‫الرئيسية‬ مقالات اقتحام الخرطوم: نسخة سودانية من بغداد وماريوبول وسرت… ولكن بلا دعم خارجي د. عبدالناصر سلم حامد
مقالات - مارس 23, 2025

اقتحام الخرطوم: نسخة سودانية من بغداد وماريوبول وسرت… ولكن بلا دعم خارجي د. عبدالناصر سلم حامد

اقتحام الخرطوم: نسخة سودانية من بغداد وماريوبول وسرت… ولكن بلا دعم خارجي  د. عبدالناصر سلم حامد

كبير الباحثين ومدير برنامج شرق أفريقيا والسودان في مركز فوكس
باحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب

استعادة القوات المسلحة السودانية السيطرة على القصر الجمهوري في قلب العاصمة الخرطوم لم تكن مجرد عملية عسكرية تقليدية، بل لحظة مفصلية غيّرت موازين الحرب داخل العاصمة، وأعادت رسم المشهد الميداني والسياسي. خلال أيام قليلة، انتقل الجيش من وضعية الدفاع والاستنزاف إلى مرحلة الحسم المنظّم، معتمدًا على تكتيك محلي خالص في واحدة من أعقد بيئات القتال الحضري في المنطقة.

منذ اندلاع القتال في أبريل، انحصرت معارك الخرطوم في شكل استنزاف وتموضع دون حسم. لكن مع نهاية العام، بدأت القوات المسلحة بتغيير القواعد، فانتقلت إلى الهجوم المنتظم، ووضعت خطة طويلة الأمد لاستعادة العاصمة مربعًا بعد مربع.

العملية انطلقت من محور القيادة العامة، حيث تبنّت القوات المسلحة أسلوب “الزحف بالمربعات”، وهو تكتيك يُستخدم في حروب المدن، يقوم على تقسيم الأرض إلى قطاعات تُقتحم وتُؤمَّن تباعًا. التمهيد الجوي سبق التقدم البري بخمسة أيام من الضربات الدقيقة التي استهدفت مراكز القيادة والتموين التابعة لقوات الدعم السريع، باستخدام الطيران المسيّر والمقاتلات. القوات المشاركة شملت كتائب من قوات النخبة، يُقدّر عددها ببضعة آلاف، مدعومة بالهندسة العسكرية والاستطلاع. في المقابل، لم يتجاوز عدد عناصر الدعم السريع المتحصنين في وسط الخرطوم 1,000 إلى 2,000 مقاتل، فاقدين للتواصل القيادي وخطوط الإمداد.

انهارت خطوط الدفاع الأولى خلال 72 ساعة من بدء الهجوم. فشلت محاولات الانسحاب، وتم ضبط بعض عناصر الدعم السريع وهم يحاولون الفرار بملابس مدنية. بسرعة، انتشر الجيش في نقاط السيطرة الرمزية: القصر الجمهوري، السوق العربي، مجمع الوزارات، البنك المركزي، وجهاز المخابرات.

“بينما احتاجت جيوش دولية لتحالفات ودعم استخباراتي لحسم معارك في بغداد وسرت، دخل الجيش السوداني الخرطوم وحده… وخرج منها منتصرًا.”

الخرطوم المركزية، باعتبارها القلب الإداري والسياسي للبلاد، شكّلت التحدي الأعقد. تضم هذه المنطقة القصر، الوزارات، القيادة العامة، ومرافق حيوية أخرى. السيطرة عليها كانت تعني إنهاء وجود الدعم السريع كمليشيا فاعلة داخل العاصمة. الجيش اعتمد على أسلوب “الضغط المتوازي”، أي التقدم من عدة محاور بالتزامن مع ضرب مراكز العمق اللوجستي. ثلاث جهات كانت مسرح التقدم: محور القيادة العامة شرقًا، شارع الجامعة شمالًا، وشارع إفريقيا جنوبًا. أزالت وحدات الهندسة الحواجز الخرسانية، وتم استخدام تكتيك “الاقتحام النقطي” داخل البنايات، بدعم فوري من الطيران المسيّر، مما سمح بعمليات دقيقة وسريعة دون الحاجة لقصف واسع.

في خريطة السيطرة، وسط الخرطوم بات تحت قبضة الجيش بنسبة تفوق 95%. أم درمان بيد الجيش بنسبة تصل إلى 90%. الخرطوم بحري بحدود 75%. وجنوب الخرطوم بواقع 60–65%، مع استمرار المواجهات النشطة في الكلاكلة وجبرة. التقدير العام أن الجيش يفرض سيطرته على أكثر من 80% من العاصمة الكبرى، بينما تراجع الدعم السريع إلى جيوب محاصرة ومعزولة، دون قدرات إمداد أو قيادة.

رغم الانهيار، أظهر الدعم السريع مرونة تكتيكية في التخفّي، مستفيدًا من الكثافة المدنية، لكنه فقد القدرة على التماسك كقوة منظمة. سلوكه القتالي تحوّل من عمليات منسقة إلى ردود أفعال عشوائية. أصبح أشبه بخلايا معزولة بلا قيادة واضحة ولا هدف عملياتي. وفق مصدر عسكري ميداني، فإن “أكبر مكسب تحقق ليس السيطرة على الأرض، بل انهيار الثقة التنظيمية داخل وحدات الدعم السريع، مما يجعل أي إعادة تموضع لاحقة شبه مستحيلة.”

تشير تقديرات غير رسمية إلى أن الدعم السريع فقد خلال عملية القصر أكثر من 60% من قوته القتالية داخل الخرطوم، عبر القتل، الأسر، أو الانسحاب العشوائي، مع فقدان تام لمراكز القيادة.

رغم شراسة المعارك، حافظت العملية على مستوى معقول من تجنّب الأضرار المدنية، نتيجة دقة الضربات الجوية والتقدم المحسوب، وهو ما خفّف من كلفة العملية على المدنيين والبنية التحتية.

ما جرى في الخرطوم عكس تحولًا تدريجيًا في العقيدة القتالية للجيش السوداني، من نمط “التموضع الدفاعي” إلى “الحسم المتدرج”. هذا التحول لم يأتِ نتيجة دعم خارجي، بل نتيجة احتكاك مستمر وخبرة ميدانية فرضتها المعارك.

تقدّم الجيش لا يعني نهاية الحرب، بل بداية فصل جديد منها. من المتوقع أن تنتقل العمليات إلى ولايات مثل جنوب كردفان ودارفور. المعركة الاستخباراتية داخل العاصمة ستتطلب جهدًا خاصًا لتفكيك الخلايا النائمة. أيضًا، سيكون على القوات النظامية التعامل مع تحديات إدارة المناطق المحررة، وتثبيت الأمن، وتأمين الخدمات. على المستوى الدولي، قد تظهر ضغوط جديدة باتجاه وقف إطلاق النار أو فرض مسار سياسي، ما يستوجب توازناً دقيقاً بين النصر الميداني والحنكة الدبلوماسية. الأهم أن ما تحقق على الأرض يفتح الباب لإعادة بناء مؤسسة عسكرية موحدة، وإنهاء ظاهرة الجيوش الموازية.

الخرطوم لم تكن مجرد ساحة قتال، بل اختبار فعلي لقدرة الجيش السوداني على استعادة السيطرة بكفاءة ميدانية عالية. التحدي الآن: تحويل النصر العسكري إلى مشروع وطني جامع، يعيد للسودان استقراره ومكانته. المعركة لم تنتهِ بعد، لكنها دخلت طور الحسم

‫شاهد أيضًا‬

شظايا الحروف… يكتبها  خليل فتحي خليل   شعب السودان اقوي (رغم المر مر العيد).؟ 

في ظل الاوضاع التي يعيشها الوطن الحبيب السودان في كل الاتجاهات جاء العيد وحزن النفوس مستقر…