ماذا بينكم وبين الله يا أهل السودان الركابي حسن يعقوب

التجارب التاريخية حول العالم بقاراته السبع تقول أن الميليشيات مدفوعة الأجر لم تهزم الدول والمرتزقة مهما امتلكوا من القوة والعتاد العسكري فهم ضعفاء لا يستطيعون الثبات عند الملاحم ، ذلك بأنهم ليس لديهم القوة المعنوية الحقيقية التي تدفعهم للصبر والثبات والتضحية بالنفس ، دافعهم الوحيد هو جني المال فهم منزوعي القوة الذاتية التي بها يتحقق النصر وهي قوة أثيرية غير مادية وغير مرئية.
والميليشيات بطبعها عصية الإنقياد وشيمتها الغدر والخيانة والإنقلاب وعض الأيدي التي أطعمتها وآوتها ، وهي سريعة التحول من سيد إلى سيد آخر إذا دفع هذا الأخير سعراََ أعلى، وهي كذلك تعاني من جنون العظمة وتضخم الذات وغرور القوة ولا تحسب العواقب ولا تكترث بمآلات تصرفاتها ويتملكها الطغيان و(تتميز) بقصر النظر وغياب البعد الاستراتيجي في تخطيطها لعملياتها.
ولهذه الأسباب فإن أي رهان على الميليشيات هو رهان خاسر لا محالة وعاقبته تكون وبالاََ كارثياََ على من راهن عليها.
ولعل تجربة ميليشيا الدعم السريع الإرهابية هي الأكثر وضوحاََ في الوقت الراهن حيث لا تزال فصول هذه التجربة تدور ليس بينها وبين الناس حجاب شاهدة على صحة ما هو مذكور آنفاََ، وهي إلى زوال لا محالة وقد جاءت أشراط زوالها وعلاماتها الكبرى أضحت بادية للعيان..
وقبلها كانت تجربة ميليشيا “فاغنر” التي انتهت نهاية مأساوية حين حاول قائدها التطاول على مشغليه وحاضنيه وتجاسر عليهم يدفعه غرور القوة الزائف الذي زين له أن بإمكانه اقتحام موسكو على ظهور مركبات دفع رباعي قتالية، وهو ما لم يحدث وانتهت به المغامرة على النحو المعلوم وانطوت صفحة فاغنر وبقي الدرس مثالاََ مبذولاََ لمن أراد أن يعتبر.
بعض الدول التي نتشاطر معها الحدود وقعت في وقت سابق في خطأ الرهان على الميليشيات وظنت أنها بذلك قد بسطت نفوذها وأمنت حدودها وركنت إلى هذا الوهم سنوات عدة تباهي به وتعده كإنجاز كبير تفتقت عنه عبقرية صناع القرار فيها.
لكن ولما كان طبع الميليشيات الغدر والتبدل والإنقلاب فقد استيقظت مؤخراََ دوائر الفعل فيها على حقيقة لم تكن في حسبانها، حقيقة أن الخطر بات يحدق بها من ذات المصدر ، وأن الثعبان الذي ظنت أنها روضته يتأهب للدغها في مقتل.
أو قل إن شئت أن ثورها الذي تعهدته بالعلف قد انفلت من عقاله ودخل مستودع الخزف و” عينيك ما تشوفش إلا النور”.
من حسن حظ السودان هذا البلد الطيب أهله و المفترى عليه والذي ذاق ما ذاق من صنوف ظلم ذوي القربى وحيف الأباعد ومكرهم السيء الذي لم ينقطع منذ أكثر من أربعة عقود، من حسن حظه أنه دائماً يكون في المربع الصحيح متجاوزاََ لكل المكائد والتآمر ، وآخرها مكيدة ميليشيا الدعم السريع التي أراد من يقفون وراءها أن تكون قاصمة لظهر السودان ، لكنها وبفضل الله كانت مقوية لظهره ، وسبباََ في جمع صفه الوطني وتحقيق وحدة أهله خلف قيادته وجيشه بما لم يكن له مثيل من قبل.
موقف السودان في الوقت الراهن هو الموقف الأكثر قوة من بين مواقف محيطه وجواره الجغرافي خاصة عند (المفترق الحدودي) ، فقد لقن جيشه جحافل المعتدين الأجانب وأذيالهم من ميليشيا آل دقلو الإرهابية درساََ في الدفاع عن التراب وحمى الوطن مما اضطرهم للتقهقر والتراجع يجرجرون أذيال الخيبة والهزيمة.
وأصبح الذين ظلوا يلعبون لعبة الحبال تارة ، ولعبة البيضة والحجر تارة أخرى في موقف لا يحسدون عليه بعد أن أضحى الخطر بمقربة منهم يوشك أن يقع عليهم وأصبحوا أمام خيار واحد لا ثاني له وهو مجابهة هذا الخطر بالقضاء عليه دون تأخير، وهو خيار صعب بالنظر إلى نفوذ الكفيل والراعي الرسمي للميليشيا عليهم بأياديه التي سلفت عليهم ، وخوفهم من أن تكون بلادهم هي الوجهة القادمة لمغامرات الكفيل التي لا تحدها حدود فالميليشيا بيادق وبنادق يحركها الكفيل ويوجهها حيث يشاء والمرتزق لا يعرف غير المال ولا يدين بالولاء إلا لمن يدفع أكثر..
أهل المثل قالوا “أمشي عِدِل يحتار عدوك فيك”..
نجح السودان – الذي هو في نظر البعض ضعيفاََ – في امتحان التخطيط الإستراتيجي ، بينما سقط من يرون أنفسهم كباراََ في نفس الامتحان.. عجبي..
ماذا بينكم وبين الله يا أهل السودان..
دارفور بعد هزيمة الدعم السريع: هل تنجو القبائل العربية من لعنة الوصم؟ د. عبد الناصر سلم حامد باحث في إدارة الأزمات ومكافحة الإرهاب
مدير برنامج السودان وشرق إفريقيا – مركز فوكس للبحوث مقدمة: نصر محفوف بالخطر …