اتجاه البوصلة بقلم: أ. الجزولي هاشم مقومات النهوض الاجتماعي في المناطق المحررة

عندما تبدأ المجتمعات رحلتها من تحت أنقاض الحرب، فإن البناء لا يكون بالإسمنت والحديد وحده، بل بالإنسان أولاً. النهوض الاجتماعي في المناطق المحررة لا يأتي تلقائيًا بعد صمت البنادق، بل يتطلب *مقاربة شاملة ومركبة*، تبدأ من مداواة جراح الحرب، ولا تنتهي إلا بقيام مجتمع متماسك، عادل، ومنتج.

أولى المقومات هي *العدالة الانتقالية والمصالحة المجتمعية*، لا بمعناها القانوني البارد، بل بمعناها الأخلاقي والسياسي، الاعتراف بالضحايا، جبر الضرر، محاسبة الجناة، وبناء ذاكرة جماعية تحفظ الوجدان الوطني من النسيان أو التزييف.

ثم يأتي *التماسك المجتمعي*، باعتباره الصمغ الذي يعيد ربط النسيج الاجتماعي، من خلال إحياء قيم التآزر، الحوار، ونبذ الإقصاء، في مجتمع لا يُبنى بالسلاح، بل بالثقة.

أما *التعليم والإعلام* فهما الأداتان الأخطر: إما أن يعيدا إنتاج الصراع، أو يكونا سلاحًا تنويريًا في معركة الوعي، بتطوير مناهج السلام وتمكين الإعلام من قول الحقيقة.

لا نهوض دون *تمكين الشباب والنساء*، فهم روافع الإعمار وقادة المستقبل، عبر إدماجهم الواعي في كل مستويات التخطيط والتنفيذ.

وفي قلب هذا المشروع، لا بد من *فرض الأمن وحكم القانون*، وبناء أجهزة شرطة مجتمعية عادلة، ترسّخ سلطة الدولة وتوفر الطمأنينة للناس.*العدالة الاجتماعية* ليست شعارًا، بل استثمار في الصحة والتعليم، وردم للفجوة التنموية بين المناطق المتأثرة بالحرب وبقية أجزاء الوطن

وأخيرًا، لا مستقبل دون *رأس مال اجتماعي* جديد، قائم على الثقة المتبادلة والمشاركة الواسعة في صناعة القرار.

إذا اجتمعت هذه المقومات في رؤية وطنية واحدة، فإن السودان لا ينهض فقط، بل يُبعث من جديد، على أنقاض الحرب، وفي ضوء التضحيات العظيمة التي صاغت هذا التحول التاريخي.