‫الرئيسية‬ مقالات التعليم .. صرخة في وادي الصمت  التعليم في السودان منذ ثورة ديسمبر… من سيئ إلى أسوأ  بِقَلَمِ: عَبَّاس الخِدِيوِي
مقالات - ‫‫‫‏‫5 أيام مضت‬

التعليم .. صرخة في وادي الصمت  التعليم في السودان منذ ثورة ديسمبر… من سيئ إلى أسوأ  بِقَلَمِ: عَبَّاس الخِدِيوِي

التعليم .. صرخة في وادي الصمت   التعليم في السودان منذ ثورة ديسمبر… من سيئ إلى أسوأ   بِقَلَمِ: عَبَّاس الخِدِيوِي

منذ أن انطلقت شرارة ثورة ديسمبر 2018، ارتفعت شعارات الحرية والسلام والعدالة، وتعالت الآمال بأن يكون التعليم في مقدمة قطارات الإصلاح الوطني. فقد كان الشعب السوداني يتطلع إلى مدرسة جديدة تنشئ أجيالاً حرة، وجامعة تنير العقول وتبني المستقبل. لكن، وبعد أكثر من ست سنوات على الثورة، يجد السودان نفسه أمام واقع تعليمي أكثر قتامة مما كان عليه قبلها.

 

– لقد انتقل التعليم في بلادنا من حالة الضعف المزمن إلى مرحلة الانهيار شبه الكامل، حتى غدا الحديث عن إصلاحه ضرباً من الترف الفكري وسط واقع سياسي وأمني واقتصادي متداعٍ.

 

♦️بين الحلم والخيبة:

 

– بعد سقوط النظام السابق، ظنّ كثيرون أن البلاد ستبدأ صفحة جديدة من النهضة التعليمية، غير أنّ ما حدث كان عكس التوقعات تماماً.

– فقد غابت الرؤية التربوية الموحدة، وتنازعت القوى السياسية السيطرة على وزارة التربية والتعليم، وأصبح التعيين في المناصب التربوية العليا محكوماً بالمحاصصة لا بالكفاءة.

 

– وبينما كان المعلم والطالب ينتظران إصلاح المناهج وتحسين البيئة الدراسية، جاء الواقع مثقلاً بالصراعات الفكرية والمزايدات الأيديولوجية، فغاب الاستقرار، وضاعت البوصلة.

 

♦️سياسة بلا رؤية.. وتعليم بلا سياسة :

 

– لم يعرف السودان منذ الثورة وزيراً للتربية والتعليم ظل في موقعه بما يكفي ليضع سياسة متماسكة.

كل مرحلة جاءت بقرارات جديدة تلغي ما قبلها، حتى تحوّل التعليم إلى ساحة تجريب دائم.

– تارة نُغيّر المناهج باسم الحداثة، وتارة نوقفها باسم الأصالة، وبين هذه وتلك ضاع جيل كامل من التلاميذ بين كتب قديمة وجديدة، وبين معلمين لا يعرفون ما المطلوب منهم بالضبط.

 

– القرارات المتعجلة والارتجالية أصبحت السمة الغالبة، فيما غابت الدراسات التربوية العلمية التي تبنى عليها السياسات الراشدة.

 

– وهكذا ظل التعليم رهينة الصراع السياسي، لا مشروعاً وطنياً يعلو فوق الجميع.

 

♦️اقتصاد ينهار… ومدارس تتساقط :

 

– لم يكن حال الاقتصاد بأفضل من حال السياسة، فحين انهارت قيمة الجنيه وارتفعت الأسعار، أصبح التعليم رفاهية لا يقدر عليها كثير من الأسر.

 

– المدارس الحكومية باتت بلا تجهيزات ولا صيانة، والكتب المدرسية تُطبع بجهود محدودة، والمعلم ـ الذي كان يوماً قدوة المجتمع ـ صار اليوم يبحث عن قوت يومه في مهن جانبية.

 

– لقد أصبح الفقر والتعليم خصمين لا يجتمعان في بيت واحد، وتراجعت نسب الالتحاق، وارتفعت معدلات التسرب، خاصة في المناطق الريفية والولايات المتأثرة بالحرب.

 

♦️الحرب… الضربة القاضية :

 

– ثم جاءت الحرب الأخيرة التي اندلعت في أبريل 2023 لتسدّ آخر النوافذ أمام الأمل.

 

– آلاف المدارس والجامعات دُمّرت أو أُغلقت، ملايين الطلاب نزحوا، وضاعت السجلات الدراسية والمكتبات والمعامل.

انقطعت الكهرباء والإنترنت، وتلاشت أي فرصة للتعليم الإلكتروني أو التعليم عن بُعد.

 

– في بعض المناطق، تحولت المدارس إلى ملاجئ للنازحين، وفي مناطق أخرى تُدار العملية التعليمية بمبادرات أهلية بسيطة تحاول حفظ الحد الأدنى من الارتباط بالعلم.

 

– لقد كانت الحرب بمثابة الإجهاز الكامل على ما تبقّى من النظام التعليمي في السودان.

 

♦️الهوية التربوية المفقودة :

 

– ومن المفارقات أن السودان، وهو بلد يمتلك إرثاً تربوياً ضخماً، أصبح اليوم بلا هوية تعليمية واضحة.

فالمناهج مضطربة بين فكرين: فكر يريد القطع مع الماضي، وآخر يريد تجميد الحاضر عنده.

 

– المدارس لا تعرف مرجعيتها، والولايات والمدارس الخارجية تطبع كتباً مختلفة، وبعضها يستعين بمواد من دول الجوار أو من الإنترنت.

 

– في غياب هيأة قومية فاعلة للمناهج، أصبح التعليم بلا ملامح، والجيل الجديد بلا بوصلة فكرية ولا وطنية.

 

♦️ المعلم… الضحية الكبرى :

 

– المعلم السوداني، الذي كان يوصف بأنه مهندس العقول وصانع المستقبل، أصبح اليوم أحد أكثر ضحايا المرحلة قهراً.

ضعف المرتب، وغياب الحافز، وانعدام التدريب والتأهيل، جعل كثيراً من المعلمين يفقدون الثقة في مهنتهم، بل وفي الدولة نفسها.

 

– النتيجة كانت واضحة: تراجع الأداء التربوي، وضعف التحصيل، وغياب القدوة داخل المدرسة.

 

♦️الجامعة السودانية… صرح يتهاوى :

 

– الجامعات لم تسلم من الانهيار أيضاً.

الإضرابات، وانعدام التمويل، ثم الحرب، أغلقت أبوابها لأشهر وسنوات.

 

– هاجر الأساتذة، وتشتت الطلاب بين ولايات ودول، وغابت الوزارة عن المشهد تماماً.

 

– إنها كارثة أكاديمية تهدد بإفراغ السودان من علمائه ومفكريه، وهو أخطر ما يمكن أن يحدث لأمة تريد أن تنهض.

 

♦️جيل بلا تعليم… وطن بلا مستقبل :

 

– إن أخطر ما في المشهد ليس فقط سوء الحاضر، بل ضياع المستقبل.

جيل كامل من الأطفال والشباب بات مهدداً بالجهل والأمية، في وقت تتقدم فيه الشعوب من حولنا بالمعرفة والابتكار.

التعليم هو عماد الأمن الوطني والتنمية، فإذا انهار، انهار معه كل شيء: الاقتصاد، والقيم، والانتماء، والهوية.

 

– لقد أصبحت الأمية الفكرية والعلمية تهدد النسيج الاجتماعي، وتخلق فجوة خطيرة بين من نال حظاً من التعليم ومن حُرم منه.

 

♦️ما الطريق إلى الإنقاذ؟ :

 

– إن إصلاح التعليم في السودان لم يعد ترفاً ولا خياراً مؤجلاً، بل هو قضية أمن قومي.

 

♦️ولا بد من خطوات عاجلة وحقيقية، منها:

 

– إعلان التعليم أولوية وطنية فوق الخلافات الحزبية.

 

– إنشاء مجلس وطني أعلى للتعليم يضع سياسات طويلة المدى.

 

– اعتماد التعليم المجتمعي والإذاعي والتعليم المدمج في المناطق المتأثرة بالحرب.

 

– تحسين أوضاع المعلمين مهنياً ومعيشياً، فهم العمود الفقري لكل إصلاح.

 

– إعادة بناء المناهج على أسس علمية ووطنية بعيداً عن الإيديولوجيا.

 

– استقطاب الدعم الدولي لإعادة إعمار المدارس والجامعات المتضررة.

 

♦️خاتمة ؛

 

– لقد أثبتت التجربة السودانية خلال السنوات الست الماضية أن الثورات لا تُصلح التعليم تلقائياً، ما لم تتوافر رؤية علمية ومؤسسية صلبة تقودها العقول لا الشعارات.

 

– التعليم في السودان اليوم يقف على حافة الهاوية، وما لم تُتخذ قرارات جذرية وشجاعة، فإننا سنواجه جيلاً ضائعاً بلا علم ولا هوية.

 

– إن إنقاذ التعليم ليس مسؤولية الحكومة وحدها، بل هو واجب وطني شامل تشترك فيه الدولة والمجتمع والمعلم والطالب والإعلام.

 

– فمن دون تعليمٍ سليمٍ، لا تقوم ثورة، ولا ولن تنجح .. ولا تُبنى دولة، ولا يُصان وطن.

‫شاهد أيضًا‬

وزير الشباب والرياضة يعلن استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصندوق في رعاية الطلاب 

أكد وزير الشباب والرياضة البروفيسور أحمد آدم أحمد ، استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصند…