الخليج الجديد في عيون ترامب… إعادة تشكيل أم تحالف مصالح؟ عبدالمنان ابكرعمر

في أول زيارة خارجية له بعد إعادة انتخابه توجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى منطقة الخليج مكتفيًا بزيارة ثلاث دول فقط هي المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة، ودولة قطر في تجاهل واضح لبقية دول مجلس التعاون الخليجي (كويت، عمان، البحرين) . هذه الخطوة أثارت تساؤلات عدة حول دلالاتها السياسية والاستراتيجية وأعادت إلى الواجهة نقاشات حول مستقبل التكتلات الإقليمية ودور أمريكا في إعادة رسم خرائط النفوذ في الشرق الأوسط.
من خلال تتبع مسار الزيارة يتضح أن الدول الثلاث التي شملتها جولة ترامب ليست اختيارات عشوائية. فكل منها يلعب دورًا محوريًا في ترتيبات جديدة يجري نسجها في المنطقة.
المملكة العربية السعودية بقيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان تشهد تحولات جوهرية عبر (رؤية المملكة 2030) التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد والانفتاح الاجتماعي والثقافي بعيدًا عن القيود الدينية التي طبعت العقود الماضية. السعودية تمثل الحليف الاقتصادي والاستراتيجي الأكبر في الخليج وكانت في صدارة من وافقت على عبور الطيران الاسرائيلي في اجوائها ما يعكس توجهاً للتقارب مع إسرائيل برعاية أمريكية.
الإمارات العربية المتحدة تمثل مركز الثقل التجاري والمالي في الخليج وكانت في صدارة من وقع على اتفاقيات الديانه الابراهيمية في اطار ما يعرف ب(صفقة القرن) وذلك في سبتمبر ٢٠٢٠ وتتمتع بعلاقات راسخة مع الولايات المتحدة وإسرائيل مما يجعلها قناة مثالية لتمرير المشاريع الغربية في المنطقة لا سيما تلك ذات الطابع الاقتصادي والتكنولوجي.
دولة قطر رغم خصوصيتها السياسية تضم أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة (قاعدة العديد) وتمتلك نفوذاً دبلوماسياً واسعاً في عدد من الملفات من ليبيا إلى أفغانستان ما يجعلها شريكاً استراتيجياً يصعب تجاهله.
اللافت أن زيارة ترامب لم تتطرق إلى ملفات حساسة تشغل الرأي العام الإقليمي مثل الأزمة السودانية أو الملف النووي الإيراني. ويبدو أن الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة ترامب تسعى هذه المرة لتجنب الانخراط في صراعات مفتوحة مفضلة التركيز على الملفات الاقتصادية والعقود الاستثمارية. فبحسب مصادر مطلعة حصلت الولايات المتحدة خلال هذه الزيارة على التزامات مالية بمليارات الدولارات من الدول الثلاث في إطار صفقات تسليح واستثمار مشترك تؤكد مرة أخرى الطابع النفعي للزيارة.
ترامب الذي سبق أن قال إن (أمريكا لن تحارب من أجل الآخرين) يبدو أكثر ميلاً الآن لتكريس نهج الانسحاب الاستراتيجي مقابل فرض الهيمنة الاقتصادية وهو ما ينعكس بوضوح في مقاربة (السلام الاقتصادي) بدل الحروب العسكرية.
تجاهل بقية دول مجلس التعاون الخليجي (الكويت، عمان، والبحرين) يطرح تساؤلات حول مستقبل هذا الكيان الإقليمي. هل نحن أمام إعادة هيكلة داخلية تضع القرار الخليجي في يد محور ثلاثي (السعودية، الإمارات، قطر)؟ هذا الاحتمال تعززه التحولات المتسارعة في مواقف تلك الدول ومدى اندماجها في مشاريع التطبيع والتحالفات الجديدة مع القوى الغربية.
وفي ظل التوترات المتكررة داخل المجلس منذ أزمة حصار قطر عام 2017، وفقدان الإجماع الخليجي التقليدي يبدو أن الولايات المتحدة تراهن اليوم على الدول (الفاعلة اقتصاديًا والداعمة للمشاريع الدولية) أكثر من حرصها على وحدة الكتلة الخليجية ككل.
الزيارة تطرح أيضًا علامات استفهام حول مستقبل الأجسام الإقليمية في الشرق الأوسط. فالعالم يشهد منذ سنوات توجهاً واضحاً نحو تهميش الهياكل الجماعية سواء كانت قومية كجامعة الدول العربية أو اقتصادية كالاتحاد المغاربي أو سياسية كمنظمة التعاون الإسلامي. وقد تكون هذه استراتيجية دولية تهدف إلى تفكيك القوى الإقليمية إلى محاور منفصلة يسهل التحكم بها سياسيًا واقتصاديًا.
وفي هذا السياق تأتي حادثة انسحاب أمير قطر من القمة العربية في بغداد قبل إلقاء كلمته لتزيد من ضبابية المشهد وتعكس حجم التباين في الرؤى والمصالح بين الدول العربية حتى في القضايا المشتركة.
ما بين تحولات داخلية كبرى في السعودية وانفتاح إماراتي متسارع ودور دبلوماسي قطري حيوي تتبلور ملامح مشهد خليجي جديد لا يعتمد على التوافق الشامل بل على تحالفات نفعية قائمة على المصالح المشتركة مع القوى الكبرى. زيارة ترامب تؤكد أن الولايات المتحدة تعيد تموضعها في المنطقة وفق حسابات اقتصادية صرفة مع حرصها على ترك ملفات الصراع جانبًا. وفي ظل هذا التوجه يصبح مستقبل مجلس التعاون الخليجي رهنًا بقدرة دوله على التكيف مع معادلة (الفاعلية مقابل الشمول) والتوازن بين التحالفات الدولية والمصالح الداخلية.
18/5/2025
في رحاب الوطن استفتاء شعبي بدون توجيه أو عنوان كتب /اسامه مهدي عبد الله
اليوم السبت الموافق ١٣/١٢/٢٠٢٥م ، كان يوم تاريخي في السودان ، يوم النداء عبر الميديا ابقوا…





