‫الرئيسية‬ مقالات وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي  وحدة السدود و حكومة الأمل
مقالات - ‫‫‫‏‫3 ساعات مضت‬

وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي  وحدة السدود و حكومة الأمل

وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي   وحدة السدود و حكومة الأمل

كشف رئيس الوزراء د. كامل إدريس، من مدينة بورتسودان اول أمس ، عن ملامح الحكومة الجديدة “حكومة الأمل المدنية”، واضعًا بذلك أسس مشروع وطني يتجاوز المحاصصات السياسية، ويؤسس لحكم يرتكز على الكفاءة والنزاهة. هذا الإعلان يمثل خطوة جريئة طالما انتظرها الشعب السوداني، لإعادة تعريف دور الدولة ومؤسساتها، مستلهما نماذج واقعية صمدت في وجه عواصف السياسة وصراعات النفوذ.

حدد رئيس الوزراء خمسة أسباب رئيسية لأزمة السودان، أبرزها: الفساد، ضعف الإدارة، غياب العدالة، انعدام الشفافية، وانهيار منظومة القيم. أمام هذا التحدي ، لا يكفي تشكيل حكومة “تكنوقراط” فحسب، بل يتطلب الأمر قراءة متأنية للتجارب التي أثبتت جدواها رغم التحديات، وهنا تبرز وحدة تنفيذ السدود كمؤسسة هندسية، تنموية مستقلة قاومت كل أشكال هيمنة النفوذ، ونجحت بشهادة الخبراء والمراقبين في تقديم حلول عملية وواقعية للدولة حين اشدت عليها الحصار.

ظهرت وحدة تنفيذ السدود في العام 1999ضمن توجه استراتيجي للدولة لسد فجوة الكهرباء وبناء مشروعات تنموية كبرى. لكنها سرعان ما تحولت إلى نموذج مؤسسي مستقل تمتع بإدارة مهنية، وخبرة تراكمية، وأداء إداري رشيق تجاوز البيروقراطيات. وعلى مدى أكثر من عقدين، نفّذت الوحدة مشروعات استراتيجية غيرت وجه السودان، على رأسها سد مروي، وتعلية الرصيرص، وسدي أعالي عطبرة وستيت، إضافة إلى مساهمات فعالة في عدد من المشروعات التنموية المصاحبة من طرق وجسور ومستشفيات ومشروعات زراعية بجانب مشروعات حصاد المياه.

ورغم أن هذه الإنجازات كانت كفيلة بمنحها الاستقرار المؤسسي، إلا أن الصراعات الإدارية والتجاذبات السياسية وضعتها مرارًا في مواجهة مع الوزارات التي تناوبت على إدارتها، حيث ظل ينظر إلى الوحدة كـ”جسم غريب” خارج السيطرة التقليدية.

ما تعرّضت له وحدة السدود لا يمكن فهمه إلا ضمن سياق الصراع بين نماذج الإدارة : نموذج قائم على التاريخ والتراتبية والبيروقراطية، وآخر جديد يدعو الي إعلاء الكفاءة، والقيادة المهنية ، والتحرر من هيمنة الأجندات. وهو الصراع ذاته الذي أعاق تطور العديد من مؤسسات الدولة، لكنه كان أكثر وضوحًا في حالة الوحدة ، بسبب تموضعها التقني والسيادي في آنٍ معًا، ما جعلها محل تنافس بين الوزارات المتعاقبة أو ربما تربص.

في الوقت الذي كانت فيه الوحدة تحقق إشادة الممولين الدوليين والإقليميين، ويثني عليها شركاء التنمية من الصناديق العربية والدول الكبرى، كانت تُحاصر داخليًا بسياسات الإقصاء، وإعادة الهيكلة، والتبعية الإدارية المتأرجحة، التي أهدرت ما يقارب 50% من كوادرها بحجة الإصلاح الإداري.

أظهرت الحرب الأخيرة أن مشروعات السدود لم تكن مجرد بنى تحتية، بل ركائز استراتيجية حافظت على استمرارية الدولة في لحظة انهيار محتملة. توليد الكهرباء من السدود مثّل شريانًا حيويًا بعد خروج التوليد الحراري، فيما ساهمت الطرق والجسور والمرافق الحيوية كجسر المتمة شندي وجسر دنقلا السليم ، ومروي كريمة ومستشفى مروي ومطار الشوك في توفير إسناد لوجستي وصحي وأمني بالغ الأهمية. هذه المشروعات، التي طالها التشويه السياسي في أعقاب الثورة، برهنت عمليًا أن الإنجاز التنموي لا يُقاس بسياقه السياسي بل بقدرته على الصمود حين تتعطل الدولة وتنهار مراكز الخدمات، وتبقى المؤسسات التي بُنيت بكفاءة تؤدي دورها بما يكسب الحياة الاستمرارية .

كل هذه المعطيات تجعل من وحدة السدود نموذجًا مصغرًا للحكومة التي دعا إليها إدريس. حكومة تقوم على المهنية وكفاءة التنفيذ والجودة ، بعيدة عن الترضيات، وتعمل بمعايير المحاسبة والشفافية التي تطمئن الشركاء المحلين والدوليين.

في ظل الحاجة الماسة إلى مؤسسات ذات طبيعة تنفيذية مرنة، تواكب طموحات الحكومة الجديدة وتنهض بعبء المشروعات التنموية التي تمثل عصب مشروعات “الأمل”، مثل مياه القضارف، ومشروع أعالي عطبرة الزراعي، و كنانة والرهد، إلى جانب استكمال دراسات السدود الجديدة، والمضي قدمًا في مشروع الدولة الاستراتيجي المعروف بصفرية العطش، عبر برامج حصاد المياه والآبار التي تستهدف استقرار الريف السوداني ضمن أهداف الألفية التنموية 2030.

ومن هنا، يصبح من الطبيعي أن تعاد قراءة وضعية الوحدة من حيث التبعية الإدارية، لضمان سرعة القرار وجودة التنفيذ. وقد أثبتت التجربة أن التبعيات الوزارية المتقلبة كانت سببًا مباشرًا في إضعاف بنيتها، وإهدار خبراتها، والتأثير سلبًا على تمويل مشروعاتها. ولذلك، فإن تبعيتها في المرحلة القادمة في سياق الهيكلة ينبغي أن تكون ضمن الاشراف المباشر لرئيس الوزراء أو للمجلس السيادي، بما يضمن لها الغطاء السياسي والإداري اللازم لتأدية مهامها كذراع تنفيذي للدولة في أكثر الملفات حساسية وأهمية.

إن لحظة البناء الحقيقي للدولة لا تبدأ من تغيير الوجوه، بل من إعادة الاعتبار للمؤسسات القادرة على العمل ، والتي أثبتت بالفعل أنها تمتلك القدرة على تحويل الخطط إلى واقع . وحدة السدود، برصيدها المهني، وخبرتها الفنية، وتاريخها التنموي، تستحق أن تكون في قلب هذا التحول، الذي ينتظره الشعب السوداني بعد سنوات الحرب المخزية .

هذا وبحسب ما نراه من #وجه_الحقيقة لا يمكن لحكومة الأمل أن تترسخ دون إصلاح مؤسسي يعيد الاعتبار للكفاءة كمرجعية وحيدة في بناء الدولة. وتجربة وحدة تنفيذ السدود، بما راكمته من إنجازات في أصعب لحظات الحصار الاقتصادي، تقدم نموذجًا حقيقيًا لما يمكن أن يكون عليه الأداء حين تتحرر المؤسسات من عبء البيروقراطية الإدارية وتُمنح الثقة والصلاحية. فليس المطلوب إعادة إنتاج الماضي، بل استلهام ما أثبته الواقع من تجارب ناجحة : أن التنمية لا تُصنع بالشعارات، بل بمؤسسات حيث يبدأ تحول الدولة من وهم الأمل إلى فعله.

دمتم بخير وعافية.

السبت 21/ يونيو 2025 م Shglawi55@gmail.com

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

‫شاهد أيضًا‬

سلسلة أبحاث ودراسات المشروع الوطني لإصلاح وإعمار النسيج المجتمعي السوداني(2) المنظور الاستراتيجي لإصلاح المجتمع من خلال سورة الحجرات البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن

السبت 21يونيو 2025   *الدال على الخير كفاعله* هذا الموضوع دلني على كتابته أستاذي الكب…