الدعم السريع في الرمق الأخير ركابي حسن يعقوب

ما يقرب من 28 شهراََ مرت على إطلاق ميليشيا الدعم السريع الرصاصة الأولى بهدف الاستيلاء على مقاليد الحكم في السودان، على خلفية الخلاف بين قيادة الجيش والقوى السياسية المساندة له من جهة، وبين قيادة الميليشيا وحليفها السياسي المعروف اختصاراََ وقتها ب (قحت) حول ما أطلق عليه حينئذ الإتفاق الإطاري، في نسخته التي أعدتها الميليشيا وجناحها السياسي قحت وطالبت قيادة الجيش والقوى السياسية الأخرى التوقيع عليه دون إجراء تعديلات عليه كأمر حتمي ولازم وأشارت بشكل صريح وواضح أن البديل له هو الحرب.
وقد أتبعت ميليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي قحت القول بالفعل، عندما رفضت قيادة الجيش والقوى المدنية المناوئة للميليشيا التوقيع على الإتفاق الإطاري، فنفذت وعيدها وتهديدها بالحرب فجر الخامس عشر من شهر أبريل/نيسان 2023 حيث هاجمت الميليشيا مقرات القيادة العامة للجيش مستهدفة بشكل أساسي مقر قائد الجيش عبد الفتاح البرهان لإعتقاله أو قتله حسب ما صرح به في ذلك الوقت قائد ميليشيا الدعم السريع حميدتي.
ولم يعد خافياََ بعد دخول الحرب عامها الثالث في أبريل/ نيسان الماضي أنها كانت محاولة إنقلابية من قبل ميليشيا الدعم السريع للاستيلاء على السلطة بقوة السلاح ومن ثم تطبيق مشروع سياسي متعدد الأبعاد يتضمن مشاريع سياسية فرعية ترمي إلى تحقيق عدة أهداف أبرزها ، إجراء تغيير ديمغرافي شامل في السودان ، بإزاحة المكونات الإثنية التاريخية الأصيلة ، وإحلال مكونات إثنية بديلة من خارج الحدود الجغرافية للسودان هي في حقيقة الأمر إمتداد للمكونات الإثنية الداخلية التي تشكل لحمة وقوام ميليشيا الدعم السريع ومن ثم إخضاع الدولة السودانية كلها لهيمنة وسيطرة هذه المكونات.
هدف آخر أكثر أهمية ويمثل مرتكزاََ أساسياََ لمشروع ميليشيا الدعم السريع لحكم السودان وهو هدف اقتصادي يتمثل في السيطرة على الموارد الطبيعية المعدنية والزراعية والحيوانية التي يذخر بها السودان ، بالإضافة إلى المنفذ البحري المميز على البحر الأحمر الذي يمتد في حوالي 750 كيلو متر في موقع استراتيجي جيوسياسي شديد الأهمية إقليميًا ودوليًا. حيث يشكل هذا الموقع أهمية خاصة في أجندة القوى الإقليمية الداعمة للميليشيا ولمشروعها السياسي ، بما يمكن وصفه أنه أحد أهم أطماع هذه القوى في السودان.
وهدف ثالث ذو طبيعة مزدوجة ، فهو هدف وفي نفس الوقت وسيلة توطد بها ميليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي أركان ودعائم مشروعها لحكم السودان وهو السيطرة على طرق ومنافذ الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا وتجارة البشر والتهريب بكافة أنواعه ، فهذه السيطرة تعتبر هدف يمكنها من السيطرة على الحدود، ووسيلة في نفس الوقت لتمتين العلاقة مع دول الإتحاد الأوروبي التي تمثل الهجرة غير الشرعية إليها من أمهات قضايا أمنها القومي.
وتمتين علاقات التعاون في هذا المجال مع الإتحاد الأوروبي يوفر شرعية للدولة الجديدة واعترافاََ بها ، وبالتالي يمحو إلى حد كبير تلك المآخذ والآثار السالبة التي رانت على العلاقة بين الجانبين بسبب الجرائم التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في وقت سابق في دارفور قبل أكثر من عقدين من الزمان.
كانت هذه هي أهم معالم وأهداف وملامح مشروع دولة آل دقلو لحكم السودان ، رجحت أنها يمكن إقامتها عن طريق الحرب وبقوة السلاح..
لكن وكما تابع العالم كله فقد فشلت ميليشيا الدعم السريع في الوصول إلى الحكم عن طريق القوة العسكرية، والتي أعدت لها العدة والعتاد اللازمين وخططت لها بطريقة محكمة ، لكن رغم ذلك كان الفشل هو الحصاد والنتيجة التي أصبحت واقعاََ ملموساََ لا يحتمل الإنكار.
فبعد أن كانت الميليشيا تسيطر على العاصمة الخرطوم وولايات الجزيرة وأجزاء واسعة من ولايات سنار والنيل الأبيض واقتربت من حدود ولاية القضارف بشرق السودان وتخوم ولايتي نهر النيل والشمالية بشمال السودان ، تراجعت بفعل الحملات العسكرية المتتابعة التي شنها عليها الجيش السوداني والقوات المساندة له والمقاومة الشعبية حيث استطاعت هذه القوات تحرير كل تلك المناطق المذكورة واضطرت ميليشيا الدعم السريع إلى الهروب إلى دارفور وإلى غرب كردفان وفي خضم هذه الحملات التي يشنها الجيش فقدت الميليشيا الكثير من قواتها وعتادها وتعرضت لهزائم كبيرة وإنكسرت قوتها الصلبة المتمثلة في القوة المحترفة والمدربة ، ولجأت لتعويض هذا الفقد إلى الاستعانة بمقاتلين مرتزقة من عدد من الدول المجاورة وغير المجاورة، وكذلك لجأت الميليشيا إلى التجنيد القسري للأطفال والشباب في وقت وجيز والدفع بهم إلى أتون المعارك، ونتيجة لذلك ولأسباب أخرى تتعلق بخلافات حول المستحقات المالية للجنود والضباط وشح الموارد المالية للميليشيا وغياب الرعاية الطبية والعلاجية للجرحى والمصابين والتمييز فيها بين المكونات المختلفة للميليشيا والتعامل الفظ الذي تنتهجه الميليشيا إزاء المواطنين في المناطق التي تسيطر عليها والحصار الذي تفرضه على الفاشر وهجماتها المتكررة على مخيمات النازحين وقصف الأحياء والقرى في شمال دارفور ورفضها التعاون مع المنظمات الإنسانية الدولية لفتح مسارات لإيصال المساعدات والأغذية للمدنيين المحاصرين تصاعدت أصوات السخط والاحتجاج من داخل هذه المكونات وبالتالي أصبحت الميليشيا عبئاََ ثقيلاََ ومصدراََ للمعاناة لمواطني وأهالي دارفور.
وأمام هذا الواقع المأزوم، مضافا إليه التجهيزات الضخمة للجيش والقوات المساندة له لمعركة فك الحصار عن الفاشر وتحرير بقية مدن دارفور والتي يعتبرها الجيش (أم المعارك) وخاتمة لحملاته العسكرية الناجحة ضد الميليشيا ، هذا الوضع وضع ميليشيا الدعم السريع في المحك وأمام خيارات صعبة للغاية عليها الإختيار من بينها في نطاق قيد زمني ضيق.
فإما أن تصمد وتخوض المعركة ببقايا قوات فارة من ميادين القتال وقابعة في آخر معاقلها ومثخنة بالجراح والهزائم والخلافات وبمعنويات متدنية ، في مواجهة قوات مجهزة بصورة احترافية وأعدت للمعركة عدتها وعتادها بكافة التشكيلات العسكرية بما فيها الطيران، وبالتالي فالنتيجة الراجحة هي الخسارة والهزيمة ، وهذا هو الخيار الأول، وهو خيار يتسم بسمة المغامرة غير المحسوبة ، بل هو خيار انتحاري.
والخيار الثاني أمام ميليشيا الدعم السريع هو الاستسلام حفاظاََ على ما تبقى من قواتها وتفادياََ لمصير قاتم محتوم ، غير أن هذا الخيار يضع النهاية لها ويقضي على مستقبلها ويضعها تحت طائلة القانون الداخلي والدولي بسبب جرائمها وانتهاكاتها طوال فترة الحرب.
والخيار الثالث ذو طبيعة سياسية وهو خيار لا يقل صعوبة ومرارة من سابقيه رغم كونه يمثل مخرجاََ نظرياََ للميليشيا من مأزقها ووضعها المأزوم ، إلا أنه في جوهره يلامس المستحيل لكنه يظل نافذة الأمل الوحيدة، ونقطة الضوء الخافتة التي تُرى بالكاد في نهاية نفق أزمة الميليشيا ، وهو خيار عقد تحالف مع خصومها من القوى الدارفورية التي تناصبها العداء تاريخياََ والتي تقاتل ضدها في صف الجيش، وهو خيار تحفه عقبات كبيرة وكثيرة وشائكة ، فالجرائم البشعة التي ارتكبتها ميليشيا الدعم السريع في حق هذه القوى وحواضنها المجتمعية والأهلية لا يمكن غفرانها وتناسيها بسهولة ، ذلك أن القبول بمثل هذا الخيار من قبل هذه القوى يمثل خسارة كبيرة واستسلام غير مبرر وهي في أوج قوتها وعلى مقربة من تحقيق نصر كبير على خصم يعيش أضعف حالاته وعلى مرمى حجر من هزيمة محققة.
غير أن هذا الخيار الأخير هو الآن في موضع بحث ونظر لدى جهات إقليمية ساندت ميليشيا الدعم السريع ، وأخرى دولية، لا تريد للجيش السوداني أن ينهي الحرب لصالحه بنصر مشهود وأداء احترافي كان محل ثناء الرئيس ترامب نفسه ، فالقوى الإقليمية المساندة للميليشيا ترى في إنتصار الجيش على هذا النحو هزيمة لها ونهاية لأطماعها في السودان وخروجها من المعادلة كلية.
ومن ناحية أخرى فإن القوى الدولية وتحديداََ القوى الغربية ورغم أنها حليفة للقوى الإقليمية المنحازة للميليشيا ولديها مصالح مشتركة معها، إلا أنها تقع تحت وطأة ضغوط أخلاقية وإنسانية ، وآيدولوجية والتزامات سياسية تتعلق باستراتيجياتها ومصالحها المرتبطة بالأمن في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا تجعلها غير راغبة في مسايرة حلفائها الاقليميين والتوغل معهم داخل نفق الأزمة السودانية إلى ما لا نهاية، ضف إلى ذلك أن السياسة الغربية تجاه المنطقة العربية ظلت وما تزال تقوم على دعم ومساندة وتمكين ما تعتبرهم أقليات مستضعفة داخل دول هذه المنطقة وأنه من مسلمات هذه السياسة الغربية في حالة وجود نزاع داخلي في هذه الدول مناصرة الطرف الذي يمثل بنظرها أقلية ويأتي هذا تقوية لدعائم ما يعتبرونه حفظاََ لأمنهم القومي في إطاره الشامل.
وبالنظر إلى هذه الحقيقة المعلومة وإذا أنزلناها على الوضع في السودان بصورة عامة ، ودارفور بصورة خاصة نجد أنه من المرجح أن تميل القوى الغربية لترجيح كفة من تعتبرهم أقليات يتوجب عليها نصرتهم ومساندتهم.
وبناءاََ على ما تقدم من حيثيات وفرضيات، مضافا إليها الفشل العسكري للميليشيا على الأرض وهزائمها المتكررة ، والفشل السياسي للجناح السياسي لها المسمى (صمود) وآخرها عجزها عن استقطاب الإعتراف والدعم الدولي والإقليمي لحكومتها الموازية التي أعلنت عنها مؤخراً فإن مصير ميليشيا الدعم السريع وجناحها السياسي سيكون إلى فناء وتلاشي في الأجل القريب.
نقلا من الجزيرة نت
وجه الحقيقة إبراهيم شقلاوي زيارة القاهرة: ماذا وراء قرار التأجيل..؟
في خطوة أثارت تساؤلات الأوساط السياسية والإعلامية، أعلنت مصادر رسمية عن تأجيل زيارة رئيس ا…