وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم ال(24). عَبَسَ وَتَوَلَّى، تفاصيل العبوس وكنه العتاب. عادل عسوم

لعمري مامن مسلم يقرأ سورة عبس إلا وتنتابه غصة وهو يتلوها، ولعل مرد هذه الغصة فهم (ظاهري خاطئ) لتفاصيل عبوس رسول الله صلى الله عليه وسلم وكنه عتاب الله له.
ألا رحم الله الشاعر مصطفى سند وقد قال:
محمد أنت وحي الله صوره.
وشق من فيضه الاصباح والفلقا.
قد جل قدرك قدرا
بل زها شرفا
وطاب ذكرك فوق الذكر وانعتقا.
فكن شفيعي اذا ما الذنب ارهقني
يوم السؤال وخطوي زل وانزلقا.
ياجوهر الخلق في الازمان منعتقا
قلبي يذوب فهل يلقاك منعتقا.
لو أنه فاز بالرؤيا وعانقها
للمحة لانمحى في ذاك واحترقا.
مازال حب رسول الله يهلمه
ضربا من القول يفنيه اذا نطقا.
شعراً تُرفرف عبر الكون أنجمه
فان تعذر انوارا بدا شفقا.
والشعر كالنار لاتغفو محارقه
و النار في عزها لاتعدل القلقا.
يااااه
صلى عليك الله يانبي الهدى ماهبت النسائم. وماناحت على الأيك الحمائم.
إنه الأوحد الذي وصفه الله تعالى وقال: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} 4 القلم.
وهو الحيي الذي قال الله تعالى عن حيائه:
{ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا} الأحزاب 53
وهو الذي قال عنه قيوم السموات والأرض عن رأفته ورحمته بالمؤمنين:
{لَقَد جاءَكُم رَسولٌ مِن أَنفُسِكُم عَزيزٌ عَلَيهِ ما عَنِتُّم حَريصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنينَ رَءوفٌ رَحيمٌ} 128 التوبة.
وهو الذي اختاره الله تعالى إماما للأنبياء والرسل، وكلفهم جميعا بنصرته واتباعه صلى الله عليه وعليهم أجمعين، وفي ذلك من التشريف والتعظيم له صلى الله عليه وسلم ما فيه.
قال تعالى: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقررتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين * فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} آل عمران81 و82
وهو الذي قالت عنه زوجه وأمنا بنت الصديق عائشة رضي الله عنهما:
(لقد كان خلقه القرآن)!.
بين يدي كل ذلك، واستصحابا لفهمي الخاطئ (السابق) لحال العبوس وكنه العتاب، كم كنت اجد وقع العتاب قاسيا على نفسي في حق الحبيب…
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مشغولا بقيادات من قريش يدعوهم إلى الإسلام، فأقبل عبدالله بن أم مكتوم وكان كفيف البصر فقال أقرئني وعلمني مما علمك الله يارسول الله، وجعل يكرر ذلك وهو لا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم مشغول بدعوة هؤلاء الزعماء إلى الإسلام عشما في أن يتبعهم خلق كثير، فلما أكثر ابن ام مكتوم الكلام؛ عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعرض عنه، فنزلت آيات سورة عبس يعاتب الله تعالى فيها نبيه صلى الله عليه وسلم على هذا الإعراض، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم يقول له: (مرحبا بمن عاتبني فيه ربي)، ويبسط له رداءه.
تفسير ابن كثير.
اقول:
بالطبع لم يتأذى عبدالله ابن ام مكتوب من عبوس رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه أعمى، ولم يبدر من رسول الله أيما فعل أو قول يوذي الرجل، وما كان ذلك أصلا من طبع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الموصوف من الله بكونه صاحب الخلق العظيم، والحياء الجم، ولو كان إبن ام مكتوم مبصرا لما عبس رسول الله صلى الله عليه وسلم -أصلا- في وجهه، وذلك استصحابا واستقراء للآيات القرآنية الواصفة لمناقبه والتي ابتدرت بها المقال، لقد كان العبوس ردة فعل تلقائي، وان كان رسول الله عابسا لعبس في وجوه هؤلاء الذين انزل الله تعالى فيهم هذه الآية الكريمة:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ…}.
فما كان ابن أم مكتوم أكثر إيذاء او ازعاجا لرسول الله صلى الله عليه وسلم منهم، وما كان افقر واقل شأنا منهم…
وإذا ب”‏عبس وتولى أن جاءه الأعمى”
تصبح من اللطائف القرآنية، فإن جاء النهي عن العبوس في وجه الأعمى وهو لا يرى؛ فكيف بمن يرى!.
أما العتاب فما كان عتابا على رسول الله صلى الله عليه وسلم  بسبب معصية، إنما كان عتبا له وهو قد أجتهد وأخطأ، فإنك عندما تجد ابنك يطيل السهر الى الفجر وهو يذاكر دروسه، تعتب (له) بأن يا ابني أرفق بنفسك؟
أما ان وجدته يسهر في لعب الورق مع اصحابه؛ فإن عتبك  سيكون عليه وليس له، بل قد يتحول العتب إلى تعنيف وعقاب.
اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد وآله عدد ماسبح لك من حي وجماد.
اللهم رضاك والعتق من النار، اللهم نسألك الجنة فاكتبها لي ولكل من قرأ، انك ياربي ولي ذلك والقادر عليه.
adilassoom@gmail.com