وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي الفاشر تعيد هندسة المشهد وترتيب الاوراق..!

سقوط الفاشر عاصمة ولاية شمال دارفور لم يكن مجرد حدثٍ عسكري في مسار الحرب، بل محطة فارقة أعادت خلط الأوراق وأطلقت حراكًا سياسيًا جديدًا على مستوى الداخل والإقليم.
فالمدينة التي صمدت أكثر من عامٍ تحت الحصار، وتصدّت لأكثر من مئتين وسبعين هجومًا متتاليًا، تحوّلت اليوم إلى رمزٍ وطنيٍّ يجسّد مأساة الحرب وملحمة الصمود كما أكد الرئيس البرهان في خطابه أمس للشعب السوداني.
ومهما حاول الكثيرون تأطير ما جرى في قوالب النصر والهزيمة، فإن الحقيقة هي أن الفاشر دشّنت فصلًا جديدًا في معادلة السودان السياسية، وربما الإجتماعية عنوانه: إعادة هندسة المشهد وترتيب الأوراق.
ما حدث في الفاشر مثل لحظة فاصلة أربك الداخل، و أجبرت الإقليم على مراجعة حساباته. فالمدينة التي تمثّل رمزًا تاريخيًا لدارفور ومركزًا اجتماعيًا ودينيا، تحوّلت إلى بوصلة سياسية وإنسانية تفضح تآمر المجتمع الدولي وتفضح الأجندات الخارجية المتصارعة على أرض السودان.
الذي شكل فارق في معركة الفاشر لم يكن ضراوة القتال وحدها، بل مقدار الوعي الجمعي الذي ميز أهلها. فالصمود الطويل تحت الحصار، ورفض الاستسلام رغم شُحّ الإمدادات، أعادا إلى الخطاب الوطني السوداني قيمًا نادرة في زمن الحرب: التضحية، الكرامة، والإصرار على بقاء الدولة.
ومع ذلك، كشف طول أمد المعركة أن التكتيك العسكري الميداني الذي ادير به الدفاع عنها، لم يُواكبه ضغطٌ سياسيٌّ كافٍ لإنقاذ المدينة، ما أبرز الحاجة إلى حلٍّ سياسي شامل يتجاوز الحسابات الميدانية إلى مقاربة جديدة.
الفاشر اليوم تمثل صورة مصغّرة للسودان، فيها تتقاطع مكونات دارفور بكل نسيجها القبلي، الحضر والريف، الحكم والدولة. لذا فإن سقوطها ليس مجرد معركة، بل اختبار لوحدة الهوية السودانية. وأي تأخير في حماية المدنيين أو فتح ممرات الإغاثة سيُترجم سياسيًا إلى فقدانٍ لشرعية الأخلاقية والدولية لأي طرفٍ متورط في ذلك.
البيانات المتضاربة التي أعقبت المعارك، والتصريحات الدولية والإقليمية المتسارعة خصوصًا من الولايات المتحدة والرباعية، كشفت أن الحرب تجاوزت حدودها المحلية لتصبح ساحة اختبار لتوازناتٍ إقليمية ودولية.
تصريحات كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون الإفريقية، مسعد بولس، التي دعا فيها إلى “تحركٍ فوري لحماية المدنيين”، حملت لهجةً تعكس إدراك واشنطن لهشاشة الوضع الإنساني، لكنها في الوقت نفسه وضعت دعمها الدبلوماسي في ميزان الضغط السياسي على الجيش والمليشيا. وربما اظهرت ارتياحا مبطن، باعتبار ذلك ربما يعجل بإنفاذ خطتها الداعية إلى هدنة لثلاث أشهر يعقبها تفاوض وفقا لرؤية الرباعية.
منذ اندلاع الحرب، سعت الرباعية الدولية الولايات المتحدة، والسعودية، ومصر، والإمارات إلى صياغة مسارٍ سياسيٍّ ينهي القتال ويؤسس لمرحلة انتقالية وفق رؤيتها ، غير أنّ توازن المصالح بين أعضائها ظلّ هشًّا:
الولايات المتحدة تركز علي المحافظة علي نفوذها في المنطقة وحماية المدنيين وعودة الحكم المدني، وتتحسس من تمدد المليشيا المسلحة.
السعودية ومصر تحاولان لعب دور الوسيط عبر منصة “جدة”، محافظةً على توازنٍ دقيق بين علاقاتهما بالحكومة السودانية والتزاماتها الإقليمية.
الإمارات، وهي الركن الرابع في هذه المعادلة، متورطة في دعم المليشيا المتمردة سياسيًا ولوجستيًا، ما أفقد الحكومة السودانية الثقة في منصة الرباعية وقلّص فعالية مسار “جدة” كإطار تفاوضي.
هذا التناقض جعل من الفاشر نقطة اختبارٍ للرباعية الدولية: هل تستطيع الحفاظ على وحدة موقفها أم ستتحول إلى مظلةٍ تُكرّس الانقسام الإقليمي؟ بمعنى آخر، أصبحت الحرب في السودان – ومعركة الفاشر خصوصًا – مقياسًا لصدقية المجتمع الدولي في تجاوز سياسة “إدارة الفوضى” التي أدت إلى انهياراتٍ مماثلة في بلدانٍ أخرى النموذج الليبي واليمني مثالا.
اللافت أن بورتسودان شهدت عشية أحداث الفاشر زيارة لوزيرة الدولة بوزارة الخارجية الألمانية سيراب غولر والتي دعت إلى وقفٍ فوري للحرب وتطبيق خطة السلام الرباعية المؤدية إلى انتقالٍ مدني، معلنةً تقديم 16 مليون يورو إضافية كمساعدات إنسانية ، حيث وصفت الوضع بأنه “مروّع”، وأدانت الهجمات على المدنيين واستخدام العنف الجنسي، مطالبةً بإنهاء الحصار فورًا.
من جانبه أبلغ رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان الوزيرة بموقف الحكومة من “الانتهاكات” التي ترتكبها مليشيا الدعم السريع، مؤكدًا أهمية الدور الألماني في إقناع الأطراف المتورطة بوقف الحرب.
ورغم قتامة المشهد، فإن نافذة سلام حقيقية بدأت تتشكل بفعل عاملين رئيسيين: الأول :إنهاك الدولة وتدهور الاقتصاد: بعد نحو ثلاثة أعوام من الحرب، أصبح واضحًا أن الخرطوم بحاجة إلى مقاربة جديدة، فالمعارك الطويلة – مثل معركة الفاشر – تستنزف الموارد والدولة معًا، ما يدفع الجميع – ولو بدافع البراغماتية – إلى البحث عن مخرجٍ سياسيٍّ مشرف.
الثاني: تبدّل المزاج الإقليمي: بدأت بعض العواصم – حتى تلك الداعمة للمليشيات – تراجع حساباتها خشية أن تتحول دارفور إلى بؤرة فوضى عابرة للحدود تهدد مصالحها الاقتصادية والأمنية وتؤثر على صورتها.
في ضوء هذه التحولات، يدخل السودان مرحلة إعادة تموضع سياسي قد تُفضي إلى مفاجآتٍ خلال الفترة القادمة. فالمشهد يتّجه نحو صيغة انتقالية جديدة – ربما في شكل مجلس قيادة وطني أو حكومة مدنية موسّعة – تعبّر عن توازنٍ داخلي جديد فرضه الواقع المتحرك .
هذه ليست تسويةً بالمعنى التقليدي، بل إعادة هندسةٍ لمفهوم الدولة: الذي يجب التوافق عليه، دولة بجيشٍ واحد، وقيادة واحدة، وعدالةٍ لا تُساوم على الدماء. فالمجتمع السوداني لم يعد يقبل الوصاية، ولم يعد يثق في الوسطاء.
بهذا المعنى فإن السودان بعد الفاشر مقبلٌ على استقلالٍ من النفوذ الخارجي، ومن عقلية المحاصصة التي أنهكت البلاد منذ الاستقلال .
كل تلك المعطيات تُبرز الحاجة إلى مقاربة وطنية جديدة تحفظ وحدة البلاد وتؤسس لحلٍّ سياسيٍّ شامل يشارك فيه الجميع عبر حوارٍ سوداني – سوداني يضع مصلحة الوطن فوق كل اعتبار.
وإذا ما بدأ هذا المسار بوتيرة متسارعة، فستجد الرباعية نفسها مضطرة لإعادة التموضع حفاظًا على مصالحها البعيدة المدى في السودان والقرن الإفريقي.
ولكي يتحول صمود الفاشر إلى فرصةٍ للسلام، لا بد من مسارٍ وطنيٍّ واقعي يقوم على: الاعتراف المتبادل بين القوى السياسية بعيدًا عن منطق الإقصاء والتخوين. علي أن تظل ابواب العدالة مشرعة دون تسيس.
بجانب ترتيبات أمنية تدريجية تضمن خروج المليشيات من المدن وتسليم السلاح ضمن خطة وطنية خالصة يديرها حكما.
كذلك قيام مؤتمر جامع لأهل السودان للسلام والتنمية يُبنى على قاعدة أهلية محلية، لا على محاصصاتٍ حزبية أو جهوية.
إلى جانب انخراطٍ إقليميٍّ مسؤول تحت مظلة شرعية ، تُسحب فيه ملفات السودان من أيدي الوسطاء المتناقضين إلى آليةٍ جديدة موثوقة ، لا تتدخل في السيادة الوطنية.
وبحسب #وجه_الحقيقة، فإن الفاشر لم تسقط بالمعنى التاريخي للكلمة ، بل أسقطت أوهام فرض الأجندات العابرة للحدود. لقد أثبتت أن السودان رغم الجراح، ما زال يمتلك مناعةً وطنية يمكن أن تُبنى عليها تسوية مستدامة، إذا ما توفرت الإرادة السياسية وتحررت الأطراف من الارتهان للخارج.
دمتم بخير وعافية.
الثلاثاء 28 أكتوبر 2025م Shglawi55@gmail.com
رئيس حزب المؤتمر المفوض مولانا احمد هارون..هيا إلى المرابطة والفداء.. ويا خيل الله أركبي
اصدر رئيس حزب المؤتمر المفوض مولانا احمد هارون بيانا عن ماجرى في الفاشر وفيما يلي نص البي…





