الجبل المبارك عادل عسوم

البركل، ولعل بركته انداحت منه إلى أكناف المكان ليعتاد أهلنا ترديد مقولة: (بركل الله المعظم)…

انه سياق درج عليه الناس في المنطقة وكريمة وماحولهما وصلا بهذا الجبل الذي طالته البركة منذ أزله،

انه جبل نشأت فيه أول حضارة قامت على توحيد الله من بعد نوح عليه السلام، بل ورد انها نشأت قبل عهد نوح عليه السلام، يشهد بذلك معبد آمون الذي لم يزل باقيا في صدر الجبل أراه كلما رنوت ببصري من فوق سور بيتنا في حي (البركل فوق)؛ لأوقن بأن هذا الجبل ليس ككل الجبال.

الناظر يااحباب إلى جبل البركل يجده ينتصب في قعر انحناء النيل العظيمة (Great Bend of the Nile)، حيث تجد نهر النيل يحيط به من جهات ثلاث، وكأن هذا النهر لايطيق له فراقا!

كتبت عن ذلك بلهجة اهلي وقلت:

تصل في مروي بالشريان

تشوف جبلا

يسد عين الشمش بي إيد

تعاين تلقا بعدو النيل

يلف يرجع

أكيد من شوقو ليهو شديد.

ولي العديد من القصائد عن هذا الجبل الذي نحبه ويحبنا، ومنها هذه القصيدة:

بركل الله المعظم

عادل عسوم

في الشمال نخيل اهلي واجدادي و(ثيمة)

انه الطور المقدس في الورى

يرنو إلى ال(طرابيل) العظيمة

وعصا التوكؤ للكليم

تلوح

كالثعبان في الجبل (الشريمة)

يا معبد قد علم البشرية الكلمات

ويا أمة سبقت، وبالنقش عليمة

جبتم صلاد الصخر من قبل ثمود

وجعلتموا للعلم بين الناس قيمة

ف الأزاميل والأقلام كانت من حديد

والأفران تصهر للنحاس تجعله عجينة

يا عهد آمون الموحد في الدنا

والناس كفر، فيا نعم العقيدة

لا للزنا لا للكذب لا للرشا

حشد من الأخلاق، ومن (خوليو) الوصية

يا أيها النيل ياوادي طوى

يامن شققت الأرض في عزيمة

يا أيها العامر بالأسماك والتاريخ

اذ تنحني

للبركل الذي يلي كريمة

فيك صاغوا الشعر والاغنيات

حين تصحوا

مع الموجة الصباحية.

…

يقع هذا الجبل الذي نحبه ويحبنا في قعر تلك الانحناءة ولا يكاد يشاركه جبل آخر على وجه هذه الأرض مثل هذا الموقع الفريد، وقد ذكر القرآن الكريم هذا الموقع الفريد في ثنايا آيات وردت في توصيف الجبل الذي كلم الله عنده موسى عليه السلام،

قال الله تعالى:

{فلما أتاها نودي من شاطئ الوادي الأيمن} 30 القصص.

وفي الآية ال44 من ذات السورة يقول الله تعالى:

{وماكنت بجانب الغربي اذ قضينا الي موسي الأمر وما كنت من الشاهدين}.

سأقوم بالحديث عن الاتجاهات الواردة في الآيات الكريمة أعلاه بعد أن أجيب على السؤال التالي:

هل يكون هذا الجبل هو جبل الطور الذي قابل عنده موسى عليه السلام الله تعالى؟

للإجابة على هذا السؤال علينا ان نتحدث عن جغرافية وديمغرافية المكان.

أولا: الدائرة التي يفترض أن يكون النبي موسى عليه السلام تحرك داخل اطارها يفترض أن تكون احدى هذه الدوائر:

1-مصر الحالية ومن ضمنها سيناء.

2-شمال السعودية.

3-السودان الشمالي الحالي.

ولإن بدأنا بمصر وسيناء فسنجد أن التسليم بذلك دونه الكثير من اللاّءات التي أثبتها العديد من الكُتَّاب والباحثين وعلماء الآثار وجلّهم يهود وبعضهم مسيحيون، منهم (رون وايت) الذي كتب كتابا خلال الثمانينات أبان فيه بأن بني اسرائيل لم يبقوا في سيناء أربعين سنة، بل عبروا إلى شمال السعودية، وان الجبل الذي ناجى منه موسى عليه السلام ربه هو (جبل اللوز) في شمال السعودية…

ومنهم كذلك الباحث اللبناني كمال الصليبي الذي كتب كتابا أسماه (التوراة جاءت من جزيرة العرب)، نفى فيه بأن يكون اليهود عاشوا في فلسطين أو مصر،ض وقال بأنهم عاشوا في منطقة عسير السعودية.

ومنهم أيضا المؤرخة وعالمة الآثار (الدكتورة هيلين) وهي استاذة في الجامعة الامريكية ببيروت والشهيرة بآرائها المعضدة بالبراهين بكون فلسطين أرض عربية، عندما ألقت محاضرة استشهدت فيها بآراء العديد من المؤرخين (الإسرائيليين الجدد) بجامعة تل أبيب، أعربوا خلالها عن شكوكهم في وجود العبرانيين التاريخي بمصر!…

والقول بأن اليهود قد عاشوا في شمال السعودية الحالية، أو ان جزءا من حراك موسى عليه السلام كان فيها لقول لا يستند الى معقولية، لان طبيعة المنطقة جغرافيا تتسق مع الشواهد المذكورة في ثنايا حراك موسى عليه السلام خلال رحلاته الثلاثة:

1-رحلته الأولى للقاء الرجل الصالح في مجمع البحرين

2-رحلته الثانية هروبا بعد أن وكز القبطبي وقضى عليه.

3-رحلته الثالثة انقاذا لقومه من بطش فرعون.

خلال رحلته الأولى فإن خرق السفينة وبناء الجدار يعني أن المنطقة التي سارا فيها هو والرجل الصالح يشقها نهر دائم الجريان، وعامرة بالسكان.

وكذلك فإ تفاصيل لقائه بفرعون الذي قال:

{وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَٰذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}51 الزخرف

وكذلك وجود السحرة الذين أتى بهم فرعون من منطقة (دنقلة) كما ذكر ابن كثير في تفسيره؛ يجد المتدبر أن القصة بسياقها هذا دارت علي أديم ارض يشقها نهر تحفه أشجار النخيل، وتمخر عبابه سفن شراعية مملوكة لاسر بسيطة…

ثم ان كلمة (بحر) في اللغة العربية تعني الماء العذب كما تعني الماء المالح ايضا…

وبالطبع هناك تفاسير للقرآن بينت أن (مجمع البحرين) المذكور في تركيا أو في العراق، وذاك لعمري أمرٌ لا يمكن التسليم به لا عقلا ولا منطقا لبعد المسافة الجغرافية.

ولعله من المفيد هنا ايراد وصف نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه لهيئة موسى عليه السلام.

ورد وصف موسى وعيسى عليهما السلام في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: رأيت ليلة أسري بي موسى رجلاً آدم -أي لونه بين البياض والسواد- طوالاً جعداً كأنه من رجال شنوءة، ورأيت عيسى رجلاً مربوعاً مربوع الخلق إلى الحمرة والبياض سبط الرأس.

وفي رواية للبخاري ومسلم عن ابن عباس أنه قال: وذكر النبي صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به فقال: موسى آدم طوال كأنه من رجال شنوءة وقال عيسى جعد مربوع…

واضيف الي ذلك ماقاله البروف عبدالله الطيب رحمه الله الذي علّق خلال حلقة اذاعية على الآية الكريمة التي تقول:

{واضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاء مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرَى} طه 22

على أن ايراد لفظة البياض هنا انما توحي جليا بأن لون بشرة موسى عليه السلام كانت غير بيضاء!

كل ماسبق من وصف يؤكد أن موسى عليه السلام اقرب لأن يكون من اهل السودان من حيث الهيئة واللون، وقد جاء في التوراة أن موسى تزوج فتاة من(كوش) تدعى (صفورا)، وكوش هي المملكة الأولى التي نشأت في شمال ووسط السودان.

وقد ذكر في القرآن الكريم أن لقاء موسى بربه كان على شاطئ واد (مقدس):

قال تعالى في سورة طه:

{وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَاراً لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي يَا مُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى}.

المقدس اشتقاق من القدوس، وهو اسم من اسماء الله الحسنى، والقدوس في اللغة هو القادر على الإحياء، وبذلك فإن المُقدَّس اشتقاق من ذات الاسم،

فعندما تطلق لفظة المقدس على (وادي)، فإنه يكون واديا يبعث الحياة، أو تنبعث الحياة منه أو بسببه ،أليس كذلك؟!

فأي وادي مقدس يبعث بالحياة إن لم يكن نهرا يجري فيه الماء العذب الذي جعل الله منه كل شئ حي؟!

وهل هناك واديٍ أقدسَ من نهر النيل؟!

أما الشجرة المباركة المذكورة في الآية، فقد ذكرت الاسرائيليات بأنها شجرة العليق، وقيل بأنها شجرة العوسج، واختلفوا هل العوسج هو الغرقد ام لا، والعليق نبات قصير شائك معرش من فصيلة الورديات، ثمره أحمر وربما كان أصفر، وله نوى صلب مستدير، والعوسج أقصر منه ولكن قد يصل طوله متران، وهو شجيرة شوكية معمرة لها ساق خشبية متفرعة والفروع متعرجة ومتداخلة، الأوراق صغيرة وبسيطة ذات لون أخضر يميل إلى الصفرة.

موسى عليه السلام كان مقبلا في ليلة شاتية شديدة البرد فرأى نارا بجانب شجرة:

{فَلَمَّا قَضَىٰ مُوسَى الْأَجَلَ وَسَارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِن جَانِبِ الطُّورِ نَارًا قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِّنَ النَّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ (29) فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِن شَاطِئِ الْوَادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَىٰ إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (30)}القصص

هل هناك شجرة لها وصل بالبركة؟

نعم

انها النخلة!

لنسأل ما هو قدر النخلة في الإسلام؟، وما هي مكانتها؟

من المدهش أن النخلة لها مساسٌ بالعقيدة، ومعلوم أن الأديان السماوية كلها عمودها ولبها عبادة الله الواحد الأحد، والنخلة لها ارتباط بمسائل كثيرة في ديننا الإسلامي.

لقد ضرب الله سبحانه وتعالى بالنخلة مثلًا عظيمًا جدًا، يقول الله تعالى: {أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلٗا كَلِمَةٗ طَيِّبَةٗ كَشَجَرَةٖ طَيِّبَةٍ أَصۡلُهَا ثَابِتٞ وَفَرۡعُهَا فِي ٱلسَّمَآءِ * تُؤۡتِيٓ أُكُلَهَا كُلَّ حِينِۭ بِإِذۡنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} إِبۡرَاهِيم

الشجرة الطيبة يا أحباب هي النخلة، أصلها ثابت وفرعها في السماء، وتؤتي أُكلها كل حينٍ، ولايؤكل من الثمر في كل وقته ويكون في جميع الأوقات مثل ثمرة النخلة!، وزارعوا النخيل يعلمون ذلك، اذ تؤكل ثمار النخل في ابتدارها وهي خضراء ويسمى في شمال السودان ب(الدفيق)، ثم يصبح رُطبًا، ثم يكون تمرًا، ويدخر ليؤكل منه طوال السَنة.

ولنقف وقفة:

ياترى ما هي الكلمة الطيبة التي ذكرتها الآية الكريمة؟!

انها كلمة التوحيد.

ان التوحيد لكلمة طيبة أصلها عظيم، ان المؤمن إذا حقق التوحيد في قلبه كان أصله ثابت، وكان فرعه معطاءً.

ويقول الله تعالى أيضا عن النخلة:

{وَالنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ} 10) ق.

الباسقات هي الشامخات، أي ان النخلة تعد أحد أطول الأشجار قاطبة، وهي في ذلك تبذ كل من شجرة العليق والعوسج، وبالتالي فإنها تكون أظهر للرائي من بعيد وهو مقبل كما كان الحال مع موسى عليه السلام، والنخلة فضلها الله على غيرها من الثمار والفواكه، بقوله تعالى:

{وَٱلۡأَرۡضَ وَضَعَهَا لِلۡأَنَامِ (10) فِيهَا فَٰكِهَةٞ وَٱلنَّخۡلُ ذَاتُ ٱلۡأَكۡمَامِ (11)} الرحمن.

قال أهل العلم: أفردها بالذِكر لشرفها ومكانتها ورِفعتها، ولشرفها فقد اختارها الله تعالى لتكون رفيقة وعونا لمريم عليها السلام وهي تلد عيسى عليه السلام في ظلها، ثم يأمرها الله جل في علاه بأن هزي اليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنيا!

أقول وبالله التوفيق:

1-ان الشجرة (الطيبة) التي قدم إليها موسى عليه السلام -بجانب النار- هي ذات شجرة النخيل.

2-والوادي المقدس، هو نهر النيل.

3-جبل الطور، هو (جبل البركل) الذي لازمه التعظيم والتقديس طوال قرون منذ أزله، وبقيت كل الحضارات القديمة تحفظ له ذات التقديس والبركة والمهابة، فجعلوه مكانا لتعميد وتنصيب الملوك، ومركزا لاتخاذ القرارات المصيرية، ومنطلقا للجيوش، وموئلا لتوحيد الله دون كل الأديان والعقائد القديمة التي غلب عليها الشرك بالله.

موسى عليه السلام وقف (بجانب الجبل)، والجبال لكونها دائرية لايمكن تحديد الاتجاهات منسوبة اليها، لكن مع ذكر مكان وجود النار والشجرة، في الشاطئ الشرقي (لنهر النيل)؛ فإن وقفته كانت مواجهة لشاطئ النيل (الشرقي)، وكون الشاطئ هو الأيمن/الشرقي؛ ليس المقصود هنا الشرق الجغرافي، انما الجانب الأيمن من اتجاه جريان التيار، وكل القاطنين على شواطئ الأنهار يسمون الشاطئ الأيمن بناء على اتجاه سريان التيار وليس على أساس الاتجاهات الجغرافية، وعندما تحدثت الآية التي وصفت موقع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في قول الله تعالى:

{وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَىٰ مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ} 44 القصص.

فإن الحديث هنا عن الموقع (الجغرافي)، وللعلم فإن نهر النيل (هنا) ينقلب اتجاهه رأسا على عقب ليسير من الشمال إلى الجنوب بعد أن كان ينساب من الجنوب إلى الشمال، وللعلم لايوجد نهر أو جزء من نهر – في كامل الدائرة مثار حديثنا والتي عاش وتحرك فيها موسى عليه السلام- يجري من الشمال إلى الجنوب سوى هذا الجزء من نهر النيل،

فعند وصول نهر النيل إلى مدينة أبوحمد يغير خط سيره ليتجه إلى الجنوب الغربي، وبعد المنطقة التي بني فيها سد مروي بالضبط يتجه إلى الجنوب ولكن لمسافة قصيرة لاتزيد عن بضع كيلومترات فقط، وهذه هي المنطقة المتاخمة لمنطقة كريمة والبركل حيث يقع الجبل، وبعد أن يتجاوز النيل الجبل ينحرف في اتجاه الجنوب الغربي (الجغرافي) مرة أخرى حتى يصل إلى مدينة الدبة، ثم يتجه بعد ذلك شمالا الى ان يتجاوز حدود السودان عند مدينة حلفا القديمة إلى مصر ليصل إلى مصبه في البحر الأبيض المتوسط.

تعالوا معي لنقف مرة أخرى عند الجبل لنعيد تحديد الاتجاهات والمواقع:

نهر النيل عندما يصل إلى البركل ويواجه الجبل يكون سائرا في اتجاه الجنوب الجغرافي دون انحراف إلى الجنوب الغربي، وهنا يكون موقع النار والشجرة حيث المناداة الإلهية لموسى عليه السلام وكذلك الجبل (في الشاطئ الأيمن للنهر)، لكنه حسب الموقع الجغرافي تكون النار والشجرة والجبل في الغرب الجغرافي لوادي النيل!، ولكن عندما يعتدل نهر النيل بعد مدينة الدبة ليعود إلى مساره (الأصل) إلى الشمال؛ فإن موقع الجبل والشجرة والنار يصبح كل ذلك في الضفة الشرقية للنيل وكذلك في اتجاه الشرق الجغرافي هذه المرة!.

وانتقل إلى أمر آخر وهو أن القرآن يحدثنا عن كيفية غرق فرعون وجيشه بدءًا من قرار بنى إسرائيل الخروج مما أثار سخط وغضب فرعون، فجمع جنوده وانطلق خلفهم بجيشه في ذات ليلة خروج موسى وقومه، فلحق بهم عند (شروق الشمس) كما ذكرت الآية، وهذا يعني ان موسى عليه السلام وقومه لم يسيروا سوى فترة الليل فقط، وبالتالي فقد ساروا مسافة قصيرة، فلما (تراءى) الجمعان قال أصحاب موس إنا لمدركون، فقال موسى (كلا إن معى ربى سيهدين)، فأمره اللّه تعالى أن يضرب البحر بعصاه، فضربه فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم، فعبرت بنو إسرائيل، وما ان وصل آخرهم إلى الجانب الآخر نزل فرعون وجنوده إلى الممر (الخالي من الماء)، فأمر اللّه مياه البحر بالانطباق فغرقوا ولم ينج منهم أحد، هنا

دعونا نتوقف لحظة عند قول الله تعالى:

{وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ} البقرة 50

لاحظوا حرف الفاء مع (انجيناكم) و حرف الواو مع (أغرقنا) وأقرنوا ذلك بقول الله تعالى (وأنتم تنظرون)!

فقد كان موسى عليه السلام وقومه يتابعون بأعينهم مشهد جيش فرعون من خلفهم إلى أوشكوا على اللحاق بهم في المقابل للبحر، وكانوا (ينظرون) إليهم وهم يعرفون في البحر، وهذا دليل بأن عرض مجرى الماء/البحر الذي حدث فيه كل هذا للمشهد (صغير) وفي مستوى بصر كل من يقف على جانب من جوانبه، فإذا تبين لنا أن كلمة (بحر) في اللغة العربية تعني الماء العذب وكذلك الماء المالح؛ فإن المشهد بكامله يكون قد حدث في (نهر) وليس في البحر الأحمر كما تذكر بعض التفاسير.

وللننتقل إلى أمر آخر:

أبان البروفيسور منتصر الطيب ابراهيم (أستاذ الوراثة والأسرة بجامعة الخرطوم) أن كل الأدلة الوراثية تشير إلى أن أصل الانسان الأول في أفريقيا وفي السودان بالتحديد،

وأكد الباحث فى الحضارة المروية عبد الله شم الذى عكف على مقارنة الكثير من كلمات اللغة العربية الدارجة السودانية الحالية وبين اللغة المروية القديمة بأن: اللغة العربية هى إبنة اللغة المروية -أم اللغة الدارجة السودانية- وليس العكس، وأن اللغة المروية أقدم بكثير من فترة مروي التأريخية، حيث وجدت لها نقوش فى فترة مملكة نبته وغيرها.

واضاف الباحث عبد الله شم أن اللغة المروية هى لغتنا العربية السودانية العامية في أصلها، وتعد أول لغة تم كتابتها بحروف أبجدية على الأرض، ولاحظ بأن اللغة الهيروغليفية أيضا تحتوى على عدد كبير من الكلمات الدارجة السودانية، ومعروف أن اللغة المروية سبقت اللغة العربية.

وهنا ينبغي الإشارة إلى أن العديد من الأسماء والكلمات المتداولة في اللهجة الشايقية في منطقة منحنى النيل (تجدها في أشعارهم من لدن حسونة ودالدابي الأب) هي أسماء وكلمات مروية/كوشية، وليست نوبية كما يحسبها البعض، ومن ذلك اسماء غالب مايخص الزراعة والري كأجزاء الساقية وغير ذلك هي اسماء تمت وراثتها من اللغة المروية/الكوشية، وهي اللغة الأم لأجداد أهل المنطقة المحيطة بجبل البركل، وبقيت هذه الكلمات والمسميات (أصيلة غير مستلبة) في لهجتهم بعد ان تعربوا عند قدوم المسلمين العرب وتوقيعهم لاتفاقية البقط مع سلطان النوبة قلاوون المسيحي في حاضرته دنقلا العجوز ثم اختلاطهم بالكوشيين جنوب دنقلا العجوز، وبعد اسلام كل سكان شمال السودان أنكسر الحاجز الذي صنعته مسيحية النوبة ويهودية الكوشيين فأصبح كل الأثنيات ذات أصول كوشية، واحتفظ النوبة بلغتهم النوبية لأسباب عديدة،

لكنهم استوعبوا مسميات الزراعة والري المروية الكوشية لتصبح جزءا من لغتهم النوبية، ولكون هذه الكلمات والاسماء (غير عربية) أصبح الناطقين بالعربية يظنها نوبية الأصل، ومعلوم أن اللغة المروية الكوشية تختلف تماما عن اللغة النوبية، الأولى لغة مكتوبة، بينما الثانية شفاهية، وقد ذكر البروف جعفر ميرغني بأن الحرف المروي يعتبر أساس الحروف الأخرى بما فيهم الخط الحبشي القديم والحميري والعربي والإغريقي، وان هيرودوتس أشار فى كتاباته أن المرويين كانوا أول من كتب الأبجدية وعلموها.

أعود فأقول بأن أهلنا النوبة لم يختلطوا -في البدء- بالقادمين المسلمين العرب لسببين، الأول لكون اتفاقية البقط ألزمت العرب المسلمين المرور على مناطق النوبة كتجار دون اقامة، فكان العرب المسلمين يتجهون إلى مناطق الكوشيين المروين (الموحدين) جنوب حدود دولة المقرة المسيحية وجنوب دنقلا العجوز، والثاني ان النوبة المسيحيون المؤمنون بالتثليث كانوا في حرب مع الكوشيين المرويين على تخومهم الجنوبية الموحدين تبعا لديانة آمون، حيث اعتنق الكوشيون المرويون اليهودية في عهد الكنداكات اللاتي كن يرسلن القوافل والمحامل إلى أورشليم القدس كما ذكرت كتب اليهود، ولعل أهل البركل وكريمة يتذكرون مسلة طويلة بجانب جبل البركل وهي جزء منه نحت على شكل ثعبان (كوبرا) تقف على ذيلها ورأسها إلى الأعلى لتدل على عصا موسى عليه السلام، ولم تزل المسلة/العمود باقية يسميها أهل المنطقة ب(الشريمة) ولكن طمس شكل الحية فأصحبك مجرد عمود طويل، ولكن توجد صور قديمة بالأبيض والأسود تظهر الحية بصورة واضحة وجلية.

وبقي أهلنا النوبة على لغتهم، وبقيت آثار الكنائس إلى عهد قريب في بعض مناطقهم، بينما لاتجد هذه الكنائس في كامل المنطقة جنوب دنقلا العجوز، والسبب في ذلك رفض الكوشيون لثليث النصارى، وقد كانت الكوشيون كنائسهم اليهودية ومنها كنيسة في منطقة القرير لم تزل تحمل اسم (الكنيسة) بضم الكاف وفتح النون وسكون الياء وفتح السين، والاسم (تصغير) درج عليه أهل المنطقة اللاحقون من الشايقية، والسبب ان الكنيس اليهودي أصغر مساحة وحجما عن كنيسة النصارى، كانوا يقارنون كنائس المسيحيين في شمالهم الجغرافي عند النوبة بكنائسهم، وكذلك هناك آثار لكنيس يهودي آخر في منطقة الرباطاب بمنطقة (أرتل الكبرى)، وبضع كنائس أخرى يحسبها البعض كنائس مسيحية لكنها يهودية، وبعد أسلام أهل المنطقة تم تحويلها إلى مساجد.

انتقل للحديث عن (الوصايا العشر) لأبين صلة حضارة كوش ثم الدولة المروية القائمة على ديانة آمون رع بتوحيد الله واتساقها مع الأديان السماوية وصلا باليهودية:

ورد بأن الله انزل (عشر وصايا) في كل الكتب السماوية السابقة، وكذلك في القرآن الكريم، جاءت هذه الوصايا في التوراة كالآتي:

قَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اصْعَدْ إِلَيَّ إِلَى الْجَبَلِ، وَكُنْ هُنَاكَ، فَأُعْطِيَكَ لَوْحَيِ الْحِجَارَةِ وَالشَّرِيعَةِ وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي كَتَبْتُهَا لِتَعْلِيمِهِمْ». 13

فَقَامَ مُوسَى وَيَشُوعُ خَادِمُهُ. وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى جَبَلِ اللهِ..

(أول إشارة للألواح في Exodus 24:12–13).

وهذه تفاصيل الوصايا العشر التي أمر بها الله بني إسرائيل في سفر الخروج، الاصحاح 20:

1- لاَ يَكُنْ لَكَ آلِهَةٌ أُخْرَى أَمَامِي.

2- لاَ تَصْنَعْ لَكَ تِمْثَالًا مَنْحُوتًا، وَلاَ صُورَةً مَا مِمَّا فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ، وَمَا فِي الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ، وَمَا فِي الْمَاءِ مِنْ تَحْتِ الأَرْضِ. لاَ تَسْجُدْ لَهُنَّ وَلاَ تَعْبُدْهُنَّ.

3- لاَ تَنْطِقْ بِاسْمِ الرَّبِّ إِلهِكَ بَاطِلًا.

اُذْكُرْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ.

4- أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ لِكَيْ تَطُولَ أَيَّامُكَ عَلَى الأَرْضِ الَّتِي يُعْطِيكَ الرَّبُّ إِلهُكَ.

5- لاَ تَقْتُلْ.

6- لاَ تَزْنِ.

7- لاَ تَسْرِقْ.

8- لاَ تَشْهَدْ عَلَى قَرِيبِكَ شَهَادَةَ زُورٍ.

9- لاَ تَشْتَهِ بَيْتَ قَرِيبِكَ.

10- لاَ تَشْتَهِ امْرَأَةَ قَرِيبِكَ، وَلاَ عَبْدَهُ، وَلاَ أَمَتَهُ، وَلاَ ثَوْرَهُ، وَلاَ حِمَارَهُ، وَلاَ شَيْئًا مِمَّا لِقَرِيبِكَ.

انتهى

وفي القرآن الكريم وردت هذه الوصايا العشر فى اطار الحوار مع أهل الكتاب.

يقول الله تعالى فى سورة الأنعام:

{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (152) وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (153) ثُمَّ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ تَمَاماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَتَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ (154)}

وتفاصيل هذه الوصايا العشر في الإسلام كالآتي:

1 ـ عدم الوقوع فى الشرك العقيدى باتخاذ آلهة وأولياء مع الله تعالى.

2 ـ الإحسان للوالدين.

3 ـ النهى عن قتل الأولاد بسبب الوقوع فى الفقر.

4 ـ النهى عن الاقتراب من العلاقات الجنسية المحرمة سواء كانت علنية أوسرية.

5 ـ النهى عن قتل النفس إلا بحقها.

6 ـ النهى عن أكل مال اليتيم الا بالتى هى احسن.

7 ـ توفية الكيل والميزان بالقسط والعدل.

8 ـ العدل فى القول، أى قول الحق حتى لوكان ضارا بأقرب الناس اليك

9 ـ الوفاء بالعهد الإلهي أى أداء فرائضه.

10 ـ اتباع القرآن الكريم وحده باعتباره الطريق المستقيم للهداية.

وبالطبع هناك وصايا أخرى تزيد عن هذه العشر في الإسلام.

هذه الوصايا العشر المشتركة في الأديان السماوية، وجدت لها وصلا بوصية تم اكتشافها في معبد آمون الموجود في (جبل البركل)، إنها وصية للأمير (خوليوت إبن بعانخي)، وقد ترجمها من الهيروغليفية إلى العربية البروفيسر العباس سيد أحمد عام 2008م، وتتلخص وصية الأمير خوليوت في الآتي:

إنني لا أكذب.

ولا أعتدي على ملكية غيري.

ولا أرتكب الخطيئة.

وقلبي ينفطر لمعاناة الفقراء.

وإنني لا أقتل شخصاً دون جُرمٍ يستحق القتل.

ولا أقبل رشوةً لأداء عملٍ غيرِ شرعيٍّ.

ولا أدفع بخادمٍ استجارني إلى صاحبه.

ولا أعاشر امرأة متزوجة.

ولا أنطق بحكمٍ دون سند.

ولا أنصب الشِراك للطيور المقدسة.

أو أقتل حيواناً مُقدَّساً.

إنني لا أعتدي على ممتلكات المعبد.

بل أقدم العطايا للمعبد.

إنني اُقدم الخبز للجياع.

والماء للعطشى.

والملبس للعُراة.

أفعل هذا في الحياة الدنيا.

وأسير في طريق الخالق.

مبتعداً عن كل ما يغضب المعبود.

لكي أرسم الطريق للأحفاد الذين يأتون من بعدي في هذه الدنيا وإلى الذين يخلفونهم وإلى الأبد.

خوليوت إبن بعانخي.

تخيلوا بأن هذه الوصية كُتِبَت قبل ميلاد المسيح عليه السلام ب(سبعمائة عام)!

وللعلم فإن الفارق الزمني بين أنبياء الله موسى وعيسى هو ألف وخمسمائة عام كما ورد في قصص الأنبياء لابن كثير، من يقرأ تفاصيل وصايا خوليوت هذه يجد فيها وصلا وشبها بالوصايا العشر في اليهودية، ومعلوم أن ملوك وكنداكات كوش موحدون لله وصلا بديانة آمون كما ذكرنا من قبل.

وإليكم هذا النص الذي ورد في الأنجيل في سفر أعمال الرسل الإصحاح 8:26-40 وفحواه الآتي:

(تحدث ملاك الرب الي فيليب قائلاً: أستيقظ وإذهب الي الجنوب الي الطريق الذي يذهب الي الأسفل من اورشليم الي غزة الي الصحراء، فأستيقظ وذهب، ولمح رجلاً خصياً من إثيوبيا وكان ذو مرتبة عظيمة عند ملكة اثيويبا الكنداكة، فهو المسئول عن كنوزها، وقد اتي الي اورشليم للعبادة، وهو يستعد للعودة الي دياره جالساً في مركبته الحربية ويقرأ سفر اشعياء الرسول).

إنتهى نص الإنجيل.

قيل بأن هذه الملكة هي الكنداكة (أماني تيري) التي أكتُشِفَ قصرها بجوار جبل البركل، وتم إعلانه من قبل اليونسكو عام 2003 كأحد مواقع التراث العالمي.

والذي يتحدث عنه النص ويسميه بالخصي الأثيوبي انما كان وزير مالية ملكة مروي (الكنداكة أماني تيري)، حيث كانت المنطقة كلها تسمى أثيوبيا حينها، وبالتالي فإن اسم اثيوبيا سوداني خالص، وقد اتخذته دولة الحبشة لها اسما في عهد الامبراطور هيلا سي لاسي.

هؤلاء الكوشيون هم (أصول) وأجداد أهلنا في منطقة جبل البركل والكرو ونوري بقية وسط السودان، وبالطبع لن يتعارض ذلك مع هجرات عربية أتت من الشمال فتصاهروا مع امهاتنا (الكوشيات)، ثم طغت اللغة العربية والدين الاسلامي (الموحِّد لله) على أنقاض اليهودية التي لم تعتمر (التثليث) كما حدث في المسيحية، وقد ورد بأن اللغة العربية لها جذور في منطقة الشمال الأوسط منذ عهد إدريس عليه السلام الذي أحيا (أصول) اللغة العربية بعد أن اندثرت منذ عهد آدم عليه السلام، وهناك مايفيد بأن إدريس عليه السلام عاش في تخوم جبل البركل.

أختم وأقول:

قد ينكر البعض منا تناول تأريخ المنطقة وذكر أمثال هذه التفاصيل لكونها تتسبب في جعل السودان مطمعا لليهود، والرد على ذلك أننا كسودانيين ينبغي ان نعتد بتأريخنا ان تبينت لنا تفاصيله وحقائقه، ويجرمننا في ذلك شنآن لصهاينة او غيرهم، ولعمري انه لشرف لنا أن يكون موسى عليه السلام منا أهل السودان.

ولعلي أقول:

على الرغم من اعتدادي بديني الإسلام، وحرصي الأكيد على تشكيل وجداني بكل مايُعْلِي من قدر هذا الدين في دواخلي؛ إلا إنني كنت ولم أزل أجد شيئا ما يشدني إلى الأمير خوليوت إبن بعانخي، فقد كنا نسمع عنه وعن بعانخي وتهرقا (ترهاقا) ونحن صبية نلعب على رمال جبل البركل والذي يسميه أهلنا بإسم جدي ودالكرسني رحمه الله، وحكى لنا أجدادنا كذلك عن آمون الذي يؤمن بالله الواحد، ولاغرو أن السبب في مشاعر الارتباط بخوليوت وآبائه فينا توحيد الله الذي ثبت أن دين أولئك الأجداد من الكوشيين كانوا عليه، ولعله أيضا نتاج رباط الدم وأواصر القرابة لأولئك الأسلاف الأجداد من المرويين الكوشيين.

اللهم اغفر لكل الموحدين الذين لم يشركوا بك شيئا، واغفر اللهم لجدنا (الموحد) خوليوت ابن بعانخي وآبائه ممن شهد لك بأنك واحد أحد.

آمنت بالله.

adilassoom@gmail.com