‫الرئيسية‬ مقالات السودان .. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة               د. ياسر يوسف إبراهيم
مقالات - ‫‫‫‏‫8 ساعات مضت‬

السودان .. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة               د. ياسر يوسف إبراهيم

السودان .. فرص نجاح الحكومة الجديدة في ظل التحديات الماثلة                د. ياسر يوسف إبراهيم

بعد ما يقارب الأربع سنوات من قرارات رئيس مجلس السيادة قائد الجيش الفريق أول عبد الفتاح البرهان والتي قضت بحل حكومة الدكتور عبد الله حمدوك في أكتوير 2021 وفض الشراكة مع قوي الحرية والتغيير تم تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسا للوزراء في مايو الماضي ، وإدريس الذي يتكئ علي تجربة طويلة في العمل في المنظمة العالمية للملكية الفكرية مع علاقات واسعة مع جهات داخلية وخارجية لا يعرف له إنتماء سياسي للأحزاب السودانية ، وكان مرشحا مستقلا في الإنتخابات الرئاسية التي جرت في العام 2010 ، وتردد إسمه أكثر من مرة بعد سقوط نظام الرئيس عمر البشير وخاصة بعد قرارات قائد الجيش ولكن تأخر تعيينه نتيجة تطورات سياسية داخلية وخارجية ، ويجئ تعيينه لهذا الموقع المهم وسط تحديات كبيرة تشهدها البلاد ، الأمر الذي يطرح تساؤلا مركزيا عن فرص نجاحه وسط هذه الأمواج العاتية التي تحيط بالبلاد وتكاد تعصف بها إلي المجهول ..

فعلي المستوي العسكري والأمني لا تزال الحرب التي تشنها مليشيا الدعم العسكري قبل أكثر من عامين تتواصل في أكثر من ولاية ، فمن بين ولايات السودان الثمانية عشر تسيطر مليشيا الدعم السريع بشكل كامل علي أربع ولايات في دارفور بينما تحتدم المعارك في تخوم الفاشر عاصمة الإقليم في ولاية شمال دارفور ، أما في إقليم كردفان فإن الحرب تدور سجالا في ولاياتها الثلاث مع تقدم ملحوظ للجيش في كل محاور القتال ، غير أن إصطفاف عبد العزيز الحلو قائد الحركة الشعبية لتحرير السودان مع المليشيا قد يعقد التحركات العسكرية للجيش وخاصة في ولاية جنوب كردفان ، وفي وسط السودان لا سيما ولاية الجزيرة والعاصمة الخرطوم بمدنها الثلاثة لا تزال أصداء الإنتصارات التي حققها الجيش بطرد المليشيا تتردد صداها ، غير أن تلك الإنتصارات ليست إلا خطوة في مشوار طويل يتطلب توفير الأمن والخدمات ، خاصة وأن المليشيا إعتمدت تكتيكا جديدا يقوم علي إستهداف المنشآت الحيوية في المدن الآمنة ولا سيما العاصمة الإدارية بورتسوان بالمسيرات الإستراتيجية ، ثم الوقوف علي العودة الطوعية لملايين من المواطنين ما بين نازح ولاجئ ، والعمل علي عودة الحكومة نفسها للعاصمة الخرطوم والتي تباشر مهامها حاليا من مدينة بورتسودان الساحلية علي البحر الأحمر ( ألف كيلو متر شرقي الخرطوم ) …

وفي الملف الإقتصادي تنتظر الحكومة المتوقع تشكيلها تركة ثقيلة أحدثتها الحرب الحالية ، فقد إستهدفت مليشيا الدعم السريع وبشكل ممنهج كل المؤسسات الإقتصادية من مصانع وبنوك ودمرتها تدميرا شاملا في العاصمة الخرطوم ، وهناك تقديرات أولية تقول بأن حجم الخسائر يتجاوز 215 مليار دولار في القطاع الصناعي والزراعي وحده ، بينما تقول تقارير المنظمات الإنسانية إن 70% من المستشفيات والمؤسسات الصحية خارج الخدمة حاليا والخسائر في البنية الصحية يقدر بحوالي 11 مليار دولار ، كما أن المليشيا قد قامت بعمليات نهب واسعة ومنظمة إستهدفت ممتلكات المواطنين ومدخراتهم ، بجانب تخريب خدمات المياه والكهرباء وسرقة معدات الطاقة والمحولات الكهربائية ، والتحدي الأبرز في هذا المحور هو في كيفية إعادة تشغيل النظام الإقتصادي وإعادة بناء منظومته اللوجستية وضمان توفير المطلوبات العاجلة لتحريك عجلة الإقتصاد ..

وعلي المستوي الإنساني تتحدث الأمم المتحدة عن أسوأ أزمة إنسانية في العالم حيث تسببت الحرب في مقتل ما بين 70 ألف إلي 100 ألف قتيل من المدنيين ، وتجاوز عدد النازحين واللاجئين لدول الجوار عشرة ملايين ، وتوقفت العملية التعليمة لأكثر من ستة ملايين تلميذ واكثر من 700 ألف طالب جامعي ..

وبعد تحرير الخرطوم بدأت عودة المواطنين لمنازلهم ولكن لا تزال الشكوي قائمة من إنعدام الخدمات الاساسية خاصة بعد إستهداف مليشيا الدعم السريع لمحطات المياه والكهرباء بالمسيرات الحربية ، ويقول والي ولاية الخرطوم إن حكومة الولاية قادرة علي توفير الأمن والخدمات ، وتتزايد الأزمة الإنسانية في ولايات دارفور وبعض مناطق ولايات كردفان حيث لا تزال المعارك دائرة ، مما يضعف قدرة المواطنين في الوصول لمزارعهم وممارسة نشاطاتهم الإقتصادية المطلوبة ..

أولويات ملحة وعقبات في الطريق …

يحتاج رئيس الوزراء كامل إدريس تجاوز عتبة التشكيل الوزاري للوصول إلي الملفات الصعبة ومباشر مهامه ، ولا تبدو خطوة تجاوز تلك العتبة يسيرة بالنظر إلي ما تسرب للإعلام خلال الأيام الماضية من إصرار أطراف إتقاق جوبا وأبرزهم حركة العدل والمساواة برئاسة دكتور جبريل إبراهيم وزير المالية وحركة جيش تحرير السودان برئاسة مني أركو مناوي حاكم إقليم دارفور ، من إصرارها علي الإحتفاظ بنفس الوزارت المهمة كالمالية والمعادن والتي ظلت تشغلها منذ التوقيع علي إتفاق جوبا في 2020 ، بينما يقول تفسير آخر إن الحكومة ملزمة فقط بنسبة ال 25% التي نصت عليها إتفاقية جوبا للسلام دون النص علي وزارات محددة ، كما أن تطاول الفراغ التنفيذي خلق اوضاعا وزارية في الخدمة المدنية إضطر معه مجلس السيادة لممارسة بعض الصلاحيات التنفيذية في الفترة الماضية ، وتحتاج مستويات الحكم لإعادة تنظيم الإختصاصات بما يخلق الإنسجام ويؤسس للتعاون البناء دون تدخل من أحد الأطراف في صلاحيات الآخر ، وعلي كل فإن المهمة المركزية أمام رئيس الوزراء وحكومته المرتقبة هي إستعادة عمل أجهزة الدولة لتعمل بكفاءة وقدرة تمكنها من إعادة تفعيل ديوان الخدمة العامة ، والعمل علي نقل الحكومة للعاصمة القومية الخرطوم ، وهو ما يتطلب وبصورة عاجلة دعم قوات الشرطة والأمن وأجهزة العدالة كالنيابة والقضاء لتقوم بدورها ، إذ مع بداية عودة النازحين لمنازلهم برزت مشكلة التفلتات الأمنية في الخرطوم من مجموعات كانت تعمل مع الدعم السريع الذي قام إبان سيطرته علي الخرطوم بإطلاق سراح آلاف الموقوفين في السجون وتسليحهم في معركة عدوانه ضد الشعب السوداني ، ثم إن الحكومة بحاجلة عاجلة لخطة إقتصادية إسعافية تركز علي الإسراع بتحريك عجلة الإنتاج في محاور الزراعة والصناعة والإستثمار وتوظيف الموارد المتاحة كالذهب والبترول والموانئ لتوفير الأرضية المناسبة لإنطلاق برنامج إعادة الإعمار الكبير .

وفي الوقت الذي تخوض فيه القوات المسلحة معركة الكرامة ضد المليشيا فإن الحكومة مدعوة لبذل الجهد الكبير لتوفير مظلة الدعم الداخلي والخارجي من أجل إستكمال تحرير البلاد وهزيمة مشروع المليشيا ، وهي ليست مهمة سهلة خاصة في ظل التصعيد الخطير الذي شهدته الحرب في الإسبوع الماضي بإحتلال المليشيا لمنطقة المثلث الحدودي الإستراتيجية التي تتوزع بين السودان ، مصر وليبيا وذلك بمساندة من مليشيات ليبية مدعومة من خليفة حفتر ، وعلاقات مضطربة مع دول الجوار في تشاد وجنوب السودان وكينيا التي توفر ملاذا لقيادات المليشيا العسكرية والسياسية ، ويزداد التحدي في هذه النقطة من سعي المليشيا لإنشاء حكومة موازية في دارفور والمناطق التي تسيطر عليها علي غرار التجربة الليبية ، وعلي الرغم من فشلها حتي الآن في ذلك إلا أن الأمر يتطلب تحركا ديبلوماسيا فاعلا يحاصر المليشيا ويقضي علي طموحاتها السياسية ، وما يشجع في هذا الأمر هو الترحاب الذي قوبلت به خطوة تعيين رئيس الوزرء من قبل الإتحاد الإفريقي والجامعة العربية وأطراف إقليمية عدة ، ويرجح أن يعود السودان عضوا فاعلا في الإتحاد الإفريقي بعد رفع تجميد عضويتة منذ قرارات الخامس والعشرين من أكتوبر قبل أكثر من ثلاث سنوات ، وفي مارس الماضي أدان الإتحاد الإفريقي محاولات المليشيا إقامة حكومة موازية وهو ما أعتبره المراقبون تحولا في الموقف الإفريقي نتيجة التغيير الذي تم في رئاسة المفوضية والجهود الكبيرة التي اطلع بها مندوب السودان في المنظمة الإفريقية المهمة ، وفي ظل تراجع الحديث عن الحلول السياسية تحتاج الحكومة لصياغة مشروع متكامل للتعامل مع المستجدات المتوقعة في هذا الإطار ..

وبعد الفراغ من المهام العاجلة تنتظر الحكومة المقبلة مهمة كبري وهي كيفية تهيئة البلاد نحو الوضع السياسي الطبيعي وإنهاء حالة الإنتقال الهشة التي إستطالت منذ سقوط النظام السابق في أبريل من العام 2019 ، وكان من المرجح أن تنتهي بالإنتخابات بعد أربع سنوات ، والتحدي الأبرز هنا هو في تفكك الحاضنة السياسية التي تقف خلف الجيش وفشلها في تكوين تحالف مرن يمكنها من الدفع السياسي والإستعداد لمرحلة ما بعد الحرب ، وتحتاج الحكومة والمجلس السيادي تعميق التشاور مع الأطراف السياسية لتنظيم الحوار السوداني السوداني الذي وعد به رئيس الوزراء في أول خطاب له بعد أداء القسم ، وذلك للنظر في كيفية التحول نحو الإنتخابات وإنهاء حالة الإنتقال ، وفي خضم ذلك تطل قضايا لا تقل أهمية مثل رتق النسيج الإجتماعي الذي مزقته الحرب ، وخطاب الكراهية الذي إنتشر بصورة كبيرة بين المكونات الإجتماعية ..

ومع كل تلك التحديات الكبيرة يبدو التفاؤل وافرا بين مكونات الشعب السوداني لإستعادة الأمن والإستقرار بعد تعيين رئيس الوزراء وقبله تحرير العاصمة الخرطوم وبداية عودة النازحين واللاجئين لمنازلهم وبداية حياة جديدة يتلمسون فيها دروب الأمل ومسارات المستقبل ..

‫شاهد أيضًا‬

مرتضى شطة مصر السيسي والعقل الاستراتيجي..

يحاول الكثير من معارضي السلطة القائمة في السودان أو الموالين لمليشيا التمرد الوقيعة بين ال…