‫الرئيسية‬ تقارير سرقة تاريخية تطال مئات القطع الأثرية من المتحف القومي.. تقرير: رحمة عبدالمنعم
تقارير - ‫‫‫‏‫4 أسابيع مضت‬

سرقة تاريخية تطال مئات القطع الأثرية من المتحف القومي.. تقرير: رحمة عبدالمنعم

سرقة تاريخية تطال مئات القطع الأثرية من المتحف القومي..  تقرير: رحمة عبدالمنعم

المليشيا نهبت المقتنيات الاثرية وهربتها لخارج البلاد ..

“متحف السودان القومي” : “سرقة التاريخ”

نهبٌ ممنهج للآثار السودانية.. وتهرّيب لكنوز المتحف القومي

مراسل رويترز يكشف حجم الدمار: المتحف بلا مقتنياته الأثرية

تماثيل تهارقا وأمون وأبادماك.. “الناجون الوحيدون” من النهب

سرقة آثار نوبية ومومياوات فرعونية..

مقتنيات من الممالك النوبية إلى العصور الإسلامية.. بين الضياع والاسترداد

تقرير بريطاني: صور أقمار صناعية توثق تهريب آثار سودانية إلى دول أفريقية

مديرة الآثار والمتاحف: فقدان قطع أثرية نادرة.. واليونسكو تتدخل

في مشهد يختصر مأساة السودان، لم يبقَ من متحف السودان القومي سوى أطلال صامتة تروي فصولًا من الجريمة الثقافية الكبرى التي تعرضت لها البلاد ،هنا حيث كانت تقف تماثيل الملوك النوبيين شامخة، وحيث احتضنت القاعات مومياوات تعود إلى آلاف السنين، لم يعد سوى فراغ ينطق بالحسرة، سرقت مليشيا الدعم السريع ذاكرة الأمة، ونهبت كنوزاً  لا تُقدر بثمن، هُرب بعضها إلى دول أفريقية، وعُرض بعضها الآخر للبيع في الأسواق السوداء، وعندما دخل الجيش إلى المتحف بعد تحريره، لم يجد سوى الجدران، وبعض الجداريات التي نجت من عملية النهب، ليُسدل الستار على واحدة من أسوأ الجرائم بحق تاريخ السودان، فهل تُعاد هذه الكنوز إلى وطنها، أم أن الحضارة السودانية ستتحول إلى مقتنيات مشتتة في مزادات العالم؟

مشاهد الدمار
في لحظة مؤلمة تختصر فصول المأساة التي تعيشها السودان، كشف مراسل رويترز الطيب صديق، عبر صفحته على فيسبوك، امس الاثنين، عن مشاهد الدمار داخل متحف السودان القومي عقب دخول الجيش إليه بعد تحريره من قبضة مليشيا الدعم السريع، وكتب قائلًا: “الليلة مشينا المتحف القومي… لم ينجُ سوى تماثيل الأسد أبادماك،  وأمون، والملك تهارقا، وبعض الجداريات، أما مقتنيات المتحف ومخازن الآثار فقد نُهبت وسُرقت ودُمرت. يوم حزين… صادق مواساتنا للآثاريين السودانيين وللشعب السوداني.”
كلمات تحمل وقع الصدمة والمرارة، حيث كان المتحف القومي – الذي يُعد أحد أهم المتاحف في أفريقيا، وذاكرة حية لحضارات تمتد لآلاف السنين – هدفًا لعملية نهب وتهريب ممنهج، امتدت على مدار الأشهر الماضية، ليُترك اليوم شبه خاوٍ، إلا من بقايا حضارة كانت يومًا شاهدة على عظمة السودان.

نهبٌ ممنهج
ولم تكن سرقة متحف السودان القومي مجرد عملية سطو عادية، بل جاءت وفق مخطط دقيق نفذته مليشيا الدعم السريع التي سيطرت على المتحف منذ اندلاع الحرب في أبريل 2023 ،وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي انتشرت مؤخراً على مواقع التواصل الاجتماعي، مشاهد شاحنات محملة بالآثار أثناء خروجها من المتحف باتجاه جنوب السودان، حيث رُصدت لاحقاً بعض القطع المسروقة معروضة للبيع عبر الإنترنت وفي الأسواق السوداء بدول أفريقية مجاورة.
وكانت مديرة الهيئة القومية للآثار والمتاحف، د. غالية جار النبي،  قد اكدت في تصريحات صحفية سابقة أن عملية النهب تم توثيقها عبر صور أرسلها أفراد مجهولون، تُظهر قطعًا أثرية سودانية تُباع في المناطق الحدودية، وكشفت أن السرقة حدثت قبل أكثر من ستة اشهر ،  لكن السلطات فضلت إبقاء الأمر طي الكتمان لضمان نجاح جهود تتبع اللصوص.
وأوضحت أن المخزن المحصن، الذي كانت تُنقل إليه القطع الأثرية المهمة من قاعات العرض لأغراض الصيانة، كان هو المستهدف الرئيسي للسرقة، مشيرة إلى أن حجم النهب لم يتحدد بدقة بعد، ولكن يُرجَّح أن المتحف فقد معظم كنوزه الأثرية.

تحرير المتحف
وعقب تحرير المتحف قبل يومين، وجد الجيش نفسه أمام كارثة ثقافية، فالمبنى الذي كان يومًا يضم أكثر من 100 ألف قطعة أثرية، أصبح الآن مجرد جدران خاوية، ولم يتبقَ من الإرث الحضاري سوى القليل، فيما تم نهب معظم القطع الأثرية التي يعود بعضها إلى العصر الحجري، والفترات الفرعونية، والمروية، والمسيحية، والإسلامية.
ووفقًا لمصادر عسكرية، فقد تمكنت استخبارات الجيش في وقت سابق من رصد شاحنتين محملتين بآثار ثمينة تغادران باتجاه جنوب السودان في مطلع العام الجاري، لكن حتى الآن لم يتم التأكد من موقع القطع المنهوبة أو كيفية استعادتها.

تقارير دولية
وكانت صحيفة “الغارديان البريطانية” من أوائل الجهات الإعلامية الدولية التي نشرت تقارير عن نهب المتحف، مؤكدة أن صور الأقمار الصناعية أظهرت شاحنات تنقل آثاراً نادرة إلى خارج السودان. كما نقلت الصحيفة عن مسؤول في المتحف، أن مقاتلي مليشيا الدعم السريع اقتحموا مختبر الآثار الحيوية التابع للمتحف الوطني، وفتحوا حاويات تحتوي على مومياوات وأشياء أخرى نادرة.
وأفادت الإذاعة الوطنية السودانية أن المتحف كان هدفاً لـ”عملية نهب وتهريب واسعة النطاق”، حيث استولت المليشيا على قطع أثرية نادرة، بعضها يعود إلى أكثر من 4500 عام، وهو ما جعل هذه الجريمة واحدة من أسوأ الكوارث الثقافية في تاريخ السودان الحديث.

تاريخ عريق
ويقع متحف السودان القومي في شارع النيل بالخرطوم، بالقرب من قاعة الصداقة، وافتُتح رسمياً في عام 1971 على يد الرئيس الأسبق جعفر نميري ،كان المتحف يُعدّ مرآة تعكس تعاقب الحضارات السودانية، حيث يضم تماثيل للملوك النوبيين، ومخطوطات قديمة، وأدوات زينة وأسلحة تعود للعصور الوسطى، إضافة إلى مومياوات فرعونية تُعتبر من أقدم المومياوات المحنطة في العالم.
كما يضم المتحف متحفاً مفتوحاً في حديقته الواسعة، حيث تم إعادة تركيب معابد ومقابر أثرية تم إنقاذها من مناطق سدّ العالي، من بينها معابد سمنة شرق وسمنة غرب وبوهين، إلى جانب أعمدة كاتدرائية فرس التي تعود إلى الفترة المسيحية في السودان.
لكن اليوم، وبعد عمليات النهب والتخريب، لم يتبقَ من هذا الإرث الحضاري إلا أطلال، ما يثير التساؤلات حول مصير آلاف القطع النادرة التي ربما لن تعود إلى أرض السودان مجددًا.

استعادة المسروقات.
وأكدت د. غالية جار النبي أن الهيئة القومية للآثار والمتاحف بدأت تحركات عاجلة بالتنسيق مع اليونسكو والإنتربول والجهات المعنية بتتبع الآثار المسروقة، بهدف استعادة القطع المنهوبة قبل أن تضيع في الأسواق السوداء الدولية.
لكن عملية استرداد هذه الكنوز قد تستغرق سنوات، خاصة في ظل الفوضى الأمنية التي تعيشها البلاد،ن وضعف الإمكانيات المتاحة لملاحقة تجار الآثار والمهربين الدوليين.
ونهب متحف السودان القومي ليس مجرد جريمة سرقة، بل هو اعتداء صارخ على ذاكرة الأمة السودانية وتراثها العريق ،ومع استمرار الحرب، تتواصل الجرائم ضد الإرث الثقافي للبلاد، وسط صمت دولي مريب.
واليوم، بينما يحاول الجيش تأمين ما تبقى من المتحف، تبقى الأسئلة الحارقة بلا إجابة: هل سيتمكن السودان من استعادة تاريخه المنهوب؟ أم أن حضارة وادي النيل ستصبح مجرد بضاعة تُباع في مزادات الظلام؟.

‫شاهد أيضًا‬

قيادي يوجه رسالة للفريق ابراهيم سليمان وكبر لقيادة المقاومة بشمال دارفور

وجه القيادي بالمؤتمر الوطني عبد المحمود عثمان منصور رسالة للفريق ابراهيم سليمان ووالي دارف…