‫الرئيسية‬ مقالات أصل-القضية حين تفقد الدولة وزنها النوعي… ذاكرة الانهيار البطيء محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب
مقالات - ‫‫‫‏‫أسبوعين مضت‬

أصل-القضية حين تفقد الدولة وزنها النوعي… ذاكرة الانهيار البطيء محمد أحمد أبوبكر باحث بمركز الخبراء العرب

“الوزن النوعي” في العلم هو مقياس لكثافة الشيء مقارنة بغيره من نفس الحجم. أما في السياسة والإدارة، فهو مقياس للهيبة، والكفاءة، والقدرة على التأثير رغم تشابه المساحات والوظائف. حين تفقد الدولة هذا “الوزن النوعي”، فإنها قد تبدو قائمة… لكنها منخورة من الداخل، مثل عمارة فخمة بأساسات من قش.

 

تخيل أن الوطن تحوّل إلى غرفة عمليات…

لكن لا أحد في الداخل يقرأ مؤشرات الخطر،

النبض يضعف… والدم يتجلّط في شرايين القرار،

ومع ذلك، تُرفَع التقارير وكأن كل شيء على ما يرام.

 

هذا ليس خيالًا… هذا السودان حين يُدار دون معيار.

وهنا، أصل القضية.

 

(١) حجٌّ بلا مبيت: الدولة حين تُفلت من يدها لحظةً مقدسة

في كل عام، يحج المسلمون من أطراف الأرض إلى بيت الله الحرام،

لكن في حج هذا العام، كانت عيون السودانيين هي الحُجّاج… تبكي قبل أن تبتهل.

فالمشاهد تعاد بذات السيناريو …

 

مشاهد مروّعة، كأنك في فيلم وثائقي عن التشرد:

 

مسنون يفترشون أرض الحرم… بلا فندق، بلا دليل، بلا خريطة.

 

مرضى يتنقلون بين البعثات الأخرى طلبًا لدواء أو حتى كلمة مواساة.

 

شيوخ أفنوا أعمارهم لينالوا لذة شعائر الحج… بلا طعام كافٍ، ولا برامج إرشادية، ولا احترام يليق بهم.

 

> العرض: هذا ما رأيناه.

المرض: بعثة بلا مفهوم مؤسسي، وفقدان للدور الأخلاقي للدولة في أقدس اللحظات.

الدواء: إعادة تعريف البعثة كمسؤولية سيادية، لا مقاولات سفر، وإخضاعها لمعيار “الكرامة أولًا” لا “اللوجستيات فقط”.

 

(٢) الخارجية السودانية: السفينة التي صارت بلا بوصلة

في قلب العاصمة، حيث تُصاغ السياسات وتُرسل البرقيات…

قصة أكثر هدوءًا، لكنها لا تقل فداحة.

دفعة كاملة من أبناء السودان، خضعوا لمعاينات صارمة في ٢٠١٨م،

اجتازوها ليس لأنهم “أقرباء أحد”، بل لأنهم أبناء الفكرة الوطنية، وأصحاب الكفاءة.

 

ثم… سُحبت السجادة بهدوء.

لا تفسير. لا اعتذار. لا تقدير.

 

تم الإعلان عن ذات الوظائف في ٢٠٢٠م، بشروط كفاءة أقل،

رغم توصية لجنة مختصة بمعالجة وضع دفعة ٢٠١٨م لأن من تم تعيينهم مؤخرا من دفعة ٢٠٢٠م… سقطوا في المعاينات!

 

> العرض: التعيينات لم تعد استحقاقًا… بل خيارًا مزاجيًا.

المرض: تغوّل منطق المحاباة على معيار الدولة، وإقصاء للرمزية الأخلاقية للمؤسسة الدبلوماسية.

الدواء: فتح تحقيق شفاف، وردّ الاعتبار للمجتازين المستحقين، وإقرار لائحة ملزمة بتعزيز الكفاءة لا المحسوبية.

الخارجية ليست صالة ضيافة، بل مصنع لصورة السودان في الخارج.

وعندما تُدار وفق مبدأ “التعيين بالألفة لا بالكفاءة”،

نحن لا نفقد وظيفة… بل نفقد رأس مال رمزي اسمه: الاحترام الدولي.

 

(٣) ما بين الحج والدبلوماسية… جذرٌ واحد للداء

قد يظنّ البعض أن ما حدث في الحج يخص وزارة،

وما حدث في الخارجية يخص مؤسسة أخرى،

لكن الحقيقة أن كلا الحدثين ينتميان إلى الجذر ذاته:

 

> العرض: تكرار الإخفاقات في ملفات سيادية مختلفة.

المرض: الارتباك العميق في إدارة الدولة، واختلال المعيار المرجعي الذي يجب أن يحكم الأداء.

الدواء: العودة إلى بناء منظومة الدولة وفق الوزن النوعي الحقيقي للكفاءات، لا الأوزان الوهمية للولاءات.

 

نحن لا نعاني من نقص في العقول،

بل من فائض في “تجاهل العقول”،

ومن فقر في ثقافة تقييم الأداء على أسس موضوعية.

 

المؤسف أن الدولة تبدو أحيانًا وكأنها تُدار بروح “الاعتذار الوقائي”،

حيث يتم تبرير الفشل بدلًا من إصلاحه،

ويُطمس صوت الحق لصالح “أدب الصمت”.

 

(٤) ما لا يُقال… أكثر خطورة مما قيل

حين تسأل أحدهم: لماذا لم تُعيَّن دفعة ٢٠١٨م؟

تأتيك الإجابة كغمغمة… كهمهمة في قاعة مظلمة.

 

لكن الحقيقة الصادمة هي أن هناك منظومة ظل

تحرك بعض مفاصل القرار من خلف الستار.

وما لم يتم كشفها، سيظل الكفاءات في الانتظار،

وتظل الدولة في حالة “تحنيط مؤسسي”، عاجزة عن التجديد والتصحيح.

 

> العرض: دفعة وطنية تم تجميدها.

المرض: تغلغل مراكز النفوذ غير الرسمية في القرارات السيادية.

الدواء: كشف منظومة الظل، وتحرير الدولة من شبح “المراكز الخلفية”.

 

أصل القضية: لسنا ناقمين… نحن ناقلون لصرخة ستدوّي

هذا المقال ليس حروفًا كُتبت… بل شهادة وطنية توثّق انهيار صرح كان يمكن إنقاذه.

فإما أن تُكتب الإصلاحات بأيدٍ نظيفة،

أو نكتب قريبًا:

 

> “هنا دُفن وطن… اغتيل بالكتمان.”

‫شاهد أيضًا‬

السودان يدين الهجوم على قطر 

اصدرت وزارة الخارجية بيانا صحفيا ادانت فيه الهجوم على دولة قطر الشقبقة وفيما يلي نص البيان…