الإسلام الاجتماعي البديل الأفضل لتحقيق أهداف الإسلام السياسي على المدى الاستراتيجي سلسلة دراسات العالم الإسلامي والبدائل الاستراتيجية (7) البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن

الخميس 28 أغسطس 2025

على الإسلاميين إنشاء مؤسسات مجتمع مدنى وتقديم الخدمات المجتمعية لكل المحتاجين وعليهم توفيق اوضاعهم باعتماد مؤسسات تعنى بالبيئة والحوكمة وحقوق الإنسان .

*مفهوم الإسلام الاجتماعي*

مفهوم الإسلام الاجتماعي من المفاهيم الجديدة كمصطلح ولكنه كممارسة فهو قديم قدم الإسلام. يتمثل مفهوم الإسلام الاجتماعي في قوله تعالى (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى ٱلْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِٱلْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ ٱلْمُنكَرِ ۚ وَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُونَ) سورة آل عمران الآية 104

إن مفهوم الإسلام الاجتماعي أشمل من مفهوم الإسلام السياسي، لأن السياسة جزء من الاجتماع ، ولسعة مفهوم الإسلام الاجتماعي نجده قد اقترن بالعبادة ، فهو لا ينفصم عن مفهوم العبادة في الشرع ،

يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة وهو أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين يقول : ( إن مفهوم قوله تعالى: ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) يخطيء كثير من المسلمين في فهمه على حقيقته فيظن كثير من الناس أن عبادة الله مقتصرة على الصلاة والصيام والزكاة والحج وبعض الأذكار ويعتقدون أنهم بعملهم ذلك أقاموا الإسلام في حياتهم وهذا فهم ناقص لحقيقة العبادة في الإسلام) .ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في رسالته القيمة (العبودية) :(العبادة هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة فالصلاة والزكاة والصيام والحج وصدق الحديث وبر الوالدين وصلة الأرحام والوفاء بالعهود والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجهاد الكفار والمنافقين والإحسان للجار واليتيم والمسكين وابن السبيل والمملوك من الآدميين والبهائم والدعاء والذكر والقراءة وأمثال ذلك من العبادة . وكذلك حب الله ورسوله وخشية الله والإنابة إليه وإخلاص الدين له والصبر لحكمه والشكر لنعمه والرضى بقضائه والتوكل عليه والرجاء لرحمته والخوف من عذابه وأمثال ذلك هي من العبادة لله ) ، العبودية ص 38 .

ليست العبادة هي تلك التي تؤدى في أوقات محددة لا تستغرق إلا وقتاً يسيراً في حياة الإنسان فالمسلم يستمر في عبادة الله حتى يفارق هذه الدنيا . يقول الله تعالى 🙁 وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) .

وفقا لهذا المفهوم للعبادة ، فكما يعتقد أنصار الإسلام السياسي أن ما يقومون به عبادة ، فيحق لانصار الإسلام الاجتماعي أن يعتقدوا بأن مجال تعبدهم أوسع من مجال الإسلام السياسي وما عليهم سوى تجديد النية والتشمير .

كما تلاعب العلمانيون قديما بالمفاهيم الإسلامية وإلباسها مفاهيم تعبر عن رؤيتهم هم لا رؤية الإسلام ،فها هم يتعاملون مع الإسلام الاجتماعي وفقا لمايرونه هم .

يعرف العلماني علي البخيتي ، اليمني المعروف بيساريته يعرف (الإسلام الاجتماعي ) بقوله هو: ( كل ما في الإسلام التقليدي من طقوس وعبادات وقواعد لا تتعارض مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ ولا مع القوانين والمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحريات العامة والشخصية؛ ولا يتعارض مع العلمانية وكل مفاهيم الحداثة والديمقراطية وكل أشكال الحقوق والحريات التي أقرتها ألأمم المتحدة ومنظماتها ؛ وما يمكن ان يستجد منها لاحقاً) .ويضيف البخيتي( لا إلزامية في (الإسلام الاجتماعي) إلا ما تم تحويله الى قانون للدولة؛ وإلزاميته بقوة القانون نفسه لا بنص الدين او باعتباره يعبر عن الإسلام الاجتماعي؛ بمعنى ان النص القانوني هو من يجعله ملزماً لجميع المتواجدين في البلد؛ ومن يعيش منهم في الخارج هو حر في اختيار نمط القواعد التي تنظم نفس القضايا والالتزام بما تفرضه قوانين البلد الموجود فيها؛ والتزامه ذلك لا يخرجه من كونه مسلم اجتماعي) .

هكذا هي العلمانية دائما حرب على الإسلام )

*أهداف الإسلام الاجتماعي*

1.تتمثل أهداف الإسلام الاجتماعي في الآتي:

خدمة الفقراء والمحتاجين في المجالات الصحية والتعليمية والاجتماعية .

2.نافذة يطل عبرها المشروع الإسلامي بأبعاده الاجتماعية بتحقيق العبودية لله عز وجل بمعناها الواسع.

3.تأكيد الهوية الوطنية عبر تعزيز القيم والمبادئ الإسلامية

4.مناهضة خطاب الكراهية واستدامة التعايش السلمي من خلال بعث المقومات الحضارية وروح التسامح المجتمعي على مستوى الدولة القطرية

5.تقديم رؤى استراتيجيّة لإدارة التنوّع الثقافي بالدولة القطرية وإرساء دعائم الوحدة الوطنية وتعميقها.

6.تشجيع المبادرات المجتمعية التي تعلي من قيم التسامح والتعايش السلمي.

7.تشجيع التمسك بالمشتركات من قيم المجتمع .

8.تنمية روح المواطنة بين افراد المجتمع في الدولة القطرية

9.الارتقاء بخطاب البناء والازدهار وتفجير الطاقات الوطنيّة وتحقيق الحلم الوطني في النهضة والتطور .

10.الإسلام الاجتماعي أهدافه على المدى الاستراتيجي تخدم غايات الإسلام السياسي فما هو إلا وسيلة لتحقيق غاية استراتيجية هي التمكين للإسلام .

*حركات الإسلام السياسي يمكن أن تتحول إلى منظومة الإسلام الاجتماعي*

صحيح اعتمدت حركات الإسلام السياسي العمل الاجتماعي ضمن أنشطتها وكان ذلك واضحا سواء في المغرب أو تونس ومصر واليمن وبوضوح اكثر في تركيا التي تحولت الى اكبر قطر إسلامي ينشط فيه الإسلام الإجتماعي ( نتناول ذلك لاحقا إن شاء الله ) .

لحركة الإسلام السياسي بالسودان باعتبارها الحركة الإسلامية الرائدة في العالم ، لديها تجربة ثرة في الإسلام الاجتماعي والسودان كان الأنموذج الواضح في الجمع بين العمل السياسي والاجتماعي الدعوي وفي وفي الجمع بين العمل كحركة والعمل كحكومة ، تمثل منظمةالدعوة الإسلامية التي أسستها الحركة الإسلامية مؤسسة رائدة في الإسلام الاجتماعي والدعوي ففيها المؤسسة الصحية التي تعالج الفقراء وفيها المؤسسة الاجتماعية التي تعين المحتاجين وفيها المؤسسة التعليمية التي تفوق طلابها على مؤسسات التعليم الأخرى وفي المنظمة المؤسسة الدعوية والبحثية وتعتبر منظمة الدعوة الإسلامية أنموذجا لمؤسسة مجتمعية متكاملة ولكن باعتلاء الإسلاميين سدة السلطة ، أهملت رسالة هذه المنظمة وانتهى بها الأمر الآن بالاختطاف وتولى أمرها من لا يفقه شيئا عن بعدها الاستراتيجي وتم تشريد العاملين بها وأصبحوا يكافحون عبر محاكم العمل للبحث عن حقوقهم الضائعة لا البحث عن المنظمة المختطفة ورسالتها الدعوية ولسان حالهم يقول ( وللمنظمة رب يحميها) .

في ظل الحصار الممارس ضد حركات الإسلام السياسي يمكن أن تتنفس هذه الحركات برئة أخرى وتتحول إلى الإسلام الاجتماعي الذي تعبر عنه مؤسسات المجتمع المدني وتنشئ مجموعة متنوعة من المنظمات والجمعيات غير الحكومية والتطوعية التي تعمل بشكل مستقل عن الحكومة والقطاع الخاص بهدف تعزيز المصالح المشتركة والدفاع عن القيم مثل الحرية والمساواة وحقوق الإنسان. وتقدم خدماتها عبر المؤسسات والجمعيات الخيرية والنقابات العمالية والجمعيات المهنية ومراكز الأبحاث، وهذه تلعب دوراً حيوياً في التنمية المجتمعية ورصد الانتهاكات، والمساهمة في الحوكمة الرشيدة من خلال تقديم الخدمات والدعوة إلى المشاركة المدنية.

هذا هو الدور الجديد الذي يعبر عنه الإسلام الاجتماعي .