‫الرئيسية‬ مقالات ترامب.. لماذا يضع مصلحة إسرائيل اولا؟! بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب
مقالات - ‫‫‫‏‫6 ساعات مضت‬

ترامب.. لماذا يضع مصلحة إسرائيل اولا؟! بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب

ترامب.. لماذا يضع مصلحة إسرائيل اولا؟!     بقلم السفير/ رشاد فراج الطيب

منذ وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ، بدا أن واشنطن دخلت مرحلة جديدة من الانحياز غير المسبوق لإسرائيل . فالدعم الذي قدمه الرئيس ترامب لم يكن مجرد استمرار للسياسة الأمريكية التقليدية ، بل قفزة نحو ما يمكن وصفه بـ”التحالف العقائدي والسياسي” بين اليمينين الأمريكي والإسرائيلي . وقد تجلى ذلك في سلسلة من القرارات التي غيّرت معالم الصراع العربي الإسرائيلي ، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى نقل السفارة الأمريكية إليها ، ثم شرعنة المستوطنات ثم اقراره لإسرائيل حقوقا في الضفة وسيادة علي الجولان السوري وطرح ما سمي بصفقة القرن ، التي منحت إسرائيل كل شيء مقابل وعود اقتصادية محدودة للفلسطينيين ودعما سياسيا وعسكريا لمؤيديه من بعض العرب والمسلمين !

 

لكن لماذا كان ترامب بهذا القدر من الإخلاص لإسرائيل ؟ ولماذا قدّم دعمًا مطلقًا تجاوز حتى ما كانت تحلم به الحكومات الإسرائيلية السابقة وحتي اليمينية الحالية ؟

والإجابة تتجاوز حدود السياسة إلى تداخل الدين والاقتصاد والانتخابات والمصالح الأيديولوجية . فقد وجد ترامب في إسرائيل نموذجًا يعكس نظرته إلى العالم ، دولة خارجة علي القانون الدولي ولا تخضع للضغوط الدولية ، تمارس سيادتها دون اكتراث بالمواثيق والشرعية الأممية ، وتبني أمنها على الردع لا التسويات . وهي في ذلك قريبة من صورته عن أمريكا التي يريدها “عظيمة من جديد” . لذلك تحوّل دعمه لإسرائيل إلى جزء من رؤيته السياسية وهويته الانتخابية معًا وشخصيته المستكبرة .

 

القاعدة الانتخابية التي حملت ترامب إلى الرئاسة ، أي اليمين الإنجيلي ، كانت العامل الأبرز في هذا التوجه . فالمسيحيون الإنجيليون في الولايات المتحدة ، الذين يشكلون قوة انتخابية ضخمة ، يؤمنون عقائديًا بأن قيام دولة إسرائيل واستعادتها للقدس شرط لعودة المسيح المنتظر . هؤلاء ضغطوا بقوة على ترامب ، وكانوا يرون في أي تنازل عن القدس أو في إقامة دولة فلسطينية خيانة للعهد الإلهي . ومن هنا ، فإن ترامب لم يكن فقط يرضي إسرائيل ، بل كان يخاطب جمهوره الديني الذي يمنحه الشرعية الانتخابية والسياسية في الداخل ويدعم زعامته للعالم . وقد استغل هذه القناعات الدينية بذكاء رجل الأعمال ، فقدم لإسرائيل كل ما تطلبه وفوق ماتتمناه ، وحصد بالمقابل أصواتًا وأموالًا ودعمًا غير محدود من التيار الإنجيلي الصهيوني .

 

إلى جانب هذا البعد الديني ، كان هناك دعم مالي وإعلامي هائل من شخصيات صهيونية نافذة ، أبرزها الملياردير شيلدون أدلسون الذي موّل جزءًا كبيرًا من حملات ترامب الانتخابية ، وكان من أكثر المتحمسين لنقل السفارة إلى القدس . في المقابل ، نفّذ ترامب التزامات غير معلنة تجاه هذا التيار المالي والإعلامي الذي يملك نفوذًا واسعًا في واشنطن . وهكذا التقت المصالح الانتخابية مع الدينية والمالية في مشروع واحد ، جعل من ترامب الرئيس الأمريكي الأكثر ولاءً لإسرائيل في التاريخ الحديث .

 

أما من الناحية الفكرية ، فإن ترامب لا يُعرف بتدين شخصي عميق ، لكنه يوظف الدين سياسيًا بذكاء . لقد تبنى خطابًا صهيونيًا مسيحيًا من دون أن يكون مؤمنًا فعليًا به ، فاستخدم لغة “العهد الإلهي” و”أرض الميعاد” ليكسب جمهور اليمين الديني . كان يرى في ذلك وسيلة لتثبيت قاعدته الانتخابية لا التزامًا روحانيًا . أي أن تدينه لم يكن وجدانيًا ، بل براغماتيًا بحتًا يخدم حسابات السلطة .

 

إخلاص ترامب لإسرائيل لم يكن إذن نابعًا من عاطفة شخصية ، بل من قراءة واقعية لموازين القوة داخل السياسة الأمريكية . فإسرائيل بالنسبة له ليست عبئًا بل رصيدًا استراتيجيًا ، فهي الحليف الذي لا يكلّف واشنطن جنديًا واحدًا ، ويؤدي دورًا مزدوجًا أداة للسيطرة على الشرق الأوسط من جهة ، وجسر للتأثير داخل اللوبيات الأمريكية من جهة أخرى. ومن هنا ، كان يرى أن دعمها المطلق يخدم المصلحة الأمريكية أكثر مما يضرها .

 

لكن السؤال الأعمق هو لماذا يضع حكام أمريكا ، وليس ترامب وحده ، الأجندة الإسرائيلية فوق المصلحة الوطنية الأمريكية ؟ الجواب يكمن في طبيعة النظام السياسي والإعلامي الأمريكي ذاته . فاللوبي الإسرائيلي ، ممثلًا في لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (إيباك) وشبكة من المراكز الفكرية والإعلامية ، يمارسون تأثيرًا ضخمًا على الكونغرس والبيت الأبيض ووسائل الإعلام . أي سياسي يجرؤ على معارضة إسرائيل يعرض نفسه لهجوم ساحق يفقده التمويل والشرعية الإعلامية وربما مستقبله السياسي . لذلك فإن “الانحياز لإسرائيل” صار من ثوابت السياسة الأمريكية التي لا يجرؤ أحد على المساس بها .

 

إلى جانب ذلك ، تسوّق النخبة الأمريكية لفكرة “التحالف القيمي” بين أمريكا وإسرائيل باعتبارهما دولتين تمثلان “الحضارة الغربية” في وجه “التهديدات الشرقية” الاقل تحضرا ، سواء كانت عربية أو إسلامية او غيرها . وبهذا تغلف المصالح العسكرية والاقتصادية بغلاف ثقافي-ديني يجعلها تبدو وكأنها قدر تاريخي لا خيار سياسي .

 

ترامب لم يبتدع هذه المعادلة ، لكنه عمّقها وأعطاها صيغتها الصريحة دون تجميل . جعل من دعم إسرائيل معيارًا للولاء الوطني ، ومن معاداة الصهيونية تهمة جاهزة لكل من ينتقد الاحتلال أو يطالب بالعدالة للفلسطينيين او غيرهم من الشعوب المستضعفة . وبهذا المعنى ، فإن “صفقة القرن” لم تكن فقط خطة سياسية ، بل كانت مرآة لذهنية جديدة في واشنطن ترى أن الطريق إلى السلطة يمر عبر تل أبيب ، وأن الدفاع عن إسرائيل هو الطريق الأسرع لاكتساب النفوذ داخل أمريكا نفسها وخارجها ايضا .

 

لقد اختصر ترامب العلاقة الأمريكية الإسرائيلية في معادلة بسيطة هي من يدعم إسرائيل يفوز في الداخل الأمريكي ، ومن ينتقدها يخسر كل شيء . ولهذا ظل مخلصًا لها أكثر مما كان مخلصًا لمصالح بلاده طويلة المدى ، لأن مكاسب اللحظة السياسية عنده كانت أهم من أي حساب استراتيجي . وهكذا ، لم يكن ترامب حالة شاذة في السياسة الأمريكية ، بل تجسيدًا مكثفًا لاتجاهٍ أعمق جعل من إسرائيل مركز الثقل في القرار الأمريكي ، ومن دعمها معيارًا للنفوذ السياسي في واشنطن ولقيادة العالم بالقوة الباطشة المدعومة من الصهيونية الانجيلية واليهودية علي السواء . بهذه الرؤية والاعتبارات والقناعات يمارس الرئيس ترامب السياسة و بها ينظر لقضايا العالم.

 

* باحث في العلاقات الدولية

‫شاهد أيضًا‬

وزير الشباب والرياضة يعلن استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصندوق في رعاية الطلاب 

أكد وزير الشباب والرياضة البروفيسور أحمد آدم أحمد ، استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصند…