للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم «أنس ومحمد».. وعدسة لم تسعها الحياة

في غزة، حتى السماء تتعلم البكاء،هنا يولد الأطفال وفي فمهم جوع، وفي أعينهم حزن سبق أعمارهم ،هنا كل شيء يتيم: البيوت بلا سقف، القلوب بلا فرح، والأحلام بلا غد ،وفي هذا الركام، لا يكتفي القاتل الصهيوني بقتل الأحياء، بل يطارد حتى الكلمة… حتى الصورة… حتى الخيمة التي تحمي شاهداً على الجريمة.
في محيط مستشفى الشفاء، كان أنس الشريف ومحمد قريقع، مراسلا قناة الجزيرة، يجلسان تحت خيمة صغيرة، سقفها قماش وسماء، وأرضها باردة كأيام غزة الأخيرة،لم يكن معهما سوى الكاميرا، وقليل من الصبر، وكثير من الإيمان بأن الصورة قد تُنقذ ما عجزت المدافع عن إنقاذه، كانت الخيمة بالنسبة لهما جبهة قتال، يقفان فيها أمام القصف كما يقف الجندي أمام الرصاص.
لكن الرصاصة هذه المرة جاءت على هيئة صاروخ إسرائيلي، يعرف جيداً أين يذهب، وأي قلب يقتل، لم تبحث الضربة عن مقاتلين، بل عن العيون التي ترى، والأصوات التي تفضح ،فسقط أنس، وسقط محمد، ومعهما إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، وثلاثة آخرون، خمسة شهداء انضموا إلى قافلة الـ 237 صحفياً الذين قتلهم الاحتلال منذ بدء الإبادة.
في غزة، لا يترك القاتل شيئاً للصدفة، كل ضحية تُختار بعناية، وكل قنبلة تحفظ اسم من ستقتله، لكن غزة، التي لا تجف دموعها، تعرف أن هذا الموت محاولة يائسة لإسكات الحقيقة، وطمس الصوت الذي يفضح المجزرة.
وبينما كانت كاميرات الجزيرة تنعى فرسانها، كانت المستشفيات تمتلئ بأطفال يذبلون ببطء تحت حصار الخبز والدواء، الحصار الذي يصر المجرم نتنياهو، المطلوب للعدالة الدولية، على إنكاره أمام العالم، بينما تعرف الأرض والسماء أنه حصد أرواح الأطفال قبل الكبار،.(217 )إنساناً ماتوا من الجوع، منهم مئة طفل، لم يكن ذنبهم إلا أنهم ولدوا في مدينة محاصرة.
في أحد الأسرّة، كان تامر شحيبر، ابن الخامسة عشرة، ينكمش على نفسه كما تنكمش زهرة عطشى تحت شمس قاسية، أمه كانت تراقبه وهو يضعف يوماً بعد يوم وتذبل ملامحه، عاجزة عن إنقاذه، إلى أن أسلم الروح، قالت للصحفيين وهي تبكي: “كان يذوب أمامي، ولم أملك له حتى كسرة خبز”.
هذه هي غزة، حيث تمشي جنازتان جنباً إلى جنب: جنازة الحقيقة، وجنازة الطفولة، يُدفن المراسل بجوار الطفل، وتُحفر قبور الكاميرات بجوار الألعاب الصغيرة، ومع كل وداع، تُنصب خيمة جديدة على نفس الأرض، كما لو أن غزة تقول للعالم:أنس ومحمد رحلا، لكن الحكاية ما زالت هنا، والعدسة ستظل مفتوحة، حتى لو كان ثمن الصورة… الحياة.
إخفاقات زيارة رئيس مجلس الوزراء للقاهرة… بين الهرجلة وسمسرة الإعلام محمد صلاح ابورنات
زيارة رئيس مجلس الوزراء إلى القاهرة وهي أول زيارة خارجية له في ظل ظرف استثنائي وحرب مفتوحة…