للحقيقة لسان رحمة عبدالمنعم كامل إدريس.. المرحلة الأصعب

في لحظة فارقة من تاريخ السودان، الذي تتقاذفه الأزمات وتُثقله تبعات الحرب يأتي تعيين الدكتور كامل إدريس رئيساً لمجلس الوزراء كفرصة أخيرة – وربما نادرة – لانتشال السودان من هاوية الانهيار الشامل، لا ينتمي الرجل إلى معسكرات الاصطفاف الحزبي، ولا إلى شبكات المحاصصة الضيقة، بل إلى رصيد معرفي وخبرة دولية وحنكة قانونية قد تشكل، إذا حُسن توظيفها، مدخلاً لإعادة البناء، وتدشين مرحلة جديدة تُقام على أسس الدولة لا الفوضى، وعلى برنامج لا شعارات.
ليس أمام رئيس الوزراء الجديد ترف الوقت ولا فسحة المناورة، فاللحظة الوطنية الراهنة لا تحتمل مزيداً من الإخفاق، ولا تقبل المجاملة على حساب المصلحة العامة، والسودان لا ينتظر خطباً ولا مواقف استعراضية، بل ينتظر من كامل ادريس تشكيل حكومة كفاءات مستقلة جديدة، تنتمي إلى ضمير الناس لا إلى مراكز النفوذ، وتنهض بمهمة الإصلاح المؤسسي، ووقف العبث الذي عصف بجهاز الدولة وجعل من الانفلات والتسيب قاعدة لا استثناء.
المطلوب من الدكتور كامل إدريس أن يضع برنامج عمل واضحاً ومعلناً، يُجيب على أسئلة الناس الملحة، كيف نوقف الحرب؟ كيف نعيد بناء ما دمّرته؟ كيف نستعيد ثقة المواطن في دولته؟ وكيف ننفتح على العالم بعد عزلة قاتلة؟ ولا شك أن تجربته الدولية الغنية، وعلاقاته الواسعة، تمنحه أدوات فاعلة لتحريك الملفات المعطلة، وبناء شراكات استراتيجية تقوم على الاحترام والمصالح المتبادلة، لا على الارتهان والارتهان المضاد…
غير أن النجاح لا يقاس بمستوى العلاقات أو قوة السيرة الذاتية فقط، بل بمدى القرب من الناس، على رئيس الوزراء أن يُبقي أذنه مصغية لصوت الشارع، وعينه مفتوحة على وجع المواطن، لا على أضواء الإعلام ومجالس التبجيل، فالناس لا تنتظر زعيماً من برج عاجي، بل رجل دولة يعرف الأسواق كما يعرف المنصات الدولية، ويتنفس هموم البسطاء كما يتحدث لغات العالم ،عليه أن يبتعد عن حارقي البخور، والطبالين الذين ما زالوا يتقافزون من منصة إلى أخرى، يزينون كل شيء ويفسدون كل شيء.
كامل إدريس ليس ساحراً، ولن يصنع المعجزات بمفرده، لكن أمامه فرصة نادرة ليثبت أن هذا البلد ما زال قادراً على إنتاج رجال دولة، إذا ما أُعطوا المساحة، وأُزيحت من طريقهم الحواجز المصطنعة. فالتحديات جسيمة، لكن الإرادة الصادقة قادرة على تحويل الكارثة إلى بداية جديدة.
الأمل لا ينعقد عليه وحده، بل على قدرة الجميع، من مؤسسات الدولة إلى القوى المجتمعية، على تغليب مصلحة الوطن على المصالح الذاتية، وتقديم مشروع نهضوي جامع يضع حداً للانهيار، فإن نجح، يكون قد فتح باب الرجاء، وإن أُفشل، نكون قد خسرنا فرصة أخيرة، لا يعوّضها الوقت ولا يسعفها الندم.
أصل_القضية خرائط جديدة لعالم قديم محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء العرب
مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو حين تُرسم الحدود بالحبر… ويُحرسها الدم مدخل: ما بُني بالحب…