شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر السودان في مفترق الطرق العالمية: خطاب “الأمل” المدني وتحديات الوجود والسيادة

Ghariba2013@gmail.com
من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الثمانين، أطلق رئيس الوزراء، الدكتور كامل إدريس، صرخة مدوية لا تمثل بلاده المنكوبة بالحرب فحسب، بل تعكس أزمة أعمق تهدد النظام الدولي برمته. خطابه لم يكن مجرد عرض للمأساة السودانية، بل كان تحليلاً شاملاً للمخاطر التي تعصف بـميثاق الأمم المتحدة وتعددية الأطراف، مؤكداً أن ما يحدث في السودان هو عرض لأمراض دولية مزمنة.
لقد وضع إدريس النزاع السوداني في سياقه الدولي، مشيراً إلى أن استخدام المرتزقة الأجانب، وتآكل قواعد القانون الدولي، وتفاقم جرائم الإبادة والعدوان، هي أدوات تهدد الاستقرار الإقليمي والدولي. كان هذا الإطار التحليلي بمثابة اتهام صريح للمجتمع الدولي بالتراخي أو التواطؤ، خاصة في ظل استمرار الصمت حيال جرائم “المليشيا الإرهابية المتمردة” وحصارها لمدن مثل الفاشر، وهو ما وصفه بـ**”ضوء أخضر”** لمواصلة الانتهاكات.
أحد المحاور الأكثر أهمية في خطاب رئيس الوزراء هو نقد ازدواجية المعايير الدولية والتهديد الذي تشكله العقوبات والتدابير القسرية الأحادية الجانب. فبينما يُشدد على ضرورة بناء الثقة وتعزيز دور الدبلوماسية الوقائية، نجد أن هذه العقوبات، التي وصفها بأنها غير مشروعة وتفرض لأسباب سياسية، تقوض قيم التعاون الدولي وتعرقل حقوق الشعوب، خصوصاً في التنمية والرفاهية.
هذا التركيز على العقوبات، بالتزامن مع التحذير من الاستغلال السياسي لقضية حقوق الإنسان، يشير إلى شعور عميق لدى “حكومة الأمل المدنية” بأنها تواجه ضغوطاً خارجية لا تستهدف فقط أطراف النزاع، بل تستهدف سيادة الدولة وقرارها الوطني. الدعوة إلى رفض خطاب الكراهية، والعنصرية، والإسلاموفوبيا يضيف بُعداً حضارياً وإنسانياً للخطاب، مؤكداً على أن التحديات ليست عسكرية أو سياسية فقط، بل هي أيضاً ثقافية وفكرية تهدد “الإنسانية بكليتها”.
لتقديم بديل عملي، أكد الدكتور إدريس التزام الحكومة بـخارطة طريق وطنية تهدف إلى تحقيق السلام الشامل وتتضمن أولويات واضحة، أولها وقف إطلاق النار، وانسحاب المليشيا، ورفع الحصار عن الفاشر تنفيذاً لقرار مجلس الأمن (2736). والأهم من ذلك، تم التأكيد على الملكية الوطنية للقرار، مشدداً على أن تحقيق السلام يتطلب مشاركة القوى السياسية وقطاعات الشعب السوداني بعيداً عن التدخلات الأجنبية.
هذا الموقف الحازم يتجسد في تعهده الصريح برفض “أي إملاءات تتعارض مع سيادة البلاد وأمنها القومي”. خطاب “حكومة الأمل المدنية” الجديدة، والتي شُكّلت من التكنوقراط لتقود حواراً وطنياً شاملاً نحو انتخابات حرة ونزيهة، يرسخ مبدأ أن الانتقال الديمقراطي يجب أن يكون نابعاً من إرادة الشعب، مدعوماً بتقوية المؤسسات الوطنية الراسخة.
لم يغفل رئيس الوزراء عن تحديد أولويات حكومة الأمل الداخلية، والتي شملت إقامة دولة القانون، ومحاربة الفقر والفساد، وتفعيل العدالة الانتقالية، والعودة إلى الخرطوم، ورفع كفاءة الخدمات. هذه الأهداف تشير إلى وعي الحكومة بأن السلام ليس مجرد توقف للقتال، بل هو عملية شاملة لإعادة البناء والإعمار ومعالجة جذور الأزمة.
كما ربط إدريس الأزمة السودانية بـالتدهور الخطير للأوضاع في الشرق الأوسط، وخاصة الأوضاع الكارثية في فلسطين المحتلة وقطاع غزة، مجدداً قناعة السودان بأن الاستقرار الإقليمي لا يتحقق إلا بحل عادل ودائم للقضية الفلسطينية. هذا الربط يؤكد على السياسة الخارجية المتوازنة للحكومة والدعوة إلى معالجة القضايا الإقليمية والدولية بمنظور واحد يلتزم بـالشرعية الدولية.
في الختام، يمثل خطاب الدكتور كامل إدريس وثيقة اتهام وتحليل وخارطة طريق في آن واحد. لقد كشف عن مخاطر تهدد وحدة ووجود السودان بفعل “القتل الممنهج والنهب والتدمير المتوحش” الذي مارسته المليشيا، وشدد على ضرورة وقف تدفقات الأسلحة والمرتزقة وتجريم المليشيا الإرهابية دولياً.
ولكن الأهم، هو الدعوة الموجهة للمجتمع الدولي بـدعم خيارات الشعب السوداني وحكومته المدنية، ودعم الحلول الأفريقية، والالتزام بـالملكية الوطنية دون وصاية. هذا الخطاب هو محاولة لوضع السودان على المسار الصحيح نحو التعافي والتحول الديمقراطي، عبر بوابة الأمم المتحدة، مع التأكيد على أن كرامة الشعب السوداني وعزته وسيادة بلاده هي خطوط حمراء غير قابلة للمساومة.
الهندي عزالدين التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية
ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …