، وكان مسؤولاً.
هل فكرت في العودة للحكم بعد 6 أبريل؟
• لم أفعل، لأنني كنت أعلم أنهم سيصلون إلى ما وصلوا إليه الآن.
كيف تتعامل مع ذكرى 6 أبريل؟
• (صمت)… ثم قال: أرجو أن تعفيني من هذا السؤال.
ما وضعك المادي الآن؟
• أعيش على معاش رئيس الجمهورية، وهو كافٍ لي ولزوجتي.
أليس من المبالغة أنك لا ترى خطأ واحداً في 16 عاماً؟
• لم أكن أحكم منفرداً، بل مع جماعة: حكومة مايو.
لكنك غيّرت كل الحكومات؟
• كلهم أخطأوا.
وأنت؟
• أخطأت في ماذا؟!
أعدمت سياسيين سودانيين؟
• هؤلاء قُدّموا لمحاكمات، والمحكمة حكمت. أنا لست قاتلاً، بل كنت ضد إعدام عبدالخالق وقرنق.
لماذا أُعدم الشفيع؟
• اسألوا المحكمة.
لكن كنت تراجع المحاكمات؟
• عبر مستشارين قانونيين. هم ينصحونني، وبعض المحاكم لا تحتاج إلى مستشارين.
هل واجهتك فاطمة أحمد إبراهيم أو نعمات مالك؟
• لم أرهما في حياتي، فقط في الصور.
هل لديك حراسة خاصة؟
• ليس حراسة، بل متابعة من الدولة، ورفضتها مراراً.
ألا تخشى أعداءك؟
• ليست لي عداوات.
قيل إنك كنت مخموراً أثناء محاكمة ضباط 19 يوليو؟
• هذه فرية كاذبة. من الذي أرسل لي الخمر؟ لا أساس لها من الصحة.
هل كنت تضرب وزراءك بعصا؟
• (ساخراً) أضربهم بالعصا أم باليد؟ لم أكن أضرب أحداً. هذه شائعات.
منصور خالد؟
• كان جيداً، لكن تجاوز حدوده فغيرته. كان يسافر لأغراض خاصة دون علمنا.
قيل إن بهاء الدين أحمد إدريس كان يتآمر عليه؟
• بهاء الدين لم يكن مركز قوة. مجرد محاسب.
هل راقبت وزراءك؟
• تركتهم يراقبون أنفسهم.
هل كنت تعلم بملفات فساد بهاء الدين؟
• لا علم لي، وكلها تلفيقات. لذلك أُطلق سراحه.
هل كنت راضياً عنه؟
• تماماً.
نقل الفلاشا إلى فلسطين؟
• رفضت نقلهم إلى إسرائيل مباشرة. طلبت نقلهم إلى مكان آخر، ثم إلى حيث يريدون بعد 24 ساعة.
لكن فلسطين ليست ملكاً لليهود؟
• هم يعودون إلى بلدهم. الرسل أغلبهم من بني إسرائيل، حتى عيسى.
صورتك على العملة، هل قررت وضعها؟
• لجان فنية بوزارة المالية تقرر ذلك.
قيل إنك أردت دخول جيوب الناس بعد فشل دخولك قلوبهم؟
• الاستقبالات الجماهيرية تقول إنني دخلت قلوبهم.
أريد رأيك في بعض الشخصيات:
• بابكر النور: شيوعي.
• عبدالخالق: شيوعي، لا أعرفه.
• نقد: صديق وشيوعي.
• الصادق المهدي: متهور ولا يعرف في السياسة شيئاً.
• الشفيع: لا أعرفه.
هل يمكن أن تعود “مايو”؟
• تعود بصدقها، وسلوكها الحميد الذي لا يظلم أحداً، ويعامل الجميع كسودانيين.
⸻
(طالتبنا الغيبة) ووصف بديع للعيد في البلد. عادل عسوم
انها ماتعة الفنان المبدع ابن نوري الخضراء معتصم ابراهيم… وان أجمع الناس بأن أجمل ماف…