وقفات، وتدبرات رمضانية. العام 1446 اليوم ال(26). (وَلَا تَجَسَّسُوا)، وقفة وتدبر. عادل عسوم

عندما كنت طالبا في المرحلة الجامعية، اعتادت إدارة جامعة أم القرى بمكة المكرمة اسكان الطلبة المقبولين للدراسة في معهد اللغة العربية للناطقين بغيرها مع طلبة عرب في غرفهم، وذلك لتيسير تعلم التخاطب باللغة العربية، وتم اسكان طالب ماليزي اسمه محمد شافعي معي بغرفتي في شقق مستأجرة من إدارة الجامعة للطلبة العزاب، والشقة عادة تحوي اكثر من غرفة، وكل غرفة يسكنها أثنان.
لاحظت أن مساكني الماليزي يحرص كلما دخل إلى الغرفة واكون قد سبقته ورقدت، يمشي على أطراف اصابع قدميه بعد ان يفتح الباب بهدوء شديد، ويكون مغمض العينين ويسد اذنيه بأصابع يديه، سألته مرة عن ذلك فقال لي: ولاتجسسوا!
ثم ذكر لي الآية الكريمة من سورة الحجرات:
{یَـٰۤأَیُّهَا ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ ٱجۡتَنِبُوا۟ كَثِیرࣰا مِّنَ ٱلظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ ٱلظَّنِّ إِثۡمࣱۖ وَلَا تَجَسَّسُوا۟ وَلَا یَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَیُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن یَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِیهِ مَیۡتࣰا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَۚ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابࣱ رَّحِیمࣱ} الحجرات 12.
جلسنا نتحدث عن تفاصيل الآية وتفسيرها، فإذا بي أجد -في فهمه لها- أبعادا لم تخطر لي على بال…
قال لي:
انظر إلى الخطاب في الآية فإنه لم يوجه للناس ولا للمسلمين، انما تم توجبهه لل(مؤمنين)، وهناك فرق كبير عندما يكون الخطاب من الله للمؤمنين، فالمؤمن ارفع درجة، والتوجيه يحمل عادة أبعادا تتناسب مع كون المخاطب من المؤمنين، ثم فاجأني بما أذهلني حيث قال:
المؤمن لايتجسس ولايظن الظن السئ ولا يغتاب الناس،لايكون مؤمنا، فإن سمع أو رأى ما لايرضى الآخر ذيوعه، ولكون التجسس حرام فإن كل معلومة يحصل عليها المؤمن -بقصد او دون قصد- يحرم عليه استخدامها والانتفاع بها. ثم انها تعد سرقة.
قلت له لماذا تشبهها بالسرقة؟
قال: السرقة تعريفها عند الفقهاء اخذ مال من حرز، والتجسس يطال أسرار المتجسس عليه وهي كالمال في المحفوظ في الحرز!
دليل على سوء الطوية، وصاحبه بعيد عن الإيمان وإن ادّعاه، بعيد عن التقوى وإن تزيا بلباسها، لذا كان نداء رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن اتصف بذلك بقوله: (يا معشر مَن آمَنَ بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه، لا تغتابوا المسلمين، ولا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من اتّبع عوراتهم يتّبع الله عورته، ومن يتّبع الله عورته يفضحه في بيته).
صححه الألباني في صحيح الجامع.
ونحن في زمن شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يسهل نشرُ الأسرار وبثها في كل الاتجاهات في طرفة عين، فما هي إلا ضغطة زر فإذا بالفضائح تعم الأرض.
وقد توعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم من يستمع إلى حديث قوم وهم له كارهون، بأن يُصَبّ في أذنه الرصاص المذاب يوم القيامة بسبب فعلته هذه. ففي صحيح البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “…وَمَنِ اسْتَمَعَ إِلَى حَدِيثِ قَوْمٍ، وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ، أَوْ يَفِرُّونَ مِنْهُ، صُبَّ فِي أُذُنِهِ الآنُكُ يَوْمَ القِيَامَةِ…”. والآنك: الرَّصاص المُذاب.
ومن الناس من تتطلع نفسه إلى معرفة ما يخفيه الناس في هواتفهم أو أوراقهم أو صورهم ونحو ذلك… وقال عليه الصلاة والسلام: “من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه”. أخرجه الترمذي وابن حبان عن أبي هريرة رضي الله عنه.
ويكفي التجسس سوءا وقبحا أن صاحبه يُعَرّض نفسه لغضب الله وأليم عقابه في الآخرة، أما في الدنيا فيبقى مكروهاً مُبغَضاً عند الناس، فهو دائماً في محل الريبة والشك، لا يأنس الناس به، ولا يرتاحون بحضوره.
يقول الإمام أبو حاتم ابن حبان رحمه الله:
“الواجبُ على العاقلِ لزومُ السلامةِ بتركِ التجسّس على عيوب الناس، مع الاشتغال بإصلاح عيوب نفسِه، فإنّ مَن اشتغل بعيوبه عن عيوب غيره، أراح بدنه ولم يُتعب قلبه، فكلما اطلع على عيبٍ لنفسِه، هانَ عليه ما يَرَى مثله مِن أخيه، وإنّ مَن اشتغل بعيوب الناس عن عيوب نفسه، عَمِيَ قلبُه، وتعِبَ بدنه، وتعذَّرَ عليه تركُ عيوب نفسِه، وإنّ مِن أَعْجَزِ الناس مَن عابَ الناس بما فيهم، وأعجزُ منه من عابهم بما فيه، ومَن عاب الناس عابوه”؛ (روضة العقلاء ونزهة الفضلاء.
وصدق من قال:
لا تلتمسْ من مساوي الناس ما سَتروا
فيهتك الناسُ سترا من مساويكا
واذكرْ محاسِنَ ما فيهم إذا ذُكِروا
ولا تعِبْ أحدا عيبا بما فيكا
نسأل الله تعالى أن يوفقنا لحب الخير وعمل الصالحات، وأن يجنبنا التجسس على الناس واتباع العورات والزلات.
وصل اللهم وسلم وبارك على حبيبنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
adilassoom@gmail.com
السودان يدين الهجوم على قطر
اصدرت وزارة الخارجية بيانا صحفيا ادانت فيه الهجوم على دولة قطر الشقبقة وفيما يلي نص البيان…