أصل_القضية خرائط جديدة لعالم قديم محمد أحمد أبوبكر – باحث بمركز الخبراء العرب

مائة عام على اتفاقية سايكس بيكو
حين تُرسم الحدود بالحبر… ويُحرسها الدم
مدخل: ما بُني بالحبر يُعاد ترسيمه بالبارود
في مقال الأمس، تناولنا كيف تحوّلت دول المنطقة إلى كيانات وظيفية تُدار من الخارج، ضمن مشروع جيوسياسي كبير يعيد هندسة الشرق الأوسط بالأدوار لا بالحدود.
واليوم، نعود إلى الجذر، إلى حيث بدأ كل شيء: سايكس بيكو.
قبل مئة عام، لم يكن سايكس وبيكو رجلين عاديين، بل كانا مقاولَي تقسيم، حمل كلٌّ منهما قلمًا وخريطة، وجلسا في الظل يخطّطان لعالم عربي لا يعرف نفسه.
كانت اتفاقيتهما في العام 1916 بمثابة أول صفقة دولية تُشرعن اغتصاب الإرادة، وتقسيم الجغرافيا إلى كتل هشّة تُدار لا تُبادر، وتُقسم لا تتكامل.
لكن السؤال الأخطر ليس: ماذا فعلا؟
بل: لماذا لا يزال أثرهما حيًّا في خرائط اليوم؟
حين كان الخط المستقيم هو السلاح:
لم تكن تلك الخطوط على الرمال عبثًا.
رُسمت بدقة لإلغاء مفهوم “الأمة”، وفصل الشعوب عن ذاكرتها، وربط كل دولة بوظيفة:
هذه دولة حاجز، وتلك ممر، وهذه خزان موارد، وتلك قاعدة أمامية.
كانت فلسطين أول الضحايا، والعراق ملعبًا لتجاربهم، وسوريا معبرًا للنفوذ… والسودان لاحقًا ساحة مفتوحة لمشاريع التأجيل والتجزئة.
وبدل أن تسقط الاتفاقية بسقوط الإمبراطوريات، أعيد إنتاجها بأدوات جديدة:
تحالفات وظيفية،
مشاريع توطين وتهجير،
تدخلات ناعمة وخشنة،
خريطة ذكية تُرسم بلا حبر… وتُحمى بالجيوش والمرتزقة.
سايكس بيكو في نسختها الثانية: خرائط تُصمم بالرمز البريدي لا بالهوية
اليوم لا نحتاج إلى استعمار مباشر.
فالدولة التي تؤدي وظيفتها كما رُسمت لها، تُكافأ بـ”الاعتراف”.
أما التي ترفض، فمصيرها التقسيم أو التهديد بالتفكيك.
انظر حولك:
إثيوبيا، التي لا تملك منفذًا على البحر، تمرّدت على الجغرافيا وتطالب بممر بحري بالقوة، معتبرةً البحر الأحمر “حقًا أصيلًا”.
إسرائيل، لم تكتفِ باغتصاب الأرض، بل تسعى لاقتلاع سكان غزة وتهجيرهم نحو الأردن، سيناء، أو حتى السودان.
الإمارات، تدير أذرعًا داخل السودان وكأنها شركة تدير فرعًا ميدانيًا، تُقسّم وتُسلّح وتُهندس تحالفات لتضمن حكمًا بالوكالة.
> إنها ليست مجرد صراعات… إنها محاولة إعادة تعريف كل شيء:
الحدود، الشعوب، السيادة، والهوية.
“سايكس بيكو النسخة المُحدَّثة”
لم يكن ما جرى في 1916 حدثًا عابرًا، بل تأسيسًا لنمط مستمر.
واليوم، تُعاد كتابة الصيغة ذاتها بطرق جديدة:
من اتفاقية سايكس بيكو… إلى “صفقة القرن”، و”مشروع بايدن لتقسيم العراق”، ومخططات السيطرة على الموانئ في البحر الأحمر.
إنها ذات الفكرة القديمة في ثوب معولم:
أن تبقى الجغرافيا بلا سيادة… والموارد بلا قرار… والخريطة بلا مالك حقيقي.
السودان… الجغرافيا التي تُستخدم ولا تُستأذن
بعد مرور قرن على سايكس بيكو، ما يزال السودان مثالًا صارخًا للدولة التي يُعاد تصميمها من الخارج:
خزان موارد لا يُستثمر داخليًا.
مسرح صراعات لا يُكتب نصه محليًا.
حكومة بالوكالة لا تملك قرار الحرب أو السلام.
شعب تُختبر عليه المعادلات الديموغرافية بين النزوح، التهجير، والتفتيت.
وفي ظل الحرب الراهنة، يبرز خطر “سايكس بيكو سوداني داخلي” بصيغته الأخطر:
تقسيم لا تعلنه الخرائط… بل تنفذه الحقائق على الأرض.
من يكتب الخريطة؟ من يحدد الوظيفة؟
الخريطة لم تعد مجرد رسم.
هي إعلان نوايا.
هي عقد سياسي.
هي تعبير عن ميزان القوة.
ومن لا يرسم خريطته، يُفرض عليه موقع في خريطة الآخرين.
وهنا أصل القضية:
> أن اتفاقية سايكس بيكو لم تمت، بل تطورت.
وأن الدولة التي لا تمتلك مشروعها، ستجد نفسها فجأة تؤدي وظيفة في مشروع غيرها.
> لا تكتفِ بأن تكون موقعًا على الخريطة… كن مشروعًا في الوعي.
قبل مئة عام، خُدعت شعوبنا بوعود الثورة العربية الكبرى، واستُدرجت إلى لعبة الأمم دون أن تُدرك أن الخرائط تُرسم في باريس ولندن.
اليوم، نمتلك الأدوات، والرؤية، والمعلومة.
ما ينقصنا ليس الحبر… بل القرار.
ليس المساحة… بل الجرأة على امتلاكها.
في الذكرى المئوية لسايكس بيكو، لنسأل:
هل نرث خريطتهم؟ أم نرسم خريطتنا؟
من لا يرسم وظيفته… سيُفرض عليه دور لا يريده.
ومن لا يحدد مشروعه… سيُستخدم كممر لمشاريع الآخرين.
صفوة القول هل سمعتم بسؤال من الذي أطلق الطلقة الأولى في الحرب الإيرانية الصهيونية ؟!! بابكر يحيى
بالطبع لم يرد هذا السؤال ولم يكن خفيا على أحد والسبب هو أن اسرائيل لم تنف أنها هي من قامت …