‫الرئيسية‬ مقالات أصل_القضية حين تكتب السيادة رسائلها بماء البحر وملح الجغرافيا محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب
مقالات - يونيو 5, 2025

أصل_القضية حين تكتب السيادة رسائلها بماء البحر وملح الجغرافيا محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب

صوتٌ من جغرافيا تقاتل لتكتب مستقبلها بمداد الكرامة

في أقصى شرق إفريقيا، على حافة خريطةٍ تقف بين المدّ البحري والمدّ الجيوسياسي، تتشكل قصةٌ ليست مجرد علاقات بين دولتين، بل شفرة سيادية تنسجها الخرطوم وأسمرا على خيط الموج.

إنه البحر الأحمر، ذاك السطر الأزرق العميق الذي لا يُقرأ بالحبر بل بالبصيرة، ولا يُكتب إلا حين تمتزج السيادة بالوعي، والجغرافيا بالإرادة.

منذ اندلاع حرب الكرامة في السودان في ١٥ أبريل ٢٠٢٣م، تغيّر كل شيء، فلم تعد الجغرافيا ساحة لتبادل المجاملات، بل لوحةً استراتيجية تُرسم فوقها خرائط النفوذ والتحالفات، لا بالحبر الدبلوماسي وحده، بل بالدم والتاريخ والمصالح.

أولًا: أسمرا… حين تصمت لتقول الحقيقة

بينما تاهت مواقف كثير من الدول في دوامة الحياد المزيّف أو التدخل المقنّع باسم “القلق الإنساني”، اختارت إريتريا الطريق الأصعب والأصدق: الوقوف مع الدولة السودانية، لا الميليشيات، مع السيادة، لا الفوضى، مع التاريخ، لا الصفقات.

ولم يكن ذلك مجرّد تعاطف، بل قرار سيادي واعٍ بأن انهيار الخرطوم ليس “حدثًا سودانيًا”، بل زلزالٌ استراتيجي يُصيب العمود الفقري للبحر الأحمر.

لقد أدركت أسمرا، في صمتها المتزن، أن الدخول في لعبة المحاور هو انتحار ناعم لدولة بحرية بحجم البصيرة، لا بحجم المساحة.

ثانيًا: البحر الأحمر… مسرحٌ من ماء وسيادة

* ليس البحر الأحمر مجرد معبر للشحنات، بل مرآة لوزن السيادة في المنطقة.

* إنه ليس ملعبًا للبارجات فحسب، بل ساحة اختبارٍ لمعادلات التحكم في الموارد، والحدود، والقرار.

فحين تضعف الخرطوم، لا يختل التوازن الداخلي فحسب، بل تُفتح بوابة الموانئ الغربية لتدخّل ناعم عبر عسكرة مقنّعة.

وحين تُعزل أسمرا، يتقدّم الآخرون ليحوّلوا الشاطئ الشرقي إلى نقطة ارتكاز لمحاور خارجية لا ترى في البحر سوى كنز استراتيجي.

ولذا، فإن العلاقة بين السودان وإريتريا ليست “ترفًا جيوسياسيًا”، بل صمّام أمان لقلب البحر.

ثالثًا: من اشتباك المصالح إلى تناغم المصير

التاريخ القريب شهد تقلبات في العلاقة السودانية–الإريترية، بفعل الضغوط الإثيوبية أو التذبذبات الخليجية.

لكن الحرب السودانية الأخيرة نقلت العلاقة من التكتيك إلى الاستراتيجية، من الظن إلى البصيرة، من الخطاب إلى الفعل.

ظهرت بوادر تحالف سيادي غير معلن لكنه محسوس:

* ضبط ميداني مرن على الحدود دون توتر.

* تنسيق صامت لإدارة ملف اللاجئين دون أن يتحول لورقة ضغط.

* وحدة في الخطاب السياسي ترفض الوصاية الأجنبية وتدافع عن الداخل باللسان والفهم لا بالشعارات.

هذه ليست تفاصيل عابرة، بل ملامح لعقد سيادي يتشكل بين ضفتين حُرّتين.

رابعًا: إريتريا… حين يكون الحليف مرآة السيادة لا عبئًا عليها

قلما تجد في محيط البحر الأحمر دولة تُشبه إريتريا:

* مستقلة الإرادة حتى القسوة.

* رافضة لأي شكل من أشكال الإملاء الدولي.

* تُدير سياستها الخارجية بعقلية “الصقر” الذي يراقب بصمت، لا ببغاء يردد مواقف المحاور.

* شاطئها الطويل البكر ليس مجرد جغرافيا، بل مخزون سيادي قابل للاستثمار المشترك مع السودان، في اللوجستيات، في الأمن، في مستقبل البحر.

خامسًا: الجسر والمورد… عندما يعانق النيل الموج

في فلسفة “الجسر والمورد” التي نطرحها كاستراتيجية متكاملة،

يشكل السودان موردًا داخليًا غنيًا بالإمكانات،بينما تُشكّل إريتريا الجسر البحري الذكي نحو الخارج.

وهذا لا يعني التعاون فحسب، بل، إعادة رسم خريطة البحر الأحمر بأقلام إفريقية عبر :

* إطلاق مشاريع بحرية تربط بورتسودان بجزر دهلك، وتكسر احتكار الموانئ المأزومة.

* تأسيس مركز استخباراتي سيادي لرصد التهديدات في المياه والموانئ.

* إحياء تحالف “سيادة البحر الأحمر” ليكون إفريقيًا في القرار، لا تابعًا في التمويل.

سادسًا: من الرؤية إلى التفعيل… توصيات استراتيجية

١. اتفاق دفاع بحري مشترك بين الخرطوم وأسمرا، يضمن الحماية دون انتهاك السيادة.

٢. منصات تشاور سياسية دورية، تمنع سوء الفهم وتبني تناغم القرار.

٣. مراكز تدريب عسكرية ومدنية على الشريط الساحلي لتعزيز الأمن والتكامل.

٤. برامج تنمية للمجتمعات الحدودية، تحصّنها من الاختراق الخارجي وتحفزها على حماية السيادة.

أصل القضية: السيادة تُصنع بين الموج لا في دهاليز المؤتمرات

في عالم يُغرقنا في فوضى المصطلحات، ويغلف التدخلات بغلاف “الشراكة”، تبقى العلاقة بين السودان وإريتريا نموذجًا نقيًا لكيف يمكن للسيادة أن تُصاغ من الصمت، وتُبنى من الموقف، وتُحرس من موجة الاستلاب.

السيادة الحقيقية لا تُمنح ولا تُشترى…

بل تُنتزع من جغرافيا تعرف كيف تفهم البحر،

وتُصاغ من قرارات لا تخاف أن تكون وحدها على الحق.

وإن أحسنت الخرطوم وأسمرا قراءة هذا الظرف التاريخي، فلن تكون العلاقة بينهما مجرّد “تجاور حدودي”،

بل شراكة سيادية تصوغ مستقبل البحر الأحمر بلون إفريقي، لا أجنبي… بلغة المصير، لا المصالح.

‫شاهد أيضًا‬

وزير الشباب والرياضة يعلن استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصندوق في رعاية الطلاب 

أكد وزير الشباب والرياضة البروفيسور أحمد آدم أحمد ، استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصند…