‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر سباق الذكاء الاصطناعي: هل يلحق العرب بالركب؟
مقالات - ‫‫‫‏‫8 ساعات مضت‬

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر سباق الذكاء الاصطناعي: هل يلحق العرب بالركب؟

Ghariba2013@gmail.com

في عالم تتسارع فيه نبض التكنولوجيا وتتغير ملامحه كل يوم، يجد العرب أنفسهم أمام مفترق طرق حاسم. هل سيظلون مجرد مستهلكين للابتكارات، أم سيقتحمون حلبة المنافسة ليصبحوا لاعبين فاعلين في صناعة المستقبل؟ هذا التساؤل يكتسب أهمية بالغة مع انطلاق المنتدى العربي السنوي الأول للذكاء الاصطناعي، الذي لم يكن مجرد فعالية عادية، بل كان بمثابة إعلان نوايا وتحذير في آن واحد.

المشهد الإعلامي الصادر عن المنتدى يبعث على التفاؤل الحذر. فمن جهة، نرى إقرارًا عربيًا رسميًا بأهمية الذكاء الاصطناعي وضرورة تبني استراتيجية موحدة. كلمات الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، ووزيري الاتصالات والتعليم المصريين، تعكس وعيًا عميقًا بأن هذه التكنولوجيا ليست مجرد رفاهية، بل هي “ثورة” و”سباق تسلح” بين القوى الكبرى. هذا الإدراك هو الخطوة الأولى الصحيحة. فالاعتراف بحجم التحدي هو أول خطوات التغلب عليه.

لكن التحدي الحقيقي يكمن في تحويل هذه الأقوال إلى أفعال. لقد سمعنا كثيرًا عن استراتيجيات وخطط طموحة، ولكن ما نحتاج إليه اليوم هو خطوات عملية وملموسة. المنتدى يطرح أفكارًا ممتازة: إطار عربي مشترك، شراكات دولية، تعزيز البنية التحتية الرقمية، وتنمية القدرات البشرية. كل هذه العناصر ضرورية، ولكن يجب أن تُترجم إلى مشاريع حقيقية بتمويل كافٍ وجداول زمنية محددة.

أكبر عقبة أمام تحقيق هذه الرؤى هي الفجوة بين الطموحات والواقع. فكما أشار الأمين العام، هناك “ضعف في حجم الإنفاق على هذا القطاع”. وهذا الضعف ليس مجرد رقم على ورقة، بل هو انعكاس لواقع صعب؛ واقع يتأثر بالصراعات والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالمنطقة. كيف يمكن أن نستثمر في الذكاء الاصطناعي بينما بعض الدول العربية، مثل السودان، تكافح لإعادة إعمار قطاع الاتصالات المتضرر من الحروب؟ إنها معضلة حقيقية تتطلب حلولًا جذرية.

هنا يبرز دور التعاون العربي المشترك بشكل حتمي. لا يمكن لدولة عربية واحدة أن تفوز في هذا السباق بمفردها. المقترح المصري بإنشاء مجلس وزراء عربي للذكاء الاصطناعي هو خطوة في الاتجاه الصحيح. مثل هذا المجلس يمكن أن يكون منصة لتنسيق الجهود، وتبادل الخبرات، وتوجيه الاستثمارات نحو المشاريع ذات الأولوية المشتركة. فبدلًا من أن تبدأ كل دولة من الصفر، يمكنها الاستفادة من تجارب الآخرين وتوحيد المعايير.

التركيز على تنمية القدرات البشرية هو حجر الزاوية في أي استراتيجية ناجحة. كلمات وزير التعليم المصري حول إدخال الذكاء الاصطناعي في المناهج الدراسية تبعث على الأمل. الاستثمار في الأجيال القادمة هو الاستثمار الأكثر ربحية على المدى الطويل. يجب أن نخرج من ثقافة التلقين و نتبنى ثقافة الإبداع والتفكير النقدي. تعليم الأطفال أساسيات البرمجة والذكاء الاصطناعي ليس فقط لإعدادهم لوظائف المستقبل، بل أيضًا لتمكينهم من أن يكونوا مبتكرين وقادرين على حل المشكلات.

ولكن يجب أن نكون واقعيين. لا يمكننا استيراد حلول جاهزة من الغرب وتطبيقها دون تكييفها. الذكاء الاصطناعي ليس مجرد أداة محايدة. له أبعاده الأخلاقية والثقافية. اعتماد “الميثاق العربي لأخلاقيات الذكاء الاصطناعي” هو خطوة مهمة لضمان أن هذه التكنولوجيا تخدم قيمنا وهويتنا العربية، ولا تتعارض معها. يجب أن نستخدم الذكاء الاصطناعي لتعزيز ثقافتنا ولغتنا العربية، لا تهميشها.

المنتدى العربي للذكاء الاصطناعي هو بداية جيدة، ولكنه مجرد بداية. الطريق أمامنا طويل ومليء بالعقبات. يجب أن نتحول من مرحلة الكلام إلى مرحلة الفعل، ومن مرحلة التفكير إلى مرحلة التنفيذ. فالعالم لا ينتظر أحدًا. اليوم هو وقت “سباق تسلح”، والغد سيكون وقت الحصاد. وإذا لم نلحق بالركب اليوم، فقد نجد أنفسنا في موقف صعب للغاية غدًا، مجرد مستهلكين في عالم يحكمه الذكاء. فهل سيتمكن العرب من تحويل رؤية الذكاء الاصطناعي إلى واقع عملي يضعهم على خريطة المستقبل؟ هذا هو التحدي الذي ستكشف عنه الأيام القادمة.

‫شاهد أيضًا‬

نقطة إرتكاز  د.جادالله فضل المولي  يكتب: جبر الخواطر… عبادة القلوب في زمن الانكسار السوداني

في زمنٍ تتكاثر فيه الجراح وتضيق فيه السبل، يبقى جبر الخواطر أعظم ما يُقدمه الإنسان لأخيه ا…