خاطرة عادل عسوم

انسربت ساعات الليل الطويل، وإذا بالكون في مخاض، إنه مخاض فجر جديد، وإذا بشبح الشمس تتلصص من خلف مائسات النخيل وقمم الجبال، غمزت لي نخلة وقالت بأن الشمس تستحي من القمر، تستتر عنه وترقبه حتى يغيب، وإذا بها تتخفف من غلالتها لتشرع في الاغتسال في أمواه النهر الكبير، ثم تتسلل إلى الشاطئ لتهز شعرها فينتثر الضياء في الأكوان، ويتبين الناس والخلائق الخيط الابيض من الاسود من الفجر، وتحتشد الدنيا بشقشقة العصافير مسبحة بآلاء الله، ونصحو نحن من موتتنا الصغرى لنستقبل بذوغ فجر جديد، نودع من اعمارنا القصيرة يوما مضى، وتتسربل ايام العمر يوما بعد يوم، لكأنها حبات مسبحة في يد شيخ وقور تنقص كل مرة حبة، وحبة، وحبة…

وينهض المؤمنون لأداء صلاة الفجر لتكتسي الدنيا بأنوار الإيمان والجمال الالهي، وتضيق المداخل والكوى للشيطان فلا يجد مدخلا إلى النفوس ليقعدن لها صراط الله المستقيم…

السعادة يا أحباب دفقة من النور الالهي تنسرب الى الدواخل بالطاعات، تظل مخبوءة طالما نأت عنها ايادينا واغلقت دونها مداخل القلوب، فمن يذكي جذوتها تتدفق الى سوحه أمواها تتخطى السواحل والحدود، فيطعم من أرادها شهد اشهى من عسل المناحل، وينداح الجمال في كل الدنا فتراه كل الأعين سوى التي بها رمد، ويخالط طعم الفرح كل شئ ويتذوقه كل فم الاّ الذي به سقم، فإن أفاء الله باذكاء لجذوة تلك السعادة؛ فإن شكره جل في علاه قد وجب،

وان صحت منا العيون مكتحلة بالجمال فلنشكر الله الكريم الذي لاتحجبه الحجب،

وان سلمت منا الأفواه فنعمنا بطعم الفرح فحريٌّ بنا شكر المنعم الرب،

ولاغرو ان الحمد والشكر يهبنا رزقا أرحب،

بل يكون الشكر دوما ما تلهج به الألسن النجب…

لعمري انها حياة قصيرة ليس فيها متسع يا أحباب، أولئك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا، فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم!

وذاك نوح عليه السلام عاش

مئات السنين فتراءت له ايام!

فكيف لنا نحن أصحاب العمر المحدود!!

فقد ننام أصحّاء ونصحو بغير ذلك،

ولاندري ما قُّدِّر لنا في (الثانية) التي تلي…

قد تكون الضحكة التي نضحك الأخيرة، وقد تكون الدمعة التي ندمع الأخيرة…

اللهم يابارئ النفس

وياخالق البشر من طين

أرحم ضعفنا ياكريم

وردنا اليك ردا جميلا ياخير من سُئِل

واغمرنا بفيوض حبك ورضوانك ومغفرتك يارحمن يارحيم

واعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ياقدوس

وبارك لنا في عمرنا وكسبنا وصحتنا يامالك الملك

وأنر بصائرنا يارب الملائكة والروح

ولا تفضحنا بين عبيدك يالطيف

واختم بالصالحات أعمالنا ياذا الجلال والأكرام

انك ياربنا وليُّ ذلك والقادر عليه

adilassoom@gmail.com