‫الرئيسية‬ مقالات للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم شكراً مصر
مقالات - ‫‫‫‏‫يومين مضت‬

للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم شكراً مصر

للحقيقة لسان  رحمة عبدالمنعم  شكراً مصر

ليس من قبيل المجاملة، ولا الترف الخطابي، القول إن الموقف المصري من الأزمة السودانية جاء امتداداً لما هو أعمق من مجرد سياسة خارجية، إنه موقف نابع من ضمير تاريخ مشترك، وشعور قومي لم تنل منه التحولات ولا رياح المصالح المتقلبة. فمنذ اندلاع الحرب في الخرطوم، لم تتردد القاهرة في الانحياز إلى ما تمليه الأخلاق والجغرافيا، قبل أن تنحاز إلى ما تقتضيه الحسابات.

فتحت مصر أبوابها على مصاريعها لاستقبال مئات الآلاف من الفارين من جحيم الحرب، دون أن تستغرق في ضجيج المؤتمرات أو تبتز بملف اللاجئين كما فعل غيرها، لم تطلب مقابلاً، ولم تضع شروطاً، بل احتضنت السودانيين كأبناء بيت لا كضيوف عابرين، إدراكاً منها أن العلاقات مع السودان ليست علاقات بين دولتين، بل بين نيل واحد وقلبين يتبادلان النبض.

لم يكن البُعد الإنساني إلا جزءاً من مشهد أكبر، أكّدته القاهرة مراراً في خطابها السياسي والدبلوماسي، حين أعلنت دون مواربة دعمها للحكومة الشرعية في السودان، ورفضها القاطع لأي محاولات لتقسيم السلطة وتشكيل حكومة موازية، وفي الوقت الذي آثرت فيه بعض العواصم الصمت أو المجاملة، اختارت مصر أن تصدح بموقف مبدئي، وإن كان مكلفاً سياسياً في بعض الدوائر، فهو في ميزان الكرامة لا يُقدّر بثمن.

ولم تكتفِ القاهرة بالتعبير، بل بادرت بالفعل. ففي يوليو من العام الماضي، استضافت مصر فعاليات مؤتمر «القوى السياسية والمدنية السودانية» تحت شعار «معاً لوقف الحرب»، في خطوة عكست حرصها على أن يكون الحل سودانياً خالصاً، ينطلق من الإرادة الوطنية لا من أجندات الخارج. وقد شارك في المؤتمر ممثلون عن منظمات إقليمية ودولية، ودبلوماسيون من دول أفريقية وعربية وأوروبية، ما أضفى عليه بعداً سياسياً ودبلوماسياً مهماً، وأعاد مصر إلى موقعها الطبيعي كجسر للتقارب لا ساحة للفرقة.

ثم جاءت كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسي في القمة العربية الأخيرة لتضع النقاط على الحروف، حين وصف الوضع في السودان بأنه “منعطف خطير” يهدد وحدته واستقراره، مؤكداً ضرورة وقف إطلاق النار وتأمين المساعدات الإنسانية، ومجدداً التزام مصر برفض أي محاولات لتشكيل حكومات موازية أو تفكيك الدولة السودانية ،كانت كلمة موزونة، بعيدة عن الشعارات، لكنها محملة بكل ما يلزم من الرسائل لمن يعنيهم الأمر.

ولعل اللقاء الذي جمع اللواء حسن رشاد، رئيس المخابرات العامة المصرية، ومسعد بولس كبير مستشاري الرئيس الأمريكي للشؤون العربية، امس الأحد، بشأن الأوضاع في السودان، كان إشارة إضافية إلى أن القاهرة لا تكتفي بالمواقف الخطابية، بل تسعى لتنسيق الجهود الدولية باتجاه تسوية تحفظ وحدة السودان وتصون مستقبله.

في النهاية، لا يمكن النظر إلى الموقف المصري من السودان إلا بوصفه موقفاً مشرّفاً، لا يتسق فقط مع معاني الأخوة والجوار، بل مع منطق الدولة التي تدرك أنها لن تكون مستقرة حقاً، ما لم يكن جيرانها كذلك، فشكراً لمصر حين اختارت أن تكون وفية لما تُمليه الجغرافيا، ولقيم لا تسقط بالتقادم.

‫شاهد أيضًا‬

وجه الحقيقة | إبراهيم شقلاوي استعادة وثائق الري أمن قومي

في زمن النزاعات لا تكمن الخطورة فقط في الخسائر البشرية والمادية، بل فيما تتعرض له الدولة م…