‫الرئيسية‬ اخبار السودان شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر “الهندسة المجتمعية” ضد السودانيين في مصر: كيف تزرع الأكاذيب بذور الخوف وتُجهض الأمل؟
اخبار السودان - مقالات - ‫‫‫‏‫15 ساعة مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر “الهندسة المجتمعية” ضد السودانيين في مصر: كيف تزرع الأكاذيب بذور الخوف وتُجهض الأمل؟

Ghariba2013@gmail.com

تتجسّد الأزمات الإنسانية في قصص أفراد يُرغمون على ترك أوطانهم بحثًا عن ملاذ آمن، وكما هو الحال في كل أزمة، يبرز التحدي الأكبر ليس فقط في مواجهة الواقع القاسي، بل في محاربة حرب أخرى تشنّها الأكاذيب والشائعات. في خضم الأزمة السودانية الراهنة، وبعد أن استقبلت مصر أعدادًا هائلة من السودانيين الهاربين من جحيم الحرب، باتت الجالية السودانية في مصر عرضة لما يُعرف بـ”الهندسة المجتمعية”، وهي عملية منظمة تهدف إلى التلاعب بالحقائق وتشويهها، وزرع الخوف واليأس في نفوس الأفراد لإحباط أي محاولة للعودة الطوعية إلى الوطن.

هذا التكتيك الخطير لا يقلّ فتكًا عن الرصاص والقذائف، فهو يستهدف العقول والقلوب، ويسعى لكسر الروح المعنوية للجالية. يتجلى هذا التلاعب في حملات منظمة تستخدم مقاطع فيديو قديمة وصورًا مضللة، تُروّج لفكرة أن الوضع في السودان لا يزال غير آمن بالمرة، وأن الأمراض تنتشر بشكل وبائي، وأن هناك آثارًا كيماوية خطيرة في الجو، بالإضافة إلى تفشي عصابات النهب المسلح. كل هذه المعلومات، التي لا تستند إلى أساس واقعي، تُبثّ بانتظام لخلق حالة من الذعر المستمر، وتأكيد فكرة أن العودة إلى السودان مستحيلة وخطيرة.

تُدار هذه الحملات غالبًا من قبل جهات لها مصالح في إبقاء الوضع على ما هو عليه، أو ربما من قبل أفراد يُغردون خارج السرب، ويحاولون تحقيق مكاسب شخصية من خلال استغلال معاناة الناس. إنهم يستثمرون في يأس الأسر وخوفها على مستقبل أبنائها، ويقدمون لهم صورة مشوهة للواقع، مستخدمين بذلك أداة الإعلام الرقمي ومواقع التواصل الاجتماعي لنشر سمومهم بسرعة وفعالية. تُصبح منصات مثل “فيسبوك” و”واتساب” ساحة معركة، حيث تتنافس المعلومات الصحيحة مع الشائعات المغرضة. يتلقى الفرد السوداني في مصر رسالة صوتية، أو مقطع فيديو يظهر فيه دمار قديم أو أحداثًا لا علاقة لها بالوقت الحالي، ويُصاحبها تعليق يُؤكد أن “الوضع لا يزال كارثيًا”، مما يُرسّخ لديه فكرة البقاء في مصر وعدم التفكير في العودة.

إن هذا التلاعب بالوعي الجمعي يمثل جريمة حقيقية، فهو لا يكتفي بإحباط الأفراد، بل يُساهم في تفكيك النسيج الاجتماعي للجالية، ويُضعف من قدرتهم على التماسك والتضامن. عندما تُصبح المعلومات المتاحة مشوشة ومضللة، يفقد الأفراد ثقتهم في أي مصدر رسمي، ويصبحون فريسة سهلة للمروجين للخوف واليأس.

لذلك، فإن المواجهة الفعالة لهذه الظاهرة تتطلب جهدًا جماعيًا ومنسقًا، تبدأ بالوعي وتمرّ بالتحقق وتنتهي بالعمل. يجب على جميع الفاعلين في المجتمع السوداني في مصر، بدءًا من السفارة السودانية والقنصليات السودانية العامة في أسوان والإسكندرية، أن يتولوا زمام المبادرة. دورهم ليس فقط في تقديم الخدمات القنصلية، بل في نشر الوعي والمعلومات الموثوقة التي تدحض الشائعات وتطمئن القلوب. يمكنهم إصدار بيانات دورية، وعقد لقاءات مفتوحة، واستخدام منصته الرسمية لنشر حقائق الأوضاع في السودان بناءً على تقارير موثوقة ومصادر رسمية.

ويأتي دور المجلس الأعلى للجالية السودانية بمصر واتحاد منظمات المجتمع المدني وتجمع السودانيين الشرفاء بالخارج مكتب مصر والجمعيات والمنظمات والدور السودانية ليكون حجر الزاوية في هذه المعركة. هذه الكيانات، التي تتمتع بثقة الأفراد، يجب أن تُفعّل دورها التوعوي. يمكنها تنظيم ورش عمل، وحملات توعية رقمية، وإنشاء مجموعات على وسائل التواصل الاجتماعي تُخصص للتحقق من الأخبار وفضح الشائعات. كما يجب أن يكون هناك تعاون وثيق بين هذه المنظمات لتبادل المعلومات وتوحيد الرسالة، لكي لا تُترك أي مساحة للأكاذيب.

أما أصحاب المبادرات المتعددة والإعلاميون السودانيون في مصر، فيقع على عاتقهم مسؤولية أخلاقية ومهنية جسيمة. هم الصوت الذي يصل إلى الجماهير، والقلم الذي يكتب الحقيقة. يجب أن يكون عملهم مبنيًا على التثبت والتحقق، وأن يرفضوا أي محتوى مشبوه أو غير موثوق. عليهم أن يستخدموا منابرهم الإعلامية لنشر قصص الأمل، وتسليط الضوء على المناطق التي عادت فيها الحياة تدريجيًا، وإظهار جهود الأفراد العائدين لإعادة بناء حياتهم، مما يُعطي نموذجًا حيًا لإمكانية العودة.

إن الهدف من هذه الجهود المشتركة هو استعادة السيطرة على السردية، وتحويلها من سردية يأس وخوف إلى سردية أمل وإصرار. يجب أن يعرف كل فرد سوداني في مصر أن القرارات المتعلقة بمصيره ومصير أسرته يجب أن تُبنى على معلومات صحيحة ودقيقة، لا على أكاذيب تهدف إلى التلاعب بمصيره. العودة الطوعية ليست مجرد خيار، بل هي حق لكل سوداني يرغب في المساهمة في إعادة بناء وطنه، وهذا الحق يجب أن يُحمى من كل محاولات التشويه والإفشال.

في الختام، إن الهندسة المجتمعية ضد الجالية السودانية في مصر ليست مجرد حملة إعلامية، بل هي محاولة لسرقة الأمل، ودفن الحلم في تراب اليأس. وكما يُقال، فإن أول خطوة نحو هزيمة العدو هي معرفة وجوده. الآن، وقد انكشفت هذه المحاولات، يجب أن يتكاتف الجميع، كل من موقعه، لمواجهتها وتفكيكها، لكي لا تُجهض أحلام العودة، وتستعيد الجالية السودانية في مصر زمام أمرها، وتكون قراراته نابعة من إرادة حرة مستنيرة.

‫شاهد أيضًا‬

بالواضح فتح الرحمن النحاس لن يصلح العطار ماأفسده الدهر.. صائدو التمرد أم صائدة البمبان..؟!! ماعاد بيننا مكان لزمن الموات..!!

عشرات المواقف خلال عدة تظاهرات رأينا فيها من يلتقطون قنابل الدخان (البمبان) ويردونها علي أ…