‫الرئيسية‬ مقالات الرباعية، التدخل الأجنبي، ومسؤولية القانون الدولي بقلم د. النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات
مقالات - ‫‫‫‏‫12 ساعة مضت‬

الرباعية، التدخل الأجنبي، ومسؤولية القانون الدولي بقلم د. النذير إبراهيم محمد أبوسيل المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

الرباعية، التدخل الأجنبي، ومسؤولية القانون الدولي  بقلم د. النذير إبراهيم محمد أبوسيل  المستشار القانوني الدولي – مبعوث المحكمة الدولية لتسوية المنازعات

في لحظة دقيقة من تاريخ السودان، يطفو على السطح سؤال قانوني ودبلوماسي كبير:

من خول “الرباعية” أن تمنح نفسها صلاحياتٍ تتجاوز حدود الشرعية الدولية لتفرض قراراتها وتوجهاتها على دولةٍ ذات سيادة؟

من أعطاها التفويض لتملي على الشعب السوداني ومؤسساته الوطنية مساراتٍ سياسية وأمنية واقتصادية دون مرجعية قانونية صادرة من الأمم المتحدة أو مجلس الأمن الدولي؟

إنَّ ما يجري من تدخلٍ مباشر أو غير مباشر في الشأن السوداني، تحت مسميات “الوساطة الدولية” أو “الرعاية الإقليمية”، يمثل تجاوزًا صريحًا لمبادئ القانون الدولي العام، وللمادة (2/7) من ميثاق الأمم المتحدة التي تنص بوضوح على:

“ليس في هذا الميثاق ما يُجيز للأمم المتحدة أن تتدخل في الشؤون التي تكون من صميم السلطان الداخلي لأي دولة.”

فكيف بكيانات إقليمية أو مجموعات سياسية تمنح نفسها حق الوصاية على دولة عضو في الأمم المتحدة؟

الوساطة المنحازة تُفقد مشروعيتها

تُظهر تقارير أممية وصحفية أن بعض الدول المشاركة في ما يسمى بـ“الرباعية” قد فقدت صفة الحياد التي تُعدّ شرطًا جوهريًا في أي وساطة أو تسوية نزاع بموجب اتفاقية لاهاي لعام 1907 الخاصة بتسوية المنازعات الدولية بالطرق السلمية.

فحين يتحول الوسيط إلى طرفٍ ذي مصلحة، أو داعمٍ عسكري ومالي لطرفٍ في النزاع، فإنه يفقد شرعيته القانونية والدبلوماسية، وتتحول وساطته إلى تدخلٍ غير مشروع يخلّ بمبدأ المساواة بين الأطراف.

الدعم الخارجي للميليشيات: مسؤولية دولية وجنائية

في الحالة السودانية، تشير الأدلة والتحقيقات الدولية – ومنها تقارير The Guardian وReuters – إلى أن الدعم الخارجي لبعض المليشيات، بما في ذلك مليشيا ال دقلو الإرهابية، ساهم في إطالة أمد الحرب، وإحداث كوارث إنسانية مروّعة في دارفور والفاشر تحديدًا.

تجويع المدنيين، تدمير المرافق الصحية، ومنع وصول الإغاثة الإنسانية، كلها تشكل انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي، لا سيما أحكام اتفاقيات جنيف الأربع لعام 1949 والبروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، التي تُلزم الأطراف – والدول الداعمة لها – بحماية المدنيين وعدم استهدافهم أو تعريضهم للمجاعة كوسيلة من وسائل الحرب.

ويتحمل أي طرف خارجي يقدّم تمويلاً أو تسليحًا أو غطاءً سياسياً لجماعات مسلحة مسؤوليته القانونية بموجب المواد 16 و41 من مشروع لجنة القانون الدولي لعام 2001 بشأن مسؤولية الدول عن الأفعال غير المشروعة دولياً، والتي تنص على أن:

“كل دولة تساعد أو تدعم دولة أخرى في ارتكاب فعل غير مشروع دولياً تتحمل المسؤولية القانونية عن ذلك الفعل.”

كما قد تمتد هذه المسؤولية إلى الأفراد بموجب نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المواد 25 و28)، الذي يقرّ بمسؤولية كل من يموّل أو يسهل أو يشارك في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.

السيادة الوطنية ليست قابلة للمقايضة

إن فرض حلول أو برامج سياسية واقتصادية من خارج الإرادة الوطنية، أو منح الرباعية لنفسها صلاحيات تتجاوز تفويض الأمم المتحدة، يُعد انتهاكًا لمبدأ السيادة وعدم التدخل المنصوص عليه في قرار الجمعية العامة رقم 2625 لعام 1970 (إعلان مبادئ القانون الدولي).

فهذا القرار يؤكد أن “لكل دولة الحق في اختيار نظامها السياسي والاقتصادي والاجتماعي دون تدخل خارجي بأي شكل من الأشكال.”

السودان ليس ساحة اختبار للمصالح الدولية، بل دولة ذات سيادة كاملة وعضو مؤسس في الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي.

القرارات المتعلقة بمستقبله يجب أن تصدر من إرادة شعبه ومؤسساته الدستورية، لا من اجتماعات مغلقة لجهات أجنبية تعمل بمعزل عن أي تفويض قانوني.

دعوة للمجتمع الدولي

بوصفي خبيراً في القانون الدولي ومستشاراً للمحكمة الدولية لتسوية المنازعات، أوجه دعوة صريحة ومسؤولة إلى المجتمع الدولي:

1. ضمان حياد الوسطاء: لا وساطة دون حياد، ولا تسوية عادلة برعاية من يملك مصلحة في استمرار النزاع.

2. تحقيق دولي مستقل: حول التدخلات الخارجية ودعم الميليشيات في السودان، تحت إشراف الأمم المتحدة والمحكمة الدولية.

3. حماية المدنيين فوراً: تطبيق المواد (3 المشتركة) من اتفاقيات جنيف وفرض ممرات إنسانية آمنة للفاشر ودارفور.

4. مساءلة الدول والأفراد: تطبيق قواعد المسؤولية الدولية ومحاسبة من يثبت تورطه في دعم الجرائم ضد الإنسانية، وفقاً للمادتين (25) و(28) من نظام روما الأساسي.

5. احترام سيادة السودان: باعتباره مبدأً غير قابل للتجزئة، وفقاً للمادة (1/2) من ميثاق الأمم المتحدة.

في الختام: كلمة القانون والضمير

ليست هذه الكلمات دعوةً للخصومة، بل نداءً للضمير الدولي بأن الكيل بمكيالين في تطبيق القانون الدولي يُفقد المنظومة الأممية مصداقيتها.

السلام في السودان لن يُبنى بالوصاية الخارجية، بل عبر عملية وطنية سودانية خالصة مدعومة من مؤسساتٍ دولية محايدة تحترم القانون وتُعلي قيم العدالة والإنسانية.

إن التاريخ لن يرحم من تاجر بدماء الأبرياء، ولن يغفر للعالم صمته أمام تدخلاتٍ تُغذّي الحرب وتُطفئ شعلة السلام.

فإما أن ينتصر صوت العدالة، أو يسقط النظام الدولي رهينةً لمصالح لا تعرف سوى لغة القوة.

‫شاهد أيضًا‬

القوات المسلحة تفشل اربع محاولات تسلل للمليشيا عبر محاور مدينة الفاشر

تصدت القوات المسلحة والمستنفرين وقوات العمل الخاص والشرطة والمخابرات والمقاومه الشعبية لأر…