أصل_القضية محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب الدولة الوظيفية في الشرق الأوسط الجديد

حين يُعاد رسم الخرائط بدم الشعوب وصمت الخرائط
قراءة فكرية تحليلية في التدخل الأمريكي ووقف الضربات الإيرانية وانعكاس ذلك على السودان
مدخل: على أطراف الخريطة… تُكتب مصائر الشعوب
في تلك الليلة التي أُطلقت فيها الصواريخ من إيران، وسُمعت صفارات الإنذار في تل أبيب، بدا وكأننا على أعتاب القيامة.
لكن فجأة، كما لو أن أحدًا ضغط زرّ الإيقاف، خمدت النيران… وتدخلت واشنطن.
وما حدث لم يكن مصادفة.
فالشرق الأوسط ليس ساحة عشوائية، بل مسرح يُدار بإخراج محكم.
الصراعات فيه لا تُترك تتطور ذاتيًا، بل تُضبط كحرائق محسوبة:
تُسمح بالاشتعال لإعادة ترتيب التوازنات،
ثم تُخمد حين تقترب من تجاوز الخط الأحمر الأمريكي،
ولا يُسمح بانتصار حاسم لطرف غير مرخص له بالنصر.
ما بدا كتصعيد إيراني حاد، انتهى بضغطة زر لأن المخرج أراد إنهاء الفصل.
هذه ليست “حربًا”، بل “إدارة توتر”.
وكلما ارتفعت ألسنة اللهب، كانت هناك يد دولية تتحكم بارتفاعها وانخفاضها… كي تبقى الشعوب بين الرماد، والدول في قبضة الوظيفة.
الدولة ليست خريطة… إنها عقدٌ وظيفي:
في العصر الحديث، لم تعد السيادة تُقاس بالحدود والجيوش، بل بالقدرة على تحديد الوظيفة.
فدولة تملك مليون كيلومتر مربع دون مشروع، لا تُرى.
ودولة صغيرة تؤدي دورًا استراتيجيًا، تُسمع وتُستدعى وتُحسب حسابها.
هنا تبرز أخطر معادلة في الجغرافيا السياسية المعاصرة:
> أن تكون دولة، لا يعني أنك سيد القرار.
وأن تكون حاكمًا، لا يعني أنك صانع الوظيفة.
“الدولة الوظيفية” كما تقترحها استراتيجية الجسر والمورد:
> الدولة الوظيفية – كما يُعاد تعريفها في هذا المشروع الفكري – هي كيان سياسي لا تُبنى مؤسساته لخدمة إرادة وطنية حرة، بل يُعاد هندسته ليؤدي دورًا مرسومًا من الخارج، وفق مصالح تتجاوز حدوده.
تُدار كما تُدار مهمة إدارية في جهاز تابع: تُسلَّم التعليمات، ويُطلَب التنفيذ، دون مساءلة عن المعنى أو المصير.
في هذا النموذج:
* تُجهَّز النخب لا لصياغة مشروع وطني، بل لتسويق الوظيفة الخارجية.
* يُستخدم الإعلام لا لتنوير المواطن، بل لإعادة صياغة وعيه بما يناسب الوظيفة.
* تتحول الجيوش من حماية السيادة إلى أدوات ضبط داخلية أو حراسات إقليمية.
من ذاكرة السياسة… كلمات لا تُنسى:
في لحظة تأمل صريحة، كتب أحد المفكرين السودانيين البارزين عبارة تكاد تُلخص هذا المسار:
> “ما عادت الدول تُحكم من داخلها، بل تُدار من خارجها.”
وفي وصف آخر لا يقل قسوة:
> “إن الدولة الحديثة ليست حرة، وإنما تتلقى وظيفتها كما تُتلقى المهمة في جهاز تنفيذي تابع.”
رغم مرارة هذه العبارات، إلا أنها تضيء حقيقة يتجاهلها الكثيرون:
أن الاستقلال الشكلي لا يعني سيادة حقيقية، وأن كثيرًا من الأنظمة ما هي إلا محطات تنفذ التعليمات، لا مراكز تصنع القرار.
الولايات المتحدة… المخرج لا المتفرج:
حين تدخلت أمريكا لوقف التصعيد بين إيران وإسرائيل، لم تفعل ذلك دفاعًا عن السلام، بل حمايةً لسيناريو الصراع طويل الأجل.
فمنذ عقود، تتصرف واشنطن لا كمجرد لاعب، بل كمخرج للمسرحية:
تُفتح الجبهات لتُستهلك الطاقات الإقليمية.
تُدار الحروب كصنابير ماء: تُفتح تدريجيًا، وتُغلق عند الحاجة.
وكل ما يجري من صراع، يجري ضمن حدود لا تُهدد هيبة المركز.
من يكتب النص، يتحكم في مآلاته.
وفي كل مرة يشتعل فيها الإقليم، نُدرك أننا نعيش فصلًا جديدًا في مسرحية لم نكتبها… لكننا جميعًا فيها، ممثلون ثانويون أو ضحايا صامتون.
خريطة تُرسم… ووظائف تُوزع:
الخريطة الجديدة تُرسم الآن. لا على طاولة التفاوض، بل فوق ركام العواصم المدمرة، ومن خلال أدوار تُسند لكل دولة حسب الوظيفة المطلوبة منها.
الدولة الوظيفية المراد لها أن تكون :
* الإمارات ذراع اقتصادية وأمنية لإعادة هيكلة الاقتصاد الإقليمي
* قطر قناة تفاوض ومركز ضغط ناعم
* تركيا منصة هجومية جيوسياسية في آسيا والبلقان
* إسرائيل قاعدة استخبارات متقدمة ومركز اختبار عسكري دائم
* مصر والسودان بوابتان للضبط السكاني والتحكم بالموارد والممرات
وفي هذا السيناريو، لا أحد يسأل الشعوب ماذا تريد، بل يُطلب منها فقط أداء دور الصمت، أو دفع ثمن المقاومة.
ومضات من الخرائط المتحركة: تمرد الوظيفة على الجغرافيا:
في العالم القديم، كانت الجغرافيا تصوغ قدر الدولة.
أما في النظام الجديد، فالجغرافيا تُلغى وتُستبدل بالوظيفة.
* إثيوبيا، التي لا تطل على البحر، تمردت على قدرها الجغرافي، وأعلنت أن لها حقًا أصيلًا في البحر الأحمر، وتسعى لاقتطاع ممر بحري عنوة من سيادة جيرانها، وكأن الخرائط ليست حدودًا شرعية بل مناطق قابلة للتفاوض بالقوة.
* إسرائيل، لم تكتفِ باغتصاب فلسطين، بل تسعى لاقتلاع سكان غزة وتهجيرهم قسرًا نحو الأردن أو سيناء أو حتى السودان، في سياق إعادة هندسة ديمغرافيا المنطقة بما يحقق “أمنها الاستراتيجي”.
* السودان، المُنهك بالحرب، يُعاد تشكيله سياسيًا وديمغرافيًا في ظل رعاية خارجية تُريد له أن يكون هشًا، قابلًا للتقسيم، خاضعًا لحكم بالوكالة، تسنده دول إقليمية كالإمارات تحت غطاء “المصلحة والاستقرار”.
> ما يجمع بين هذه النماذج هو أن الدولة لم تعد تُبنى بإرادة شعوبها، بل تُصاغ وفق وظيفة مطلوبة، ويُعاد ترتيب واقعها حسب مخططات تتجاوزها.
السودان… الجغرافيا التي تُستَخدم ولا تُستَأذَن :
السودان ليس في الهامش الجغرافي، بل في قلب المعادلة.
لكنه يعاني من التهميش الذاتي وغياب المشروع.
يُنظر إليه كـ:
* معبر للتدخلات،
* مخزن للموارد،
* وحقل تجارب لإعادة هندسة الولاءات.
وفي ظل غياب إرادة وطنية شاملة، يصبح السودان مسرحًا بلا نص، وجغرافيا تُستخدم ثم تُهمل.
إن لم يُعرّف نفسه ضمن مشروع “الجسر والمورد”، فسيُعرَّف وفق وظيفة الآخرين…
وما أهون من لا يحدد موقعه في الزمن الجديد.
الشعوب… بين التغييب والترهيب:
في هذه المعادلة الدولية الجافة، تغيب الشعوب.
* في غزة، يُقتل الإنسان لأنه قال “لا”.
* في السودان، يُغيب لأنه تاه بين البنادق واللافتات.
* في اليمن وسوريا ولبنان، يُستبدل الأمل بالكوبون الغذائي.
> الشعوب لم تعد تُقصى من القرار السياسي فقط،
بل تُستبدل هويتها بوظيفة إعلامية، ويُختصر وعيها في خبر عاجل.
في المشهد الجديد، الشعوب ليست طرفًا، بل ديكورًا أو وقودًا.
ما العمل؟ وأين يقف السودان؟
السودان أمام مفترق تاريخي، لا يحتمل المجاملة:
* إما أن ينهض برؤية متكاملة ويحدد وظيفته بنفسه،
* أو يُترك للفراغ ليملؤه الآخرون كيفما شاءوا.
المطلوب ليس فقط نظامًا سياسيًا، بل عقدًا وطنيًا جديدًا يعيد تعريف الدولة:
* لا كسلطة، بل كمشروع،
* لا كحكومة، بل كمهمة حضارية،
* لا كوظيفة خارجية، بل كمورد داخلي قابل للتكامل لا للاستهلاك.
🟥أصل القضية: من لا يرسم وظيفته… يُفرض عليه دور لا يريده
في الخرائط الجديدة، لا يكفي أن تكون “دولة”، بل أن تكون فاعلة وواعية بدورها.
> من لا يرسم موقعه… يُمحى من المعادلة،
ومن لا يحدد وظيفته… يُسند له دور لا يريده.
إن لم يبادر السودان في هذه اللحظة الحرجة،
فسيبقى مجرد اسم في تقارير الأجهزة…
ومجرد مساحة في خرائط وُضعت لخدمة غيره.
ضباط مليشيا بعاصفة الحزم يعصون اوامر حميدتي ماذا هناك؟
نيالا: 5minute-news كشفت مصادر داخل المليشيا المتمردة عن عدم ثقة في الضباط المتواجدين خارج…