سارة الطيب تكتب: من بيت أمي في الجزيرة… إلى بيت نضال في القاهرة

هاتفني زميلي مجحوب أبوالقاسم بصوتٍ مملوء بالدهشة والتقدير، وقال: “هناك امرأة يعجز اللسان عن وصف ما تقوم به من أجل الطلاب الممتحنين في القاهرة”. وحين قال ذلك، علمت أن عليّ أن أترك كل شيء، وأذهب لأحيي هذه الإنسانة العظيمة التي تحولت إلى وطن يمشي على قدمين وشكلت سفارة لبلدها ودرس يحتذي في الإنسانيه و محاربة العنصريه والقبيله و الجهويه
عندما وصلت إلى بيتها، الذي يقابل مدرسة محمود عزمي، وجدت امرأة نازحة في ريعان شبابها، تحيط بها بناتها اللواتي تناديهن بـ”الجيش الأبيض”، وبيتها يعج بالنساء كما في بيوتنا في السودان، كأنها مناسبة في إحدى قرى الجزيرة، مليئة بالحياة والدفء.
ونحن في زمن تبدد فيه الأمان، وأجبر الناس على ترك الديار، ورغم ذلك ظلت بعض القلوب عامرة بالوطن، تسكنه أينما حلّت، هكذا كان بيت (نضال العبيد) ، سودانية بألف راجل، فتحت قلبها قبل بابها لأخواتها السودانيات النازحات إلى مصر، ليصبح منزلها مأوىً، وملاذًا، ووطناً صغيراً.
نساء هربن من لهيب الحرب، يحملن أبناؤهن وأوجاعهن، ليجدن أنفسهن تحت شمس القاهرة ينتظرن صغارهن
حتى الفراغ من الامتحانات، وقلوبهن تفيض بالدعاء رغم ثِقلها بالهمّ. لم تجمعهن قرابة دم، بل جمعتهم “الأرض والحنين وحُسن الصفات”، فكان بيت نضال كما قيل في الأثر:
“الجار قبل الدار، والرحم أحيانًا ما بتكون بالدم، بتكون بالموقف.”
فتحت نضال بيتها لنساء لم تعرفهن من قبل، واحتضنت وجعهن بصمت، بعين تواسي، وكلمة تُشعرهن أنهن لسن وحدهن، فتجسّدت فيها الآية الكريمة:
“ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة” – [الحشر: 9]
في تلك اللحظة، قفزت إلى ذاكرتي صورة أمي – رحمها الله – حين كنا نعيش في قرية صغيرة بالجزيرة، كانت مدرستنا تضم خمس قرى، منها قريتان من “الكنابي”، ووقت الفطور يعود الطلبة إلى بيوتهم. لكن أمي لم تكن تسمح لأبناء القرى البعيده ان يذهبو أن يفطروا وحدهم في العراء، بل كانت تأتي بهم إلى بيتنا لتناول وجبة الفطور معنا بمحبة وكرم خالص. أصبح بينهم وبيننا ودٌ وصداقة، بل وتبادل للهدايا… فكبرت على هذا المعنى: لا قبيلة، لا جهوية، لا لون، بل نحن أهل.
واليوم، من بيت نضال في القاهرة، الذي جمع نساء السودان في ظلّ الحرب والشتات، أجد نفس الروح. هذا البيت هو رسالة قوية ضد الجهوية والقبلية وخطاب الكراهية. إنه صوت يقول: *نحن شعبٌ واحد، ووطنٌ واحد، يجمعنا الحب والإنسانية*.
نضال العبيد لم تفتح قلبها وبيتها فقط، بل شكلت أمّاً لكل هؤلاء الأبناء، وأختاً للنساء، ووطنًا يمشي على قدمين، في زمن تنهار فيه مؤسسات وتغيب فيه الدولة، تظل مثل هذه المبادرات الإنسانية هي أعمدة الأخلاق والبقاء.
بيت نضال لم يكن مجرد جدران تأوي اللاجئات السودانيات، بل صار عنوانًا للحنان والأمان، خاصة للأمهات اللاتي جلسن تحت وهج الشمس بانتظار فلذات أكبادهن يؤدون امتحاناتهم، نساء نزحن من السودان بأمر الحرب، لم يحملن معهن سوى كرامتهن وقلقهن على مستقبل أبنائهن، فوجدن في نضال قلبًا يسع كل هذا الألم، وبيتًا يعيد إليهن شيئًا من دفء الوطن الغائب.
جاء بعضهن إلى مصر لأول مرة، بلا أقارب ولا معرفة، وتفرق بهن السكن في مناطق نائية عن مراكز الامتحانات. لكن هذا لم يكن حاجزًا أمام نضال، التي احتضنت نساء بلدها، وقدّمت لهن أكثر من المأوى: قدمت الكرامة، والرحمة، والشعور بأنهن ليس وحدهن.
*بيت نضال ليس فقط مأوى.. بل قصة حب للوطن، وترجمة حقيقية لمعنى “نحن لبعض حين يخذلنا الجميع”.*
وهنا لابد من شكر الصحيفة سهير عبدالرحيم صاحبة مبادره وصلني لخدمة الطلاب الممتحنين
نضال العبيد.. اسم سنرويه لكل من يسأل: ما تبقى لنا من الوطن
ونرجو من الجهات المختصه بأن تكرم أمثال نضال لأنها نموذج يُحتذى به فهي لاتريد جزاءً ولا شكورا.
منتدى(شباب معافى لوطن معافى) بالنيل الابيض
بقلم:-خليل فتحي خليل جاء ذلك بقاعة ادارة الموظفين العمومين بكوستي وبحضور الاستاذ ال…