‫الرئيسية‬ مقالات المواطنة المشروعة لا تُجزَّأ جغرافياً :ولاية الجزيرة أنموذجاً قريب الله العوض 
مقالات - ‫‫‫‏‫7 ساعات مضت‬

المواطنة المشروعة لا تُجزَّأ جغرافياً :ولاية الجزيرة أنموذجاً قريب الله العوض 

المواطنة المشروعة لا تُجزَّأ جغرافياً :ولاية الجزيرة أنموذجاً  قريب الله العوض 

عندما تتبنى الدولة نظرة دونية لسكان الريف والقرى، وتتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية، فإنها لا تقوض فقط أسس العدالة الاجتماعية، بل تنخرط في ممارسة ظالمة تهدد النسيج الوطني بأكمله. وهذه المعادلة تتجلى بوضوح مؤلم في حالة ولاية الجزيرة.

 

فسكان الريف في الجزيرة، وعموم السودان، ليسوا مجرد أرقام أو كيانات هامشية، بل هم شركاء أساسيون في بناء الدولة والإنتاج. وهم الذين يزرعون الأرض، ويربون المواشي، ويمدون المدن بالغذاء واليد العاملة. لكن إهمال الريف هناك يعني، حرفياً قطع شريان الحياة.

 

إن الحرمان المتعمد الذي تعانيه قرى ومدن ولاية الجزيرة من البنية التحتية الأساسية، لا سيما الصحية منها، قد حوَّل الحياة إلى جحيم لا يطاق. فتفشي أمراض قاتلة مثل الملاريا والضنك والكبد الوبائي، دون وجود مستشفيات مجهزة أو مراكز صحية كافية أو أدوية أساسية، هو صورة بشعة للتهميش. أن تذهب أرواح الأطفال والكبار ضحايا لأمراض يمكن الوقاية منها وعلاجها، في منطقة زراعية حيوية، هو إعلان صريح عن انهيار مفهوم المواطنة المتساوية.

“ولا حياةَ لمَن تنادي” أصبحت واقعًا مريرًا يعيشه أهالي المنطقة يومياً ، حيث تُحصد الأرواح دون أن يتحرك ساكنٌ حقيقي لإنقاذهم.

 

هذا الإهمال ليس بمعزل عن سياسة أوسع. فاهتمام الدولة شبه المنحصر بإعمار المراكز الحضرية على حساب الريف، هو نوع من الممارسات الظالمة التي تخلق فجوة عميقة من الحرمان. هذا الحرمان يولد شعوراً قوياً بالإحباط والغبن، مما يدفع بأبناء هذه المناطق إما إلى الهجرة أو إلى الانكفاء على الذات وفقدان الثقة في الانتماء إلى وطن يتخلى عنهم.

 

إن مستقبل السودان يرتبط ارتباطاً وثيقاً بقدرته على تحقيق التكامل بين جميع أقاليمه وجميع فئات سكانه. فالمواطنة الحقيقية لا تتجزأ ولا تقبل التصنيف على أساس الجغرافيا.

عندما نهمش الريف، كما يحدث في الجزيرة، فإننا لا نهمش مكاناً على الخريطة، بل نهمش جزءاً أساسياً من هويتنا ووجودنا وجذورنا.

 

لذلك، يجب أن تتحول النظرة إلى هؤلاء السكان لترى فيهم شركاء في التنمية وعناصر فاعلة في صنع المستقبل، وليسوا متلقين سلبيين للسياسات أو متسولين للخدمات.

فقط بتحقيق المساواة الحقيقية، ورَدِّ الاعتبار لسكان الريف، وبناء مستشفيات مجهزة ومدارس ذات جودة وطرق ممهدة، يمكن للسودان أن يبني مستقبلاً قائماً على أسس متينة من العدل والكرامة للجميع. فإن إنقاذ الأرواح في ولاية الجزيرة اليوم هو إنقاذ لضمير الأمة وغدها.

‫شاهد أيضًا‬

مجلس السيادة يحسم الجدل بشان ماتردد عن مفاوضات مع المليشيا

مجلس السيادة الانتقالي ينفي بشكل قاطع ما تم تداوله في بعض الوسائل الإعلامية ومواقع التواصل…