نقطة إرتكاز د.جادالله فضل المولي يكتب: القتال من أجل السلام: معركةً لا يحملها إلا من أحب الوطن بصدق

في السودان، حيث تنام المدن على أصوات المدافع وتستيقظ على أنين النازحين، لا يبدو الحديث عن السلام مجرد شعاراً سياسياً أو أمنيةً عابرة، بل هو معركةً حقيقيةً تُخاض كل يوم، بكل ما فيها من وجعٍ وتضحيةٍ وصبر. فالحرب، رغم قسوتها، لها أدواتها الواضحة، أما السلام، فله طريقٌ أكثر وعورةً، وأكثر ألماً، لأنه يتطلب أن تُقاتل من أجل أن تُطفئ النار لا أن تُشعلها، أن تُقاوم من أجل أن تُنقذ لا أن تُدمّر، أن تُصارع من أجل أن تُبني لا أن تُهدم.
القتال من أجل السلام أصعب من القتال من أجل الحرب، لأنك تُحارب في وجه الريح، تُحارب ضد من يُريد استمرار النزيف، تُحارب ضد من يرى في الفوضى مكسباً، وفي الخراب فرصةً، وفي الدم تجارةً. السلام لا يُصنع في الفنادق ولا يُوقّع في العواصم، بل يُولد من رحم المعاناة، من وجوه الأمهات الثكالى، من صمت الأطفال الذين فقدوا مدارسهم، من دموع الشباب الذين حُرموا من أحلامهم.
الشعب السوداني اليوم لا يُريد أكثر من أن يعيش بكرامة، أن يُحكم بعدالة، أن يُسمع له صوت، أن يُحترم له وجود. لكن هذا الشعب المقهور، الذي ذاق مرارات الحرب، يُدرك أن السلام الحقيقي لا يُمنح، بل يُنتزع، لا يُستورد، بل يُصنع محلياً، لا يُفرض من الخارج، بل يُبنى من الداخل.
كل من يُقاتل اليوم من أجل أن يعود السودان وطناً آمناً، لا يُقاتل من أجل سلطة، بل من أجل حياة. من يُقاوم المليشيات، ومن يُدافع عن وحدة الأرض، ومن يُحارب خطاب الكراهية، ومن يُنقذ المدنيين، هؤلاء لا يُحاربون لأجل الحرب، بل لأجل السلام. لأن السلام في السودان ليس هدنةً مؤقتة، بل هو مشروعاً وطنياً، لا يُكتب بالحبربل يُكتب بالدماء الطاهرة التي سقطت دفاعاً عن الوطن.
الذين يُنادون بوقف القتال دون أن يُدينوا من بدأه، يُشبهون من يُطالب بإطفاء النار دون أن يُغلق صنبور البنزين. السلام لا يُبنى على المجاملة، بل على الحقيقة، ولا يُؤسس على التوازنات الدولية، بل على إرادة الشعب. وكل محاولةٍ لتسويةٍ لا تُنصف الضحايا، ولا تُحاسب الجناة، ولا تُعيد الحقوق، هي مجرد إعادة إنتاج للألم.
السودان لا يحتاج إلى وسطاء، بل إلى إرادة. لا يحتاج إلى بيانات، بل إلى أفعال. لا يحتاج إلى مؤتمرات، بل إلى ضمير. وكل من يُقاتل اليوم من أجل أن يعود الوطن إلى أهله، يُقاتل من أجل السلام، لا من أجل الحرب. لأن السلام هو أن يعود النازح إلى بيته، وأن تفتح المدارس أبوابها، وأن تُزرع الأرض، وأن يُولد الطفل دون خوف، وأن يُكتب التاريخ دون خيانة.
فيا شعب السودان، لا تيأس، لأن القتال من أجل السلام هو أسمى أنواع النضال، وأطهر أنواع المقاومة، وأصدق أنواع الوطنية. وإن طال الطريق، فإن النصر لا يُكتب إلا لمن حمل الوطن في قلبه، لا في جيبه.
meehad74@gmail.com
الهندي عزالدين التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية
ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …