أوبريت الهجرة والاغتراب.. صوت الوطن في المهجر ندي عثمان عمر الشريف

لم يكن أوبريت الهجرة والاغتراب الذي خطّه الشريف زين العابدين الهندي مجرد عمل فني، بل كان مرآة صادقة لحال السوداني في المنافي، ووثيقة وجدانية ترسم تفاصيل الغربة كما تُحسّ لا كما تُقال.
الشريف لم يكتب عن الهجرة كمجرد انتقال مكاني، بل جعل منها مشهدًا وطنيًا عميقًا، تناول فيه الوجدان، والانتماء، والمآسي الصامتة التي يعيشها الآلاف خارج حدود الوطن. بكلماتٍ رقراقة، وصور شعرية آسرة، استطاع أن ينقل لوعة الغربة، وأن يجعل من “الاغتراب” عنوانًا لوطن بأكمله يبحث عن ذاته.وواحدة من أهم خصائص هذا الأوبريت، أنه لم يكن عملًا عامًّا أو فضفاضًا، بل قسّم أرض السودان منطقةً منطقة، وتحدث عن كل إقليم بخصوصياته، بعاداته، بتراثه، بطبائعه وكرم أهله. تحدث عن الجزيرة وسلة غذائها، عن كردفان ودفء إنسانها، عن الشرق ومينائه، عن دارفور وسلاسل جبالها، عن الشمال وتاريخه العريق، وعن النيل وخصوبته. كانت تلك التفاصيل بمثابة خريطة وجدانية للوطن، يعيد بها ربط المغترب بأرضه، لا جغرافيًا فقط، بل شعوريًا وقلبيًا.
ولم ينسَ الشريف حواء السودانية في هذا الأوبريت، بل خلدها في واحدة من أصدق وأجمل مقاطع العمل، حين قال:
منو الزيك ولد واستالد الأولاد،
منو الزيك يجيبهم ديمة عشرة انداد،
منو الزيك ببز الدنيا موية وزاد،
منو الزيك ضروع وزروع ونيل مداد…
إلى أن يختم بمخاطبة صميم الأنثى السودانية:
قشي الدمعة يابت الرجال ما بحكموك أولاد،
بت الحر وأم الحر وأخت الحر،
وست الضنبة مردوم بي وراهو بجر.
لقد رسم الشريف هنا صورة المرأة السودانية كأيقونة صمود وبذل وعطاء، حاملة للهوية، وسيدة للمواقف، وشريكة في كل تفاصيل الوجدان الوطني.
الأوبريت لم يكن فقط غناءً، بل مشروع وعي، ومبادرة انتماء.* حمل دعوة واضحة لإصلاح الداخل، حتى لا يُدفع الإنسان السوداني دفعًا نحو المنافي، وجاء في زمن كانت فيه الغربة قاسية، والهوية مهددة بالتآكل.
إن الهجرة والاغتراب بلسان الشريف زين العابدين، سيبقى من أصدق ما كُتب عن الغربة السودانية، ومن أقوى ما نُظِم في نداء العودة. هو صوت وطنٍ نُفي، لكنه لم ينسَ، وضمير شعبٍ يبحث عن لحظة رجوع تُعيد له طعمه، وشكله، وأمانه.
مسارات د.نجلاء حسين المكابرابي انتاج الفكرة الاقتصادية
دائما مانهتم بمتابعة الحداثة والتطوير في كافة انحاء العالم ، لكي نساهم في بناء السودان الج…