شئ للوطن م.صلاح غريبة – مصر “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها”

Ghariba2013@gmail.com
في لحظة تاريخية فارقة، يخطو فيها السودان نحو مرحلة جديدة من التعافي وإعادة البناء، بعد سنوات عجاف ألقت بظلالها على كل شيء، يصبح من الضروري أن نتوقف لحظة لنتأمل ماضينا ونخطط لمستقبلنا. إنها مرحلة لا تقتصر على إعادة إعمار الحجر، بل تمتد لتشمل الأهم والأبقى: إعادة بناء الإنسان السوداني. وفي هذا السياق، تبرز أهمية التوعية بأسس ومبادئ تنمية الفكر، وعلى وجه الخصوص التفكير النقدي، ليكون بوصلة تقودنا في هذه الرحلة نحو فجر جديد.
لقد كان النبي المصطفى، صلى الله عليه وسلم، معلمًا وقدوة في هذا الباب. لم يكن مجرد ناقل للرسالة، بل كان مربيًا للعقول ومفجرًا للطاقات. كان يفتح أمام أصحابه آفاق الاجتهاد والتفكير الحر، لتتحول عقولهم إلى مساحات رحبة للإبداع والارتقاء. ولعلنا نجد في حديثه الشريف “إن من الشجر شجرة لا يسقط ورقها، وإنها مثل المسلم، فحدثوني ما هي؟” مثالاً حيًا على منهج العصف الذهني الذي كان يتبعه. لم يلقِ الإجابة مباشرة، بل أثار فضولهم وحثهم على التفكير، ليخرجوا بإجابات عميقة ومفاهيم راسخة. وفي النهاية، كانت الإجابة “النخلة”، هذا التشبيه العظيم الذي يربط المسلم الحق بالنخلة في دوام نفعها وثباتها، فلا يتوقف خيره ولا يسقط ورقه، بل يبقى شامخًا مثمرًا راسخًا على الحق.
في رحلة العودة والبناء، سنواجه الكثير من التحديات والأفكار التي قد تحاول النيل من وحدتنا وتماسكنا. وهنا، يكمن الدور الحيوي للتفكير النقدي. إنه ليس مجرد أداة للتحليل، بل هو درع حماية للعقل والوعي. فكما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفرح باجتهاد أصحابه، كما في قصة إرسال معاذ إلى اليمن، فإننا اليوم بحاجة إلى هذا الاجتهاد والفرح بالإبداع في التفكير. إن التفكير النقدي هو الذي يمكّننا من تمييز الحق من الباطل، وعدم التسليم لكل ما هو سائد أو يتم ترويجه، خصوصًا في عصر المعلومات المتدفقة.
إن هذا الفكر هو الذي سيساعدنا على بناء مجتمع أكثر وعيًا، قادر على حل مشاكله الداخلية بالحوار الهادئ والتفكير المتزن، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع الشاب الذي استأذنه في الزنا. لم ينهره، بل استثار فكره وغيرته وإنسانيته بأسئلة بسيطة وعميقة: “أتحبه لأمك؟ أتحبه لابنتك؟”. وهكذا، أعاده إلى صوابه ورشده. هذا النهج هو ما نحتاجه اليوم: حوارٌ يبني، لا يهدم، وفكرٌ يجمع، لا يفرق.
إن عملية البكرى التي نمر بها ليست مجرد جهود مادية، بل هي بناء لمستقبل الأجيال القادمة. يجب علينا أن نغرس في نفوس أبنائنا قيم الحوار، والتفكير المنضبط، والتساؤل. أن نعلمهم أن ديننا الحنيف هو دين فكر ومعرفة، وليس دينًا للجهل والتعصب. علينا أن نشجعهم على تدبر القرآن وتأمل آياته التي تحث على الفهم والتعقل: {أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ}، {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ}، {أَفَلَا يَعْقِلُونَ}.
الشخصية الواعية لا تنمو إلا إذا سُقيت بماء العلم والهداية. إنها أمانة في أعناقنا، كما ورد في الآية الكريمة {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. فتهلكة العقل بالجهل والتعصب لا تقل خطورة عن تهلكة الجسد بالضرر والإهمال. حفظ العقل والوعي هو أساس حفظ الوطن وإعماره.
لنجعل من مرحلة التعافي هذه قصة نجاح ملهمة، أساسها العقل الواعي، والفكر النقدي، والحوار البناء. لنتعاهد أرواحنا بالصفاء، وعقولنا بالنور، وأجسادنا بالصحة. فبناء الإنسان هو الطريق الأقصر لبناء الأوطان، وإصلاح العقل هو أساس كل إصلاح.
هل أنتم مستعدون لهذه المسؤولية الجسيمة؟
عناوين أهم الأخبار اليوم الأربعاء ٢٧ أغسطس ٢٠٢٥م
🔸 رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للقوات المسلحة يزور ولاية الجزيرة. 🔸البر…