‫الرئيسية‬ مقالات واقعنا نجاة الحاج جولات البرهان وعقلانية البحث عن الحلول
مقالات - أبريل 29, 2025

واقعنا نجاة الحاج جولات البرهان وعقلانية البحث عن الحلول

واقعنا  نجاة الحاج     جولات البرهان وعقلانية البحث عن الحلول

 

أثارت زيارة رئيس مجلس السيادة السوداني إلى مصر هذا الأسبوع ردود فعل متباينة في الأوساط السياسية في السودان والإقليم، كلٌّ وفق منظور مصالحه. لكنني أرى أن الرأي العام السوداني والعقل الجمعي له رأي آخر مبني على قضايا مهمة، منها:

 

١/ ما هو واقع السودان الحالي نتيجة هذه الحرب؟ بكل صدق مع النفس: على مستوى تماسك مؤسساته وبنيته الأساسية، وهجرة ونزوح وتشريد ثلاثة عشر مليون سوداني داخليًا وخارجيًا، فضلًا عن تعرض عشرات الآلاف للقتل والإصابة، معظمهم من المدنيين.

 

٢/ ما هو الموقف الإقليمي والدولي من أزمة السودان الآن؟ وما هي علاقات السودان مع دول محيطه الإقليمي قربًا أو بعدًا من الحل، بغض النظر عن الأسباب والملابسات وأخطاء الأطراف؟ وما أثر ذلك على تطورات الحرب وتغير مناهجها، خصوصًا بعد تورط بعض الدول في تشجيع قيام حكومة موازية لا قيمة لها في الحل القومي السياسي للحرب، بل تساهم في احتمالات تقسيم السودان؟ ولماذا لم تعد الحرب في السودان أولوية في اهتمام العالم في ظل أزمات أخرى مثل غزة وأوكرانيا؟ وما أثر ذلك على الوضع الراهن للسودان، رغم أن القضية السودانية مدوّلة بامتياز؟

 

٣/ ما هو دور الجيش السوداني كمؤسسة وحيدة ظلت متماسكة حتى الآن؟ وكيف قلب تراجعه الأولي أمام الدعم السريع نتيجة أخطاء ساهم فيها جزئيًا بتمكين الدعم السريع من الانتشار في المواقع الاستراتيجية قبل الحرب؟ الجيش بصبره وإصراره غيّر واقعه بثمن كبير عبر مراجعة الذات وتطوير التسليح، وإضافة عناصر مهمة لحربه في مجالين أساسيين:

 

أولًا: سلاح الطيران والطائرات المسيّرة.

 

ثانيًا: الحرب الإلكترونية والتشويش لقطع الاتصالات بين مجموعات التمرد وقياداتها، وهو ما كان فعالًا ضد قوات التمرد التي لا تتمتع بصفات الجيوش النظامية المتماسكة. فاضطرت إلى الانسحاب من مساحات واسعة، بما فيها العاصمة الخرطوم، وهُزمت عسكريًا وهُشمت قواها الأساسية.

 

 

٤/ هناك عامل مهم ساهم في خلق الرفض الشعبي للدعم السريع، وهو أن هذه المليشيا نشأت عشوائيًا ضمن قبيلة واحدة بلا فكر أو برنامج وطني جامع، وكانت أداة لتنفيذ أهداف محلية قصيرة الأجل لمحاربة ميليشيات أخرى. تطورت لاحقًا عبر توظيف إقليمي ودولي لخدماتها المحدودة. ما قصم ظهر المليشيا كان الجرائم الفادحة التي ارتكبتها ضد المدنيين في المناطق التي سيطرت عليها، ولا تزال ترتكبها كما حدث مؤخرًا في صالحة، إلى جانب استهدافها عمدًا للمنشآت المدنية في مروي والشمالية والنيل، وتصريحات قادتها باستهداف أبناء مناطق معينة. كل هذا أسقط عنهم شعارات “المدنية” و”حقوق الهامش”، وأحرج حتى من انضموا إلى الحكومة الموازية والدول الداعمة لها.

 

٥/ من هذه العوامل تتضح دروس مهمة، أبرزها أن الدعم السريع وأي ميليشيا أخرى لا تصلح لحكم دولة، وهو شعار من شعارات الثورة. بالتالي، يسقط أي مشروع لإشراكهم في السلطة المقبلة، حفاظًا على مدنية الدولة، والتحول الديمقراطي، ووحدة السودان، وتحقيق العدالة الانتقالية والمحاسبة. وهذا لا يتحقق إلا بإيقاف الحرب أولًا، واللجوء إلى الحل السياسي بعيدًا عن السلاح، وهو حل أصبح واردًا بما حققه الجيش حتى الآن، إذا استُثمرت إرادة الجماهير بشكل صحيح، وتجردت القوى المدنية والنخب السودانية من مصالحها الذاتية، وتوجهت نحو الحل الوطني الديمقراطي الذي يضمن وحدة السودان أرضًا وشعبًا.

 

وبالطبع، نحن بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي لحل هذه الأزمة العميقة، وهو ما يفسر تحركات البرهان الأخيرة. وإذا تجاوزنا موقف بعض الرافضين للتوجه نحو مصر، لأسباب مصلحية أو تقليدية تاريخية أو لمجرد التقليد للآخرين، فلن نجد دولة غيرها في الإقليم ترتبط معنا بمصالح استراتيجية لا يمكن التنازل عنها، بحكم الجغرافيا والتاريخ والأمن القومي والعلاقات الشعبية العميقة.

 

وما تسعى مصر لتحقيقه نابع من تلك المصالح المشتركة وقد أدرك الجيش هذه الحقيقة، وتحرك وفقًا لها، وهو سر زيارة البرهان الأخيرة. وعلى المدركين لأبعاد هذا التحرك دعمه، مهما كانت آراؤهم الشخصية فيه. ففي ظل قيادته للجيش وسط هذه الظروف المعقدة، ولحفاظه على تماسك المؤسسة العسكرية حتى الآن، لا يمكن محاكمته خارج هذا السياق. لذلك، يجب دعم جهوده، خصوصًا زياراته الإقليمية التي بدأها من السعودية ثم مصر، لأنه يسير على الطريق الصحيح لإصلاح ما أفسدته علاقات سابقة كانت مهدت لبعض الدول دعم ميليشيا الدعم السريع، بما في ذلك تمرير السلاح لها.

 

ولا بد من وقف هذا الدعم، خصوصًا أن الدعم السريع بعد هزيمته لجأ إلى أساليب إرهابية باستهداف المدنيين ومحطات الكهرباء والمياه، ومحاولة تحويل الحرب إلى صراع قبلي عبر بث الرعب بين المدنيين لإيهام الآخرين بقدرته على الاستمرار.

 

التحية لوعي الشعب السوداني.

التحية لصمود الجيش.

التحية لشعب السعودية.

التحية لكل دولة وشعبها تفهم قضية شعبنا ووقف معه.

وأخيرًا، التحية للفريق أول عبد الفتاح البرهان قائد الجيش.. إلى أن نلتقي بعد إنهاء الحرب لنناقش كيف يحكم السودان بإرادة شعبه.

‫شاهد أيضًا‬

ابشر الماحي الصائم يكتب خطى كتبت علينا

اذا منحت (حقيبة وزارية) فأنت يومئذ قد منحت ،، سلطة ،، وإذا كانت هذه الحقيبة هي وزارة ايراد…