‫الرئيسية‬ مقالات شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر. صراع الزمن والمستقبل: التراث السوداني بين فكي المأساة
مقالات - أغسطس 16, 2025

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر. صراع الزمن والمستقبل: التراث السوداني بين فكي المأساة

شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر.  صراع الزمن والمستقبل: التراث السوداني بين فكي المأساة

Ghariba2013@gmail.com

تعتبر الآثار رموزًا حية لهوية الشعوب وحضارتها، ومرآة تعكس عمق تاريخها وحكمتها. في السودان، وعلى وجه الخصوص في جزيرة مروي، تقف أهرامات البجراوية شامخة، شاهدة على حضارة عريقة، ولكنها اليوم تواجه تهديدات مزدوجة من تحديات الطبيعة وويلات الحرب.
في الوقت الذي خاطب فيه الفريق البرهان الأمة السودانية من إحدى المواقع الأثرية، في إشارة رمزية إلى ارتباط الحاضر بالماضي، أعلنت منظمة اليونسكو عن خطة عاجلة لحماية مواقع التراث العالمي في جزيرة مروي. هذا التزامن يكشف عن أزمة حقيقية: فبينما يتم استخدام التراث كرمز للشرعية السياسية، يعاني هذا التراث نفسه من إهمال وتدمير ناتج عن الحرب والظروف المناخية.
إن تزايد معدلات الأمطار وتراكم الكثبان الرملية يمثلان تحديًا كبيرًا للأهرامات الحجرية الهشة. هذه العوامل الطبيعية، التي تزداد شراسة بسبب تغير المناخ، تهدد بتآكل الأبنية وتلفها. وفي ظل غياب أنظمة تصريف المياه، تصبح المواقع الأثرية عرضة للضرر المباشر. هذا الخطر الطبيعي يتفاقم بسبب الحرب التي أدت إلى تشتت الكوادر المتخصصة، مما يترك هذه المواقع بلا حماية كافية في أحلك الظروف.
إن تدخل اليونسكو، من خلال برنامج المساعدة الدولية، يمثل بصيص أمل في الظلام. التدابير العاجلة مثل إزالة الكثبان الرملية وتنظيف الغطاء النباتي هي خطوات حاسمة لحماية المواقع من الأضرار الفورية. كما أن التعاون بين اليونسكو والخبراء المحليين يشكل أساسًا قويًا لجهود الحماية.
لكن هذه الإجراءات، وإن كانت ضرورية، لا تعالج المشكلة من جذورها. فالحرب التي تشهدها البلاد هي السبب الرئيسي وراء تشتت الكوادر ونقص الدعم المالي والفني المستدام. طالما استمر الصراع، ستبقى هذه الجهود مجرد مسكنات لا تعالج المرض الأساسي. الحفاظ على التراث يتطلب استقرارًا سياسيًا وأمنيًا يسمح بالعمل الميداني المستمر، وتوفير التمويل اللازم للترميم طويل الأمد، وإجراء الدراسات المتخصصة حول تأثيرات المناخ على المنطقة.
ان دعوة مدير موقع التراث العالمي في جزيرة مروي، محمود سليمان، إلى توفير دعم مالي وفني أكبر، ليست مجرد طلب، بل هي صرخة استغاثة لحماية رمز وطني. أهرامات البجراوية ليست مجرد أحجار، بل هي سجل فريد لتاريخ الملوك والملكات، ورمز للهوية الوطنية السودانية، وواجهة حضارية عالمية.
حمايتها ليست مسؤولية السودان وحده، بل هي مسؤولية دولية مشتركة. على المجتمع الدولي أن يدرك أن تدمير هذا التراث هو خسارة للبشرية جمعاء. إن توفير الدعم المستدام، سواء كان ماليًا أو تقنيًا، يجب أن يكون أولوية قصوى، خاصة في ظل الظروف الراهنة.
الحرب في السودان لا تهدد فقط حياة البشر ومستقبلهم، بل تهدد أيضًا إرثهم الحضاري الذي يعود لآلاف السنين. إن حماية أهرامات مروي هي حماية لذاكرة الأمة، وإثبات بأن قيم الحضارة والإنسانية يمكن أن تصمد في وجه الظلام.
ونحن من خلال منظمة “أصدقاء السياحة السودانية” التي اتشرف برئاستها، اعتدنا مبادرة لدعم جهود حماية التراث السوداني في ظل هذه الظروف الصعبة، وخاصة من خلال منظمة تطوعية مجتمعية لها تاريخ عريق في مجال السياحة والاثار والحياة البرية، ونعتبرها خطوة مباركة تعكس الوعي بأهمية هذا الإرث الحضاري. إن انخراط الشباب والمؤثرين في هذا المجال له تأثير بالغ، فهو لا يقتصر على تقديم الدعم المادي أو اللوجستي فحسب، بل يمتد ليشمل بناء الوعي العام وتغيير المفاهيم.
إن الدور الذي يمكن أن تلعبه المنظمة يتجاوز العمل الميداني ليشمل التأثير الرقمي والاجتماعي من خلال تقديم الدعم دعم عبر حملات التوعية الرقمية، بإطلاق حملات مكثفة على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة (فيسبوك، تويتر، إنستغرام، تيك توك) لتسليط الضوء على أهمية جزيرة مروي والتحديات التي تواجهها. باستخدام صورًا وفيديوهات جذابة، مع نشر معلومات دقيقة عن تاريخ الموقع وأهميته، وعن جهود اليونسكو والجهات المحلية.
استغلال تاثيرنا المباشر في أوساط الشباب لتشجيعهم على الانضمام إلى الجهود التطوعية في حال توفرت بيئة آمنة. بتنظيم ورش عمل افتراضية و ندوات عبر الإنترنت مع الخبراء والمسؤولين عن الموقع، لزيادة الوعي وتثقيف أعضاء المنظمة والمتابعين، وتوثيق الأوضاع الراهنة للموقع من خلال إنتاج محتوى مرئي عالي الجودة (صور وفيديوهات قصيرة) يظهر جمال الموقع من جهة، والتحديات التي يواجهها من جهة أخرى. هذا المحتوى يمكن أن يكون أداة قوية للضغط وكسب الدعم من الجهات المحلية والدولية.
بجانب مواصلة مجهوداتنا السابقة من خلال التواصل مع منظمات ومؤسسات أخرى، سواء كانت محلية أو دولية، تعمل في مجال التراث والثقافة، بهدف بناء شراكات وتبادل الخبرات. هذا التشبيك يفتح الباب أمام فرص جديدة للتمويل والدعم الفني.
في خضم الصراعات، غالبًا ما يُهمَل التراث الثقافي. لكن وجود منظمات مجتمعية مثل أصدقاء السياحة يعيد تسليط الضوء على هذه القضية، ويؤكد أن التراث ليس مجرد مسؤولية حكومية أو دولية، بل هو مسؤولية مجتمعية أيضًا. إن شغف والتزام الشباب السوداني هو الوقود الذي سيحافظ على شعلة الأمل في حماية هذا الإرث العظيم.
إن الأهرامات والمعابد ليست مجرد آثار، بل هي جزء من هويتنا الوطنية. بحمايتنا لها، نحن لا نحمي أحجارًا فقط، بل نحمي قصة السودان العظيمة.

‫شاهد أيضًا‬

حديث الكرامة كالوقي ..بشاعة المجازر تهز صمت المنابر الطيب قسم السيد

يبدو أن السودان قد احكم خطته لتعزيز مساره الدبلوماسي، بنهج فاعل ومؤثر،عبر المنابر الدولية …