(مقال قديم) ترعتا سد مروي و(حتمية) التنفيذ. عادل عسوم
كثيرا ما تفرض العديد من مشاريع البنى التحتية في العالم ذواتها على الناس وذلك لأسباب عديدة تستلزم تنفيذها، والأمثلة في ذلك عديدة منها كمثال تعبيد طريق شريان الشمال الذي تكفيه محمدة أنه اختصر زمن الوصول إلى العاصمة إلى ساعات اربع عوضا عن أيام أربع كانت تمضيها السيارات – والشاحنات الصغيرة- في هذا الطريق.
وهاهو سد مروي قد أصبح حقيقة ودونه الكثيف من الرؤى والآمال قد عبر عنها شهيد شريان الشمال حميد وهو يرى بعين الرجاء والأمل صحراء بيوضة وقد أضحت سوحا من براسيم ولوبا.
كم سعدت عندما زرت السد فبدا لي على جيد نيلنا كسوار جميل وليس ببعيد منه كوبري مروي الذي يوصل العابر عليه بالمطار وقد بدا لي ك(دلاية) للسوار جعلتني ابتسم عندما تذكرت الطرفة التي تفيد بأن فتاة سألت أحد الناظرين إلى (دلاية سوارها المصنوعة على شكل طائرة) قائلة له:
انت عاجباك الطيارة دي؟!
فقال:
لأ عاجبني الRun way
ماعلينا، على قول صاحب ال(أغاني وأغاني) وهو بالطبع ليس بأبي الفرج الأصفهاني بأي حال من الأحوال.
هذا السد لا أخال أهلنا قد افادوا منه الفائدة المرجوة حتى الآن، إذ ينبغي أن تكون الفائدة أضعاف أضعاف المتاح منها، فهذه الولاية ولاية مافتئت بكرا تحشد ب14 مليونا من الافدنة الصالحة للزراعة لم يستغل منها إلا القليل!
وذلك يستوجب إسهام سد مروي من خلال ترعتين قد تم تصميم بوابتين خاصتين بهما في جسم السد.
هاتان الترعتان لم يعد أمر شقهما مرهونا بآمال واشواق للناس بل حتمية تستلزمها حقائق علمية فرضت نفسها على أرض الواقع بل إنها قد أصبحت حلولا لامناص منها لاشكالات أضحت تهدد جسم السد وأخرى بدأت تقض مضجع أهلنا وهذه بعض من ذلك…
1- لنبدأ باشكالية (الاطماء):
فنسبة الإطماء أو مايسمى بالطمي الزاحف (Bed Load) في نهر النّيل قبل التقائه بالعطبراوي تبلغ 170 مليون طنّ سنويّاً، وتبلغ نسبة الإطماء في نهر عطبرة فقط 84 مليون طنّ سنويّاً. عليه فإن نسبة الإطماء فيما بعد التقاء النّيل بنهر عطبرة تبلغ 250 مليون طنّ سنويّاً على أقلّ تقدير!
هذا الكم الهائل من الطمي أصبح يؤثر على جسم بحيرة السد – على حداثتها- منذ الآن!
وكمثال فإن خزان خشم القربة الذي افتتح عام 1964م قد كانت سعته الابتدائيّة حوالي 1300 مليون متر مكعّب، ولكن نسبة الإطماء العالية التي يحملها نهر عطبرة بفرعيه سيتيت وأعالي عطبرة قد أدّت إلى نقصان حجم كفاءة البحيرة إلى 840 مليون متر مكعّب في عام 1972م كما ورد في دراسة للمهندس سيف الدّين حمد عبدالله.
أما خزان سنّار والذي تم افتتاحه في عام 1925م لري مشروع الجزيرة والذي له بحيرة طولها مايقارب المائة كيلا (كيلومتر) فقد كانت تلك البحيرة تسع مامقداره 930 مليون متر مكعب حتّى منسوب 421.70 متراً، لكنها تناقصت إلى 430 متر مكعب تقريباً بسسب الإطماء (ذات المصدر السابق).
هذان مثالان، وهذا الكم الكبير من الطمي لاغرو يحتاج إلى (تصريف) من حوض البحيرة ولايتسنى ذلك إلا بشق ترعتين تسهمان في ذلك.
2- الإشكالية الثانية هي إشكالية (التبخر) للمياه من سطح البحيرة والذي أثبتت القياسات بأنه يفوق ال 1.5 مليار متر مكعّب سنويّاً! زد على ذلك أن جسم البحيرة يحتجز مابين ال4و ال7مليار متر مكعب تتأرجح مابين فترتي الإنحسار والفيضان وهذه تظل مياها حبيسة غير مستفاد منها ومحسوبة ضمن نصيب السودان الذي يبلغ ال18 مترا مكعبا.
شق الترعتين يعمل على الإفادة من هذه الامواه المحتبسة بلا فائدة تقريبا (حسبانا للتوليد الكهربائي الذي لايحتاج إلى كل هذا الكم من المياه المحتجزة).
قد يقول قائل بأن الترعتين والقنوات المتفرعة منها قد تزيد من التبخر بزيادة المسطحات المائية في منطقة صحراوية حارة ومشمسة، لكن يمكن تجاوز ذلك بمشروع مصاحب لايكلف كثيرا عماده مصنع لانابيب المياه (المواسير) من الألياف الزجاجية وهذه بإستخدام الرمال وقد أراني شقيقي حاتم عسوم المقيم في هولندا كل مايلي ذلك حيث تعهدت له الشركة الهولندية بإقامة المصنع في منطقة غنية بالرمال وما أكثرها لدينا وعماد المصنع (فرن) يصهر الرمال ويحولها إلى أنابيب بكل الأقطار صغيرة كانت أو بأحجام ضخمة كحل لاشكالية التبخر وحلولا للكثير من مشاكل قنوات المياه المعتادة والتي اقعت واثقلت كاهل مشروع الجزيرة وبعض مشاريعنا الزراعية الأخرى.
3-الاشكالية الثالثة وهي من الأهمية بمكان لكونها أضحت تقض مضاجع أهلنا على جانبي النيل شمال الخزان وتتمثل في (ظاهرة) التسرب أو النز كما يسميه أهلنا هناك.
هذه الظاهرة نتاج للضغط الهائل للمياه المحتجزة في بحيرة السد، واستقراء لمسار النيل فإن الأرض أمامه (تنحدر) في انخفاض إلى أن يصل إلى مدينة حلفا ومنها إلى مصر، هذا الانحدار مضافا إليه طبيعة التربة الصحراوية والتي يغلب عليها الرمال والحجر الهش (حجر السون) فإن الضغط الاسموزي الناتج من ضغوطات أعمدة الماء في البحيرة وعلى أطرافها تؤدي إلى حقن الماء في مسارب تتخلل تربة المناطق المتاخمة للنيل لتظهر في شكل تسربات مائية اقضت مضاجع أهلنا مما جعل البعض منهم يفكر في الارتحال وترك المكان، هذه الإشكالية ستنتهي بشق الترعتين حيث تعملان على التخفيف من ثقل المياه في جسم البحيرة وبالتالي ينتفي الحقن المائي بانسياب الماء فيهما ومن ثم الإفادة منه في الري واستصلاح أرضنا لتزهر قمحا وفولا وموالح وتتحقق نبوأة حميد رحمه الله حين قال:
يلاقوك شفّع الكتـّاب
نضاف وظراف بلا النسمى
يغنولك غناوى السـاب
وفى بيوضة مافى سراب
جبال كجبي وفيافى الكاب
تميد بى الخضرة منقسمى
فيافى الصّى وبيوضة
البراسيم فيها مفروضة
خدارا يرارى شوف عينى
على الأبواب طواريها وحواريها
بقت روضة
بقت تشرب من الحامداب
تشوفى رهاب بُعُد نجمى ..
بشوفو قريب قُرُب نضمى
adilassoom@gmail.com
الأمين دؤود يدعو إلي مؤتمر جامع لا يستثني احد
أكد رئيس تحرير الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة القائد العام لقوات الاورطة الشرقية الامين د…