‫الرئيسية‬ مقالات تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء: خطوة نحو التحول المدني وترتيب مرحلة ما بعد الحرب عبدالمنان ابكر عمر
مقالات - مايو 20, 2025

تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء: خطوة نحو التحول المدني وترتيب مرحلة ما بعد الحرب عبدالمنان ابكر عمر

تعيين الدكتور كامل إدريس رئيسًا للوزراء: خطوة نحو التحول المدني وترتيب مرحلة ما بعد الحرب  عبدالمنان ابكر عمر

أصدر رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مراسيم رسمية عُيّن بموجبها الدكتور كامل إدريس رئيسًا لمجلس الوزراء إضافة إلى تعيين امرأتين لاستكمال عضوية المجلس السيادي. وبهذا القرار تُعاد هيكلة الجهاز التنفيذي للدولة بعد فراغ دام لأكثر من ثلاث سنوات منذ استقالة الدكتور عبدالله حمدوك عقب قرارات 25 أكتوبر 2021.

هذا التعيين يأتي في توقيت بالغ الأهمية حيث تشهد البلاد حربًا ضروسًا اندلعت في 15 أبريل 2023 بين الجيش ومتمردي الدعم السريع. وقد أُديرت شؤون الدولة خلال هذه الفترة من قبل أعضاء المجلس السيادي الذين تولوا مهام الإشراف على الوزارات وهو أمر أضعف البنية التنفيذية وشلّ قدرة الدولة على تقديم الخدمات الأساسية أو إدارة الملفات الاستراتيجية.

الدكتور كامل إدريس هو شخصية سودانية مرموقة تحمل سيرة ذاتية مميزة في العمل الأكاديمي والدبلوماسي. وُلد في مدينة دنقلا عام 1954، ونال درجة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة جنيف، كما درس في جامعات عالمية مرموقة. عمل لأكثر من عقدين في منظمة الأمم المتحدة للملكية الفكرية (الويبو)، وشغل منصب مديرها العام من 1997 حتى 2008. وقد عُرف طوال مسيرته بالكفاءة الإدارية والنزاهة والقدرة على بناء علاقات دولية متوازنة مما يؤهله للعب دور حاسم في إعادة بناء علاقات السودان الخارجية التي تضررت بشدة خلال سنوات الحرب والعزلة.

يمثل تعيين شخصية مدنية ومستقلة لرئاسة الوزراء نقطة تحول حقيقية نحو مسار الانتقال السياسي في السودان خاصة في ظل الوضع العسكري الراهن والتعقيد السياسي الداخلي والخارجي. فوجود رئيس وزراء مدني يعني بداية فصل السلطات وتمهيد الطريق لإعادة بناء مؤسسات الدولة وانطلاقة نحو حوار وطني شامل يمهد لسلام دائم وتحول ديمقراطي.

الخطوة تعكس على الأقل من الناحية الرمزية نية المؤسسة العسكرية في الانسحاب التدريجي من إدارة الحياة المدنية والتفرغ للملف العسكري وإنهاء الحرب. كما تمهد الطريق أمام حوار جاد مع الفاعلين الدوليين الذين لطالما طالبوا بحكومة مدنية ذات مصداقية كشرط لاستئناف المساعدات الدولية وإعادة إدماج السودان في المنظومة الاقتصادية العالمية.

مع تقدم الجيش ميدانيًا وتبدل موازين القوى لصالحه تلوح في الأفق فرصة لإنهاء الحرب سواء عبر الحسم العسكري أو الدخول في مفاوضات بشروط أفضل. وفي كلتا الحالتين فإن تعيين رئيس وزراء مستقل يأتي في لحظة حساسة تتطلب إعادة هيكلة الدولة ومواجهة تحديات ما بعد الحرب من إعادة الإعمار وعودة النازحين وتحقيق المصالحة الوطنية.

ولتحقيق ذلك من الضروري أن يُمنح الدكتور كامل إدريس الصلاحيات الكاملة لتشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة دون تدخل من القوى العسكرية أو الحزبية. إن إدارة هذه المرحلة تتطلب خبرات نوعية وقرارات جريئة وتوافقًا سياسيًا عريضًا وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا في ظل حكومة مدنية فاعلة ومستقلة.

يمكن القول إن تعيين الدكتور كامل إدريس ليس مجرد ملء فراغ سياسي بل هو نقطة انطلاق نحو تحول حقيقي إذا ما توفرت له البيئة السياسية المناسبة والإرادة الصادقة من جميع الأطراف. السودان اليوم أمام فرصة نادرة لطيّ صفحة الحرب وبناء عقد اجتماعي جديد تكون فيه الدولة مدنية ديمقراطية ومبنية على الكفاءة والمؤسسات.

 

 

الاثنين ١٩ مايو ٢٠٢٥

‫شاهد أيضًا‬

ابشر الماحي الصائم يكتب خطى كتبت علينا

اذا منحت (حقيبة وزارية) فأنت يومئذ قد منحت ،، سلطة ،، وإذا كانت هذه الحقيبة هي وزارة ايراد…