رسالة عاجلة إلى الدبلوماسية العربية بقلم السفير. رشاد فراج الطيب

دخل العالم مرحلة تحوّل كبرى لم تعد فيها التوازنات القديمة قادرة على حماية المصالح أو صون السيادة أو حفظ الأمن القومي. ويجد العالم العربي نفسه اليوم أمام أخطر اختبار في تاريخه الحديث، اختبار يطال وجوده وهويته وموقعه في خريطة العالم، بينما تتبدّل موازين القوة من قطبية أحادية إلى تعددية مضطربة. وفي خضم هذا المشهد، تبدو الدبلوماسية العربية مطالبة بإعادة تعريف ذاتها ووظيفتها وأدواتها قبل فوات الأوان.
منذ عقود، فقدت الدبلوماسية العربية قدرتها على الفعل الجماعي، وتحولت إلى ردود أفعال متفرقة تُدار بمنطق اللحظة لا بمنطق المصلحة القومية. وحين تهبّ الأزمات في فلسطين أو السودان أو اليمن أو ليبيا أو سوريا، تبدو المواقف العربية مشتتة ومتناقضة، وكأنها لا تنتمي إلى فضاء واحد ولا إلى مصير مشترك.
لقد تآكلت قدرة النظام العربي الرسمي ومؤسساته على إنتاج موقف موحد، وتراجع تأثيره أمام القوى الإقليمية والدولية الطامعة التي ملأت فراغ الفعل العربي. فأصبح القرار العربي تابعًا لمعادلات الآخرين، لا فاعلًا فيها. ويتجلى ذلك بوضوح في مواقف بعض الأطراف العربية التي سارعت لتأييد خارطة الطريق التي فرضتها ما تُسمى بالرباعية على السودان، دون اعتبار لإرادة شعبه أو مصالحه الوطنية، في مشهد يعيد إلى الأذهان تجربة الانفصال السابقة التي فرضت على السودان بضغط غربي وإسرائيلي.
ومثل ذلك حدث مع خطة ترامب التي نالت تأييدًا عربيًا متعجلًا رغم ما تنطوي عليه من مخاطر على الشعب الفلسطيني، إذ لم تمنحه الخطة سوى “حق النجاة” من الإبادة، دون أي ضمانات حقيقية لحقه في الدفاع عن نفسه أو إقامة دولته المستقلة.
إن التحولات الجيوسياسية الراهنة من صعود آسيا إلى تصدع الغرب، ومن حرب غزة إلى انكشاف هشاشة النظام الدولي تفرض على الدبلوماسية العربية أن تتصرف بعقل استراتيجي جديد، لا بعقل المراسم والبيانات الشكلية. فالعالم لا يحترم من يكتفي بالمشاهدة، ولا يعبأ بمن يكتفي بالاستنكار اللفظي.
القضية الفلسطينية، كما قضايا السودان واليمن وليبيا، هي محكّ الضمير العربي ومقياس صدقية الإرادة السياسية العربية. فقد كشفت مأساة غزة وعدوان المرتزقة على السودان حدود العجز العربي، وأظهرت أن الدبلوماسية التي لا تملك أدوات ضغط ولا رؤية استراتيجية، تبقى صوتًا بلا صدى.
إن استعادة الدور العربي لا تكون بالشعارات، بل بتجديد أدوات العمل الدبلوماسي. فالتنسيق العربي في المحافل الدولية يجب أن يتحول إلى موقف موحّد، لا بيانات متفرقة. كما ينبغي تفعيل القوة الناعمة العربية
في الإعلام والثقافة والتعليم لتصبح رواية العرب جزءًا من الوعي العالمي لا الهامش المنسي فيه.
وعلى الدبلوماسية العربية أن تتعامل بندّية مع القوى الكبرى، وتحرر قرارها من الارتهان، وأن تُحسن استثمار الثروات العربية المشتركة لبناء عناصر القوة التي تحمي القرار والمصالح والحقوق. كما أن إحياء الدبلوماسية الشعبية وبناء لوبي عربي فاعل في الغرب أصبح ضرورة استراتيجية لصناعة قرار مستقل ومتوازن.
إن الدبلوماسية العربية التي نحتاجها اليوم هي دبلوماسية الموقف لا المجاملة، والفعل لا الشكوى، والتواصل لا العزلة. وهي التي تُدرك أن الدفاع عن فلسطين ليس شأنًا فلسطينيًا بل دفاع عن هوية الأمة ومقدساتها وشرعيتها التاريخية، وأن حماية فلسطين والسودان وسوريا واليمن وليبيا ليست قضايا داخلية، بل صون لما تبقى من الجغرافيا السياسية العربية قبل أن تبتلعها مشاريع التقسيم والتدويل.
إن الرسالة العاجلة اليوم إلى الدبلوماسية العربية هي أن تستيقظ من سباتها البروتوكولي، وتستعيد شجاعتها الأخلاقية والسياسية، فالعالم يتغير بسرعة، ومن لا يملك المبادرة يصبح تابعًا في أجندة الآخرين. إن وحدة الموقف العربي لم تعد ترفًا بل شرط بقاء، ولن يكون للعرب صوت في النظام الدولي القادم ما لم يملكوا إرادة سياسية موحدة ودبلوماسية تعرف أن الكرامة لا تُستجدى بل تُفرض فرضًا.
* باحث في العلاقات الدولية
وزير الشباب والرياضة يعلن استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصندوق في رعاية الطلاب
أكد وزير الشباب والرياضة البروفيسور أحمد آدم أحمد ، استعداد وزارته للتعاون الكامل مع الصند…