‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر  استثمار في المستقبل: التعليم الفني السوداني في مصر
مقالات - ‫‫‫‏‫3 أيام مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر  استثمار في المستقبل: التعليم الفني السوداني في مصر

Ghariba2013@gmail.com

لقد كانت قراءة المحتوى الإعلامي حول مشروع إنشاء مدرسة فنية سودانية في القاهرة بمثابة عودة بالزمن، فقد استحضرتُ سنوات دراستي في السبعينات، عندما فتحت المعاهد والكليات التقنية المصرية أبوابها لنا نحن الطلاب السودانيين، وكنا وقتها نتعلم ونستفيد من التجربة المصرية الرائدة في التعليم الفني والمهني. وما أقرأه اليوم عن هذه المبادرة الطموحة يبعث في نفسي الأمل والفخر، ويؤكد أن التاريخ يعيد نفسه ولكن بصورة أكثر حداثة وتخصصًا.

إن تخصيص مدرسة للتعليم الفني ضمن المدارس والمراكز التي تدرس المنهج السوداني في مصر ليس مجرد قرار إداري، بل هو رؤية استراتيجية ثاقبة تدرك أن المستقبل ليس لمن يمتلك الشهادات الأكاديمية فقط، بل لمن يمتلك المهارات العملية القادرة على تلبية احتياجات سوق العمل المتغيرة. فالتعليم الفني ليس خيارًا بديلًا أو أقل شأنًا من التعليم الأكاديمي، بل هو في الحقيقة الاستثمار الأهم في مستقبل الأجيال.

أحد أهم النقاط التي أوردها الاجتماع الذي انعقد بمدرسة الصداقة السودانية، هي أن التعليم الفني سيكون دعامة أساسية لإعمار السودان بعد الحرب. وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها. فبناء الأوطان لا يتم بالأفكار المجردة فقط، بل بالسواعد الماهرة التي تتقن البناء والتشييد، والمهارات التي تعرف كيف تعيد الحياة إلى المدن والقرى. إن الأيدي الماهرة في مجالات الكهرباء، والسباكة، والنجارة، واللحام، وصناعة الأثاث، والمفروشات، والتغذية، والديكور، هي التي ستكون في طليعة من يعيدون تشكيل وطننا.

لقد كانت مصر دائمًا شريكًا فاعلًا في مسيرة التعليم السوداني. والآن، ومع هذه المبادرة، تتاح فرصة ذهبية لتعميق هذه الشراكة. فالاستفادة من التجارب المصرية في التعليم الفني أمر بالغ الأهمية، سواء كان ذلك عبر تبادل الخبرات، أو عقد شراكات مع مراكز تدريب مصرية للحصول على دورات قصيرة وشهادات معتمدة، أو حتى عبر التعاون المباشر لربط أقسام مثل السياحة والفندقة بسوق العمل المصري. هذا التكامل يضمن أن خريجي المدرسة الجديدة لن يكونوا مؤهلين فقط، بل سيكونون قادرين على المنافسة في سوق عمل إقليمي ودولي.

كما أن التركيز على تخصصات جديدة مثل تصميم المفروشات، والتغذية، والديكور، هو خطوة في الاتجاه الصحيح. فهذه التخصصات ليست مجرد حرف، بل هي صناعات قائمة بذاتها، وتنمو بشكل متسارع وتفتح آفاقًا واسعة للخريجين.

كما أشار الدكتور عبد المحمود النور، فإن التعليم الفني هو استثمار وطني قبل أن يكون أكاديمي. وهذا تلخيص دقيق ومهم للموضوع. فالخريج من مدرسة فنية ليس مجرد حاصل على شهادة، بل هو فرد منتج، قادر على الاعتماد على نفسه، وإيجاد فرص عمل، وربما إنشاء مشروعه الخاص. إنه شخص يساهم في الاقتصاد ويعزز من قوته، ويمنح المجتمع قيمة مضافة حقيقية.

لذا، فإن مشروع المدرسة الفنية في القاهرة ليس مجرد إضافة للمؤسسات التعليمية السودانية في مصر، بل هو بمثابة نقطة تحول تهدف إلى تخريج جيل من الشباب القادر على المساهمة بفاعلية في إعادة بناء السودان، وإثبات نفسه في سوق العمل محليًا ودوليًا. إنه استثمار حقيقي في مستقبل شبابنا، واستثمار حقيقي في مستقبل وطننا، ولهذا يعتبر التعليم الفني ذا أهمية قصوى للسودان في ظل الظروف الراهنة، لأنه يركز على تزويد الشباب بالمهارات العملية التي يحتاجها سوق العمل بشدة في مرحلة ما بعد الحرب وإعادة الإعمار. فهو يمثل استثمارًا مباشرًا في القوى العاملة الوطنية، مما يساهم في بناء اقتصاد مستدام.

واشارك في الحديث عن التعليم الفني بحكم خبرتي في هذا المجال بأنه سيكون حيوي للسودان في مجالات متعددة ومنها مجال إعادة الإعمار، بعد الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، يحتاج السودان إلى أعداد كبيرة من المهنيين والحرفيين المهرة في مجالات مثل البناء، والكهرباء، والسباكة، واللحام، والنجارة. التعليم الفني يوفر هذه الكوادر المدربة بشكل سريع وفعال، بجانب خلق فرص عمل، فبدلاً من انتظار الوظائف الحكومية أو الأكاديمية، يمكن للخريجين الفنيين بدء مشاريعهم الخاصة أو العمل في القطاع الخاص، مما يقلل من البطالة ويعزز ريادة الأعمال. هذا التمكين الاقتصادي يمنح الشباب الاستقلالية ويساهم في استقرار المجتمع.

التعليم الفني لا يقتصر على المهارات اليدوية فقط، بل يشمل أيضًا تخصصات مثل السياحة، والفندقة، وتصميم المفروشات، والتغذية. هذه المجالات ستكون حيوية لإحياء القطاع الاقتصادي وجذب الاستثمارات، مما يدعم عملية التعافي الشاملة، بجانب الاستقرار الاجتماعي بتوفير مسارات تعليمية واضحة وفرص عمل مجدية يمنح الشباب الأمل ويقلل من الإحباط الذي قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار. فالتعليم الفني يفتح لهم أبوابًا لمستقبل أفضل، ويحولهم من مستهلكين إلى منتجين.

‫شاهد أيضًا‬

بالواضح فتح الرحمن النحاس لن يصلح العطار ماأفسده الدهر.. صائدو التمرد أم صائدة البمبان..؟!! ماعاد بيننا مكان لزمن الموات..!!

عشرات المواقف خلال عدة تظاهرات رأينا فيها من يلتقطون قنابل الدخان (البمبان) ويردونها علي أ…