خواطر ابن الفضل الحلف بغير الله… عادة تتجدد في السوشل ميديا وتهدد نقاء التوحيد د. محمد فضل محمد

يُعد التوحيد الخالص لله تعالى أساس العقيدة الإسلامية، وكل ما يمس هذا الصفاء أو يضعفه يستوجب الحذر والاجتناب. ومن بين المسائل التي قد تبدو بسيطة لكنها تنطوي على خطر جسيم على إيمان المسلم، نجد قضية الحلف بغير الله تعالى.
والحلف في جوهره هو توكيد الأمر وتعظيمه بذكر اسم معظم. وفي الشريعة الإسلامية، لا يجوز أن يُضاهى تعظيم الخالق بتعظيم المخلوق، ولا يصح القسم إلا باسمه وصفاته العليا. ولذا، فإن الحلف بغير الله، سواء كان بالنبي أو بالكعبة أو بالملائكة أو بالأولياء أو حتى بالآباء والأجداد، يمثل نوعاً من الشرك الأصغر الذي قد يفتح الباب ويقود بصاحبه إلى الشرك الأكبر والعياذ بالله. فقد قال رسول الله ﷺ: «من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك» (رواه الترمذي وصححه الألباني)، ونهى ﷺ عن الحلف بالآباء فقال: «ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت» (رواه البخاري ومسلم).
وقد برزت هذه الظاهرة في عصرنا الحاضر عبر منصات السوشل ميديا والإعلام التقليدي، حيث تُجرى الحوارات مع بعض الأشخاص في لقاءات مباشرة أو مسجَّلة، ولإثبات صدق أقوالهم تراهم يحلفون بالمصحف تارة، وبالنبي صلى الله عليه وسلم تارة أخرى، وأحياناً يحلفون بالشرف. وهذه الممارسات، وإن رآها البعض عادية، إلا أنها تعيد إحياء مظاهر الحلف بغير الله وتُرسِّخ خطورته في الوعي العام.
بل قد يتجاوز الأمر الحلف بالأشخاص أو الأماكن المقدسة ليشمل الحلف بالنعمة أو بالطلاق، وهي من الأمور التي ينبغي التنبه لها. فالحلف بالنعمة يوحي بإعطائها منزلة لا تليق إلا بالله، بينما الطلاق شرعه الله لمقصد محدد وليس مجالاً للقسم به. وقد يتساهل بعض الناس أكثر، فيحلفون بأشياء تافهة لا قيمة لها، كالحلف بالسيجارة أو بغيرها من الأمور الدنيوية الزائلة. وهذا كله يدل على استهانة بمفهوم القسم وعظمته، ويفتح الباب للتوسع في الحلف بغير الله، حتى يصير مدخلًا إلى الشرك الأكبر.
وقد نص العلماء على خطورة ذلك بعبارات واضحة. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «الحلف بغير الله مثل أن يحلف بالكعبة، أو بالنبي، أو بغيرهما من المخلوقات، فهو منهي عنه، وهو من الشرك، كما في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك). ولكن الشرك منه ما هو أكبر يخرج من الإسلام، ومنه ما هو أصغر لا يخرج من الإسلام. فالحلف بغير الله قد يكون شركًا أصغر، وقد يكون أكبر بحسب حال الحالف؛ فإن اعتقد أن المحلوف به يعظم كتعظيم الله كان شركًا أكبر» (مجموع الفتاوى 1/201).
وقال تلميذه الإمام ابن القيم رحمه الله: «وأما الحلف بغير الله، كالحلف بآبائه، أو بالكعبة، أو بغير ذلك من المخلوقات، فهذا من الشرك. قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من حلف بغير الله فقد أشرك). ولا ريب أنه شرك أصغر، وقد يصير أكبر إذا اعتقد في المحلوف به ما يعتقد في الله تعالى» (إعلام الموقعين 3/38).
ويكمن الخطر في الحلف بغير الله في أنه ينطوي على نوع من التعظيم للمخلوق يضاهي تعظيم الخالق، وقد يؤدي إلى الاعتقاد بنفع أو ضر من المحلوف به بذاته، فضلاً عن كونه مخالفة صريحة لأمر النبي صلى الله عليه وسلم. وقد أدرك الصحابة هذا المعنى، فقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «لأن أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا» (أخرجه الطبراني في الكبير وصححه ابن حجر).
ومن هنا يتبين أن الشرك الأصغر ليس هيِّنًا، بل هو خطوة نحو الشرك الأكبر، ومن وقع فيه فعليه أن يسارع بالتوبة والاستغفار، وأن يعزم على عدم العودة، فالتوبة تمحو الذنوب، والله غفور رحيم بعباده. فلنحرص جميعاً على صيانة توحيدنا وتخليصه من كل ما يشوبه، ولنجعل أيماننا بالله وحده، إجلالاً لعظمته وتوحيداً خالصاً له سبحانه.
الهندي عزالدين التحية لجيشنا العظيم ومنظومة الصناعات الدفاعية
ودّعنا فجر أمس ، من محطة السد العالي في “أسوان” الجميلة الرائعة ، ركاب القطار …