‫الرئيسية‬ مقالات أغدا يوم عرفة؟ عادل عسوم
مقالات - ‫‫‫‏‫3 أسابيع مضت‬

أغدا يوم عرفة؟ عادل عسوم

أغدا يوم عرفة؟ عادل عسوم

نعم غدا ان شاء الله يوم عرفة، إنه يوم وليلة الاصطفاف على أديم عرفات الله، إنه حشرٌ في الدنيا يحاكي يوم الحشر الأكبر الذي قال فيه جبار السماوات والاراضين:
{يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفًّا لّا يَتَكَلَّمُونَ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَابًا}
{ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآبًا}
ويالهيبة ذاك اليوم،
ويااااليوم عرفة الذي يهيئنا لذلك اليوم العظيم!…
روى الإمام مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما من يوم أكثر أن يعتق الله فيه عبيداً من النار من يوم عرفة، إنه ليدني ثم يباهي بهم الملائكة، فيقول: ما أراد هؤلاء).
وعند أحمد في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (إن الله يباهي بأهل عرفات أهل السماء، فيقول لهم: انظروا إلى عبادي، جاؤوني شعثاً غبراً).
وروى ابن خزيمة وابن حبان والبزار وأبو يعلى والبيهقي عن جابر رضي الله عنه، مرفوعاً أيضاً: (ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة، ينـزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فيقول: انظروا إلى عبادي جاؤوني شعثاً غبراً ضاجِّين جاؤوا من كل فج عميق، يرجون رحمتي ولم يروا عقابي، فلم يُرَ يوماً أكثر عتقاً من النار من يوم عرفة).
ياصاحبي،
أيما جهاز تكون فيه بطارية تحتاج الى الشحن لتشغيله، ونحن كذلك نحتاج إلى شحن روحي، ومن أهم محطات هذا الشحن الروحي يوم عرفة، ذلك اليوم المشهود،
إنه يوم الخير العميم والغنيمة، لكنها للذي يدرك القيمة، ويقبل على الله بعزيمة.
روى الترمذي من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده، أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “خير الدعاء دعاء يوم عرفة، وخير ما قلت أنا والنبيّون من قبلي:
لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير”.
ودعاء عرفة مجاب إن شاء الله.
فلنعد قائمة مكتوبة بكل ما نتمنى ونحب ونطمح إليه، لنا ولأهلنا ولأبنائنا وبلدنا وأمتنا، ثم ندع الله بما نشاء ونحن موقنون بالإجابة، وقد قيل ممن قبلنا بأننا سنرى العجب العجاب بفضل من الله ونعمة.
وعندما تُشْرِقُ الشَّمس العيد سيهرع الحجيج الى رمي الجِمَار،
وأي جِمَار؟!
وأي قصة تكمن خلف هذه الجمار؟!
انها لقصة مسطرة بأحرف من نور،
قصة تُبْتَدَرُ بابتلاء عظيم…
إنه ابتلاء لأبينا إبراهيم في فلذة كبده اسماعيل عليهما السلام، اسماعيل الذي مافتئ يحكي عنه نبع زمزم وقد ناب الرهق أمنا هاجر عليها السلام تسعى وتهرول بين الصفا والمروة بحثا عن الماء لرضيعها الوضئ.
وكأني بخليل الله إبراهيم يتلألأ جبينه بالأنوار حيث يقول:
{وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ}
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ}
{فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ}
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى…}؟!
يااااه
اسماعيل سيذبح؟!!!
يا ترى ماذا ستكون إجابة من يقال له ستذبح الآن؟!
لعمري إنه إمتحان عظيم، عصيب، عجيب، رهيب!
وإذا بالملعون يقف بعيدا وينادي:
ستموت يااسماعيل!
إنه إبليس بعد أن يئس من إبراهيم ليثنيه عن تحقيق الرؤيا النبوية،
لكن إسماعيل النبي إبن النبي عليهما السلام كانت إجابته إجابة الأنبياء:
{…يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ۖ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
ياللطاعة في أسمى ذراها…
واستلقى اسماعيل ووجهه إلى أبيه منصاعا لأمره، وإبراهيم يا أحباب ماكان قاسي القلب وهو الموصوف من الله بكونه (أواه الحليم)!…
وقف بإبليس يلوح في مكان الجمرة الكبرى ويقول:
– إنه ابنك ياااااا إبراهيم
فيوشك الخليل على التراجع عن إنفاذ أمر ربه، ولكن نظرة إبنه الواثقة تحثه على الطاعة والاخبات لله،
فيأخذ سبع حصيات ويرمي بها إبليس قائلا (الله أكبر)…
ويطلب إبراهيم من إبنه إسماعيل تغيير مكان الذبح نأيا بنفسيهما عن إبليس،
فيتبعهما الملعون إلى مكان الجمرة الوسطى وينادي:
يااااا ابراهيم، إنه فلذة كبدك…
فيرقّ قلب ابراهيم -الأواه الحليم- مرة أخرى، لكن نظرة إبنه الواثقة والمخبتة لله تثبت قلبه، فيرجم ابراهيم إبليس بسبع حصيات ويكبر الله،
ثم يُختتم المشهد بالجمرة الصغرى بذات الذي حدث في مكان الجمرتين الكبرى والوسطى، يرمي الخليلُ إبليسَ بحصيات سبع مكبرا.
ويتهيأ إبراهيم للذبح مجددا شاحذا مديته، وقبل ان ينحني… ينظر الى السماء، وفي النفس احساسان عظيمان يكادان يتقاطعان:
حُبٌّ لله ويقين لا يتزعزع، ثم حزن عظيم على فلذة كبده اسماعيل…
فلا يجد الاّ الصمت المهيب في السماء، حتى السحب كأنها سكنت تراقب المشهد المهيب…
فلايملك إلا الإنحناء إلى إبنه الراقد على ظهره، فيستأذن منه إسماعيل ويستدير ليجعل وجهه إلى الأرض كي لا تلتلقي نظراتهما خلال الذبح، ثم يمسك إبراهيم بالسكين ليهوي بها على مؤخرة عنق ابنه المستسلم في ثبات لأمر الله، يحبس الخليل أنفاسه ثم (تله للجبين) وشرع في التكبير:
الله أكبر…
الله أكبر…
الله أكبر..
وهنا…
يتولى القرآن الكريم اتمام وصف المشهد المهيب:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
{فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ}
{وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ}
{قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}
{إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ}
{وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ}
وإذا بجبريل عليه السلام يشق عنان السماء يجر من خلفه كبشا أقرنا أملحا ليهبط أمام نبي الله ابراهيم ويقول:
أمسك عليك مديتك يانبي الله، لقد صدقت الرؤيا وأطعت ربك…

أنعم به من فداء عظيم ياخليل الله، وأنعم بك من إبن بار يا اسماعيل، عليكما وعلى نبينا السلام…
وهاهم الملايين من المسلمين يحتفون بذلك كل عيد، وإنّه لعمري لذِبح عظيم!
وغمر الفرح قلب الخليل إبراهيم عليه السلام، كيف لا وقد أنجى الله فلذة كبده من الموت، ابنه الأوحد -يومها- والذي رزقه الله به بعد بلوغه من العمر مبلغا، فما كان منه عليه السلام إلا أن مسح على رأس اسماعيل وقال:
قم يابني فقد فداك الله بذبح عظيم، فنهض إسماعيل الواثق بمعية الله، وتعانق النبيّان عليهما السلام…
وكأنّي بالسُّحُبِ جذلى بالفداء العظيم، وكأني ب(مِنَى) وليدة كالقمر تتخذ من ذاك الفداء الكبش عقيقة ليوم مولد بهي…
وما فتئ الفرح والحبور يتجددان كل يوم عيد نحر، ليتغشى بيوت مئات الملايين من المسلمين على مدّ الدهور والأزمان، ونحن مأمورون بالفرح والإيساع على من نعول في أيام عيدنا ياأحباب، قال بذلك الحبيب صلوات الله وسلامه عليه من قبل قرن ونصف من الزمان…
اللهم اجعله عيد أضحى مبارك مزدان برضاك عنا ياحنان يامنان، وساوق الينا سحائب رحماتك لتهطل علينا زخات زخات، انك ولي ذلك والقادر عليه ياكريم، يامن تقول للشيء كن فيكون…
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وسلام على إبراهيم في العالمين.
adilassoom@gmail.com

‫شاهد أيضًا‬

مرتضى شطة يكتب خدمات الكهرباء في أمدرمان 

شهدنا الجهود المخلصة لوالي الخرطوم في ظل الحرب في تلمس احتياجات المواطنين والعمل على استدا…