مابين صحو ومنام عادل عسوم

 رأيت الشمس تتلصص من خلف مائسات النخيل، غمزت لي نخلة وقالت:

 إن الشمس تستحي من القمر، تستتر عنه وترقبه حتى يغيب لتغتسل في أمواه النهر الكبير تريح جسدها من عناء عمل يوم طويل…

وانسربت ساعات الليل الطويل، وصحوت على صوت المآذن تنادي بأن حي على الصلاة…

صعدت على تلة بعد أدائي لصلاة الفجر، فرايت الشمس تنسل كحورية من الماء إلى الشاطئ، وقفت ممشوقة وهزت رأسها يمنة ويسرى؛ فتناثر الضياء من شعرها مضطردا ليبدد الظلمات، وإذا بالخلائق تتبين الخيط الابيض من الاسود من الفجر، واحتشدت الدنيا بشقشقة العصافير، وهديل القماري، وثغاء الشياه، وخوار بقرة حلوب بالجوار، كلها تسبح الله…

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَٰكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ۗ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} الإسراء 44

 إنه الكون يا أحباب يصحو من موتته الصغرى ليستقبل بذوغ فجر جديد…

 نودع من اعمارنا القصيرة يوما مضى، حيث تنسرب ايام العمر كحبات مسبحة في يد شيخ وقور، تنقص كل مرة حبة، وحبة، وحبة…

وتكتسي الأرض بحلة زاهية من نسيج أنوار الجمال الالهي، وتضيق المداخل والكوى للشيطان فلا يجد مولجا إلى النفوس، وقد أقسم (البعيد) بأن يقعدن لنا صراط الله المستقيم…

السعادة يا أحباب دفقة من النور الالهي تنسرب الى الدواخل بكثرة التسبيح، واسألوا ان شئتم عصافير الارض وهي تغني للصباحات كل يوم، ثم تغدوا خماصا لتعود بطانا…

تظل السعادة مخبوءة فينا كلما أغلقنا دونها المسارب إلى القلوب بغفلتنا عن التسبيح، وان أزحنا دونها المتاريس تغمرنا أنساما وأمواها تتخطى جبال الإثرة والكره والقبح فينا؛ فنطعم من فيئها شهدا ولبنا وفواكه أبا، تشبع في البدء منها الأعين سوى التي بها رمد، وتستطعمها الافواه الاّ التي بها سقم،

فإن نأى عنا رمد العيون فلنشكر الله الكريم الذي يهب البصر والبصيرة،

وان سلمت منا الأفواه من السقم؛ فلنشكر المنعم الحنان المنان واهب الجنان، وقد قال ربنا لإن شكرتم لأزيدنكم…

لعمري ان حياتنا لمن القصر بمكان يا احباب، أولئك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا؛ فقالوا لبثنا يوما أو بعض يوم!

وذاك نوح عليه السلام عاش

مئات السنين فتراءت له ايام!

فكيف يكون حالنا نحن أصحاب العمر المحدود!!

ننام أصحّاء وقد نصحو بغير ذلك،

ولاندري ما قُّدِّر لنا في الثانية التي تلي…

قد تكون الضحكة التي نضحك الأخيرة، وقد تكون الدمعة التي ندمع الأخيرة…

اللهم يابارئ النفس

وياخالق البشر من طين

أرحم ضعفنا ياكريم

وردنا اليك ردا جميلا ياخير من سُئِل

واغمرنا بفيوض حبك ورضوانك ومغفرتك يارحمن يارحيم

واعنّا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ياقدوس

وبارك لنا في عمرنا وكسبنا وصحتنا يامالك الملك

وأنر بصائرنا يارب الملائكة والروح

ولا تفضحنا بين عبيدك يالطيف

واختم بالصالحات أعمالنا ياذا الجلال والأكرام

انك ياربنا وليُّ ذلك والقادر عليه

adilassoom@gmail.com