‫الرئيسية‬ مقالات الهجرة الشريفة والمُرَاغَم والسَعَة عادل عسوم
مقالات - ‫‫‫‏‫6 ساعات مضت‬

الهجرة الشريفة والمُرَاغَم والسَعَة عادل عسوم

الهجرة الشريفة والمُرَاغَم والسَعَة  عادل عسوم

طلع البدر علينـــا

من ثنيات الــوداعِ

وجب الشكر علينـا

ما دعـــا لله داع

أيها المبعوث فينــا

جئت بالأمر المطاع

جئت شرفت المدينةْ

مرحبا يا خيـر داع

كم أجد نفسي وقّافا بين يدي هجرة نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه وآله وما اكتنفتها من أحداث وأنا أصوب بصري إلى ملايين المهاجرين واللاجئين والنازحين في مشارق الأرض ومغاربها، وفي الخاطر آية كريمة لها من المعاني والمباني الكثير المثير…

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

{وَمَن يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً ۚ وَمَن يَخْرُجْ مِن بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} 100 النساء

قد يتساءل القارئ ويقول:

ماهو الرابط بين هجرة المصطفى صلوات الله وسلامه عليه والمراغم والسعة المذكورة في الآية الكريمة؟!

الإجابة هي:

المراغم: موضع الهجرة، ويراد بعبارة “يجد مراغما” أي يجد متسعا ومهاجرا ينجيه من الضيق. «place(s) of refuge»

معنى الآية: قوله تعالى : (ومن يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما كثيرا وسعة) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: (مراغما) أي: متحولا يتحول إليه، وقال مجاهد: متزحزحا عما يكره.

وماكانت هجرة نبينا صلى الله عليه وسلم قصة تحكى فقط يا أحباب، ولا كانت مجرد تأريخاً يؤرخ به، إنما أقدار للّه جعل ابتدارها مكة والمدينة؛ وصلا بحراك الناس من بعد الفتح لهجرات تحمل من المضامين الكثير، عمرانا للأرض، وإراءة لآياته ودينه الذي ارتضى في الآفاق سُوْحَاً وفضاءات.

تذكرت آية المراغم هذه عندما رأيت صورة جثمان طفل سوري كردي قذفت به الأمواج على شواطئ تركيا، حيث غرق ضمن مهاجرين ميممين صوب الشواطئ اليونانية.

وحاش لله أن يكون ظلاما للعبيد، إنه هو جل في علاه أرأف بنا من الأم بوليدها، وهو كذلك أقرب لنا من حبل الوريد، إنها أقدار الله وحِكَمهُ التي تعجز عقولنا القاصرة المحدودة عن الإحاطة بها وإن بلغت البشرية مابلغت من ذرى العلم واسباب المعرفة، ولنا في قصة الرجل الذي اتى من اقصى المدينة عبرة، قال عنه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: قال الله له: ادخل الجنة، فدخلها حيًّا يرزق فيها وقد أذهب الله عنه سقم الدنيا وحزنها ونصبها، فلما أفضى إلى رحمة الله وجنته وكرامته {قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} 26 يس.

لقد انساه النعيم الذي وجده كل ظلم وقع عليه وقد مات مقتولا!…

ومافتئت الهجرة الشريفة وآية المراغم في خاطري تترادفان وتتساوقان كلما نَبَا إلى الأذن خبرٌ لنزوحٍ أو لجوء هنا اوهناك، نزوح في ذات الديار أو لجوء إلى أرض لله، والنزوح واللجوء في مبتدئه ومنتهاه هجرة وان اختلفت التفاصيل وتغير الزمان…

أقول ذلك وفي الذاكرة عظماء كُثُر أسهموا إيجابا على ظهر هذه الأرض، بل أسهم البعض منهم في تغيير مسار التأريخ الإنساني بعد أن جاؤوا وتجذروا في أمكنة لم يكن لهم وصل بأهلها من قبل!

كل أولئك ما كان لهم أن يفعلوا ذلك إن لم يهاجروا إلى مراغم أخرى يتخذونها وطناً وملاذا دون الذي ولدوا ونشأوا فيه…

والأمر عندي لايرتهن بتعريف للهجرة المنتهية عند فتح مكة، إنما هي هجرةُ الدَّفعِ بالناس بعضُهُم ببعضا، {…وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الْأَرْضُ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} 251 البقرة.

فهذا الدين الخاتم ماكان له أن يُقْعِي بأهله في مكان بعينه ليذوي، إنما تأتيهم أقدار الله، فتجعل من عباده كما بذور أشجار الصنوبر تتناثر في الهواء لتَقِرَ في أرض جديدة، فتنمو فيها لتصبح نبتا يانعا وأشجارا أصلها ثابت في الأرض وفرعها في السماء،

ولعمري انها هجرة (الفتح) لهذا الدين طُرّا…

بأبي أنت وأمي وذاتي يارسول الله يوم ناديت الصديق وقلت:

إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة، فقال لك الصديق الرفقة الرفقة يا رسول الله…

يومها اترعت قصبة يراع التأريخ بحبرٍ كثيف، وشرع السنان يكتب على صحائف الزمان أحرفاً اعلم يقينا أنها لم تُخْتَتَمّ بعد…

اقرأوا بالله عليكم هذا السياق المفعم بالايمان والريان بعنفوان الفكرة والروح الناشدة للوضاءة وقد كتبه عام 1948 خالد محمد خالد حيث قال:

(كان السادة والعبيد طبقتين، وانبثق من ضمير الصحراء الساجية رسول كريم، جاء يدق أجراس المساواة، ويحطم أغلال الرقيق وقاد أبو جهل المعركة ضد الحرية، ولكل أمة أبو جهلها، وذهب وفد الضالين يوما للرسول وتقدم الوليد يسأله: يامحمد أجئتنا لتجعلنا وأشباه ابن سمية الذليل سواء؟

فأجابه محمد صلى الله عليه وسلم، نعم ولنجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين، وبهذه العبارة الثورية أعلن محمد حرية العبيد وسيادة المستضعفين، ومضى يؤكد أن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، وأن هؤلاء الكبار الذين يتوارثون من آبائهم مناصب البلد وأمجادها لايساوون عند الله جناح بعوضة ماداموا يفقدون الفضيلة النفسية، وانطلقت أحقاد السادة تعوى وتزمجر اقتلوا محمد، اقتلوا هذه الطليعة الناشئة فإن في بقائها فناؤنا.

وهاجر الرسول وصحبه لا فرارا بحياتهم بل فرارا برسالتهم التي يجب أن تبلغ مداها، وعاد محمد إلى مكة يقود جيش الخلاص، ونفذ إلى الأفق البعيد، وراح ينادى أجيال أمته الوافدة وليست أمة المسلمين وحدهم، بل المضطهدين في كل زمان ومكان، وراح يناديهم لاهجرة بعد الفتح، ولكن جهاد ونية.

انتهى كلام خالد محمد خالد

(روز اليوسف).

ويومها وقف الحبيب صلى الله عليه وسلم على الْحَزْوَرَةِ وبجواره رفيق هجرته الصديق رضي الله عنه وقال وهو يرنو الى أرض مكة:

والله إنك لخير أرض الله وأحب أرضٍ إليَّ ولولا أن أهلك أخرجوني عنك ما خرجت منك.

فداك نفسي وأبي وأمي يارسول الله…

تلك السيوف الأربعون، ودونها سواعد وعقول وعنفوان، ما كان لنا أن نقرأها كغيرها من القصص والحكايات، فالخارج من بين نصالها من قبل أن يكون المعصوم لهو القدوة والمتبوع صلوات الله وسلامه عليه…

وستبقى (وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا فأغشيناهم فهم لايبصرون) عاصمة و قاصمة و منجية لكل من أخبت إليك ياربي وإلى أن ترث الأرض ومن عليها، وستظل كذلك موئلا لكل السالكين لذات طريق الهجرة، والوجدان منهم محتشد ومُسَتَّفٌ بهذا الإسلام الخاتم، يفرون إلى الله كانبثاث بذور الصنوبر يحملها الهواء الى أرض جديدة وعوالم للحياة رحيبة…

ولاغرو أن هذا الطريق وان بدا ظاهره مَهْرَباً؛ الاّ إنه في أصله وقراره مبتدرٌ ومنتهى، إنه طريق الاخبات لله الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤا أحد…

يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين السيوف الأربعين ليواصل الصدع بمنهج الله، وإذا بسراقة بن مالك ينطلق في أثره، ويوشك فرسُ سراقة اللحاق برسول الله وصاحبه، ولكن يبقى رسول الله ثابتا وراسخا كالطود لا يهتز، ما السبب في كل ذلك؟!

انه الأخبات لله ياأحباب!

الأخبات إلى خالق السموات والارض، ومجري السحاب، الواهب، ثم القابض للأرواح، وانها لعمري القناعة بمعية الرحمن، معيةٌ أقرب من حبل الوريد، إذ بين يديها وفي رحابها يولد المخبتون…

أبعد كل ذلك يتشدق مَوْتُورٌ بأنّ الهجرة ليست الاّ مهربٌ ومنجاة؟!

لا ورب الأرباب…

ويقترب سراقة بفرسه وقد منّى النفس بحُمُرِ النعم التي وعده اياها قادة قريش، ويستبد به سُكْر الفرح وهو يوشك على نيل مبتغاه، ولايبقى بينه وبين مبتغاه سوى مسافة قصيرة لاتزيد عن خطوات معدودات يخطوها حصانه، فيهيّئ نفسه للمغنم، ويُخرجُ سيفه من غمده، وتفترُّ شفتاهُ عن بسمة الانتصار، والخيال منه مشغولٌ باستعراض صفوف النوق، ورائحة الخمر تكتنف خيشومه، ومرأى رقص القيان فرحا بالانجاز الكبير الوشيك تلوح له في الآفاق، فكل حسابات الدنيا تقول بأنه قاب قوسين أو أدنى لأن يدرك مبتغاه ويتم مراده، ولكن:

فات عليه -وهو المشرك- أن المشيئة لله الواحد الأحد لا لسواه، فات عليه -وهو الغافل- أن الله أبطل مفعول الاحراق من النار على نبي الله ابراهيم عليه السلام، فات عليه -وهو المنكر للغيب- أن الله أنجى نبيه موسى عليه السلام عندما طمأن قومه قائلا (كلا إن ربي سيهدين) فضرب البحر بعصاه لينفلق وينجلي عن طريقٌ يَبَسٌ فينجيهم الله من فرعون وجيشه!…

اسألوا كل لاجئ هاجر من موطنه واستقر في مراغم أخرى عن قصته لتجدوا فيها الكثير المثير من الإدهاش!

إنها مشيئة الله لنصرة الخير على الشر منذ الأزل وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فإذا بقساوة الصخر تستحيل لينا وعجينة، وإذا بتراب الأرض يصبح طينا لازبا لتصيخ فيه سيقان حصان سراقة بن مالك فيتوقف عن الانطلاق والمسير،

وأُخِذَ سراقة من حيث لم يحتسب، وإذا به يستبين بأن هناك قوة عظيمة فوق قوته.

وارادة عظمى فوق ارادته، ومشيئة لمن خلق السماوات والأراضين ومافيهما من حياة فوق مشيئته ومشيئة قومه من قريش وصناديدها…

وإذا بالحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم تتغشى وجهه الشريف ابتسامة وضيئة فينادي ويقول:

ياسراقة لا تبتئس، ستلبس سواريْ كسرى بإذن الله!

ويشهد سراقة بأن لا اله الاّ الله، وأن محمدا رسول الله…

صلى عليك الله يانبي الهدى ماهبت النسائم

وماناحت على الأيك الحمائم…

adilassoom@gmail.com

‫شاهد أيضًا‬

غرفة طوارئ امتحانات الشهادة الثانوية تعلن اكتمال الاستعدادات لعقد الامتحان الاحد المقبل

بورتسودان: 5minute-news اعلنت غرفة طوارئ ترتيبات امتحانات الشهادة الثانوية المؤجلة –…