‫الرئيسية‬ مقالات رؤى  د. الوليد أمين حسن الفكي إصلاح منظومة التربية والتعليم
مقالات - ‫‫‫‏‫7 ساعات مضت‬

رؤى  د. الوليد أمين حسن الفكي إصلاح منظومة التربية والتعليم

بسم الله الرحمن الرحيم

 

السادة الأفاضل، المحترمين في مجال التربية والتعليم والمهتمين بتنمية المجتمع وبناء الدولة الراقية ،،،

تحية طيبة وبعد،،،

إن الغاية الأساسية والجوهرية التي أنشدها من خلال سعيي الدؤوب لإصلاح منظومة التربية والتعليم، ليست مجرد تحديث للمناهج أو تطوير للبنى التحتية، بل هي غاية أعمق وأسمى، تتمثل في بناء الإنسان الصالح. هذا الإنسان الذي يُعدّ اللبنة الأساسية في صرح المجتمع، والعنصر الفاعل في تقدم الوطن وازدهاره، والمحور الذي تدور حوله جميع خطط التنمية الشاملة… وإنني أطمح أن أرى جيلاً واعياً، مُلمٍاً، قادراً على التفكير النقدي البنّاء، متشبعاً بالقيم الأصيلة، وشغوفاً بالإسهام في رفعة أمته ووطنه…

 

غير أن هذا البناء المعقد والدقيق للإنسان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يكون عبئاً تُحمله المدرسة وحدها، أو أن يكون نتاجاً حصرياً لفصل دراسي أو مقرر تعليمي. فالمدرسة، على عظم دورها، هي حلقة واحدة – وإن كانت مركزية – في سلسلة طويلة ومتشابكة من العوامل والموجهات التي تُسهم في تشكيل شخصية الفرد وقيمه وسلوكه. إنها عملية تشكيلية تراكمية، يتشارك في مسئوليتها العديد من الأطراف ويتداخل فيها العديد من المؤثرات.

 

 

فالأسرة تُعدّ الحاضنة الأولى والأكثر تأثيراً على الطفل. وهي المدرسة الأولى التي يتعلم فيها قواعد السلوك، والمشاعر، واللغة، والمبادئ الأساسية. فاستقرار الأسرة وتماسكها، وقيم العدل والحوار والاحترام التي تُغرس فيها، تُشكل الأساس المتين الذي تبنى عليه شخصية الفرد. فإذا كان هذا الأساس متيناً، سهل على المؤسسات الأخرى استكمال عملية البناء، أما إذا كان هشاً، فإن جهود الجميع قد تذهب أدراج الرياح.

هذا كما يُعتبر المجتمع بكل مكوناته رافداً أساسياً في هذه العملية. فالمسجد يغرس القيم الروحية والأخلاقية، ووسائل الإعلام المختلفة (تقليدية كانت أم رقمية) تطرح نماذج وقدوات وتُشكل الرأي العام والوعي الجمعي. كذلك، فإن دور المراكز الثقافية، والنوادي الرياضية، والمكتبات العامة، والمبادرات المجتمعية التطوعية، لا يقل أهمية عن دور المدرسة، إذ إنها تخلق بيئة محيطة داعمة ومحفزة، تتيح للفرد تطوير مواهبه، وصقل مهاراته الاجتماعية، وممارسة ما تعلمه في الواقع العملي.

إضافة إلى ذلك، فإن السياسات العامة للدولة لها أثر بالغ في بناء الفرد، فسياسات التشغيل، وفرص العمل المتاحة للشباب، والعدالة في توزيع الثروة، ومكافحة الفساد، وترسيخ قيم النزاهة والشفافية، كلها عوامل تُرسل رسائل قوية للفرد عن قيمة الإخلاص في العمل، والانتماء للوطن، والثقة في المستقبل. فالشاب الذي يرى أن مجهوده وتفوقه سيوصلانه إلى مكانة لائقة، سيكون حتماً أكثر حماساً للتعلم والإبداع من ذلك الذي يعيش في بيئة يطغى عليها اليأس وغياب الفرص …

 

 

كم يجب أن لا نغفل أيضاً دور القدوات والنماذج الحية، سواء على مستوى القيادة السياسية والدينية، أو على مستوى النخب المثقفة والفنانين والعلماء والمخترعين. فوجود نماذج ناجحة ومشرّفة يُحتذى بها، يخلق دافعاً قوياً لدى الشباب للسير على خطاها والاقتداء بمسيرتها.

 

ختاما وبالمختصر المفيد أقول إن بناء الإنسان الصالح، المفيد لنفسه، ولأسرته، ولمجتمعه، ولوطنه، ولأمته، هو مشروع قومي ضخم، يتطلب تظافر جميع الجهود، وتكامل جميع الأدوار… نعم إنه مثلث متساوي الأضلاع، وأضلاعه هي الأسرة المتماسكة،،، والمدرسة المطورة،،، والمجتمع الداعم…

 

كما يتطلب الأمر أيضاً بيئة سياسية واقتصادية عادلة ومحفزة…

أما التربية والتعليم فهما القاطرة الرئيسية والمنظومة الأكثر تنظيماً في هذا المشروع، لكنهما ليسا الوحيدين. وإن النجاح يكمن في خطة متكاملة، وتنسيق تام، ورؤية موحدة بين جميع هذه الأطراف، لضمان أننا نُخرّج ذلك الإنسان المتكامل، الذي يجمع بين العلم النافع والأخلاق الراسخة والوطنية الصادقة، ليكون لبنة صالحة في بناء حاضر مزهر ومستقبل مشرق للأمة جمعاء…

ولكم مني كل احترام .

٢٧/٨/٢٠٢٥ ..

‫شاهد أيضًا‬

نقطة إرتكاز  د.جادالله فضل المولي  يكتب: جبر الخواطر… عبادة القلوب في زمن الانكسار السوداني

في زمنٍ تتكاثر فيه الجراح وتضيق فيه السبل، يبقى جبر الخواطر أعظم ما يُقدمه الإنسان لأخيه ا…