‫الرئيسية‬ مقالات حركات الإسلام السياسي وعقدة الغرب سلسلة دراسات العالم الإسلامي والبدائل الاستراتيجية (8) البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن
مقالات - ‫‫‫‏‫10 ساعات مضت‬

حركات الإسلام السياسي وعقدة الغرب سلسلة دراسات العالم الإسلامي والبدائل الاستراتيجية (8) البروفيسور علي عيسى عبدالرحمن

الجمعة 29أغسطس 2025

*مفهوم العالم الغربي وحضارته*

العالم الغربي أو الغرب مصطلح متعدد المعاني وفقاً لسياق الحديث (أي حسب الفترة الزمنية والمنطقة والحالة الاجتماعية). وعليه فإن التعريف الأساسي لما يشكل “الغرب” غير ثابت حيث يتوسع ويتقلص مع الزمن وفقاً للظروف التاريخية المختلفة.

 

يعود مفهوم العالم الغربي في جذوره إلى الحضارة اليونانية والرومانية في أوروبا وظهور المسيحية والإنشقاق الكبير في القرن الحادي عشر الذي قسّم الدين إلى شطرين (شرقي وغربي ) .

في العصر الحديث تأثرت الثقافة الغربية بشكل كبير بتقاليد الثقافة المسيحية وعصر النهضة والتنوير والتوسعي الإستعماري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرواستخدم المصطلح من طرف الإتحاد السوفيتي وحلفائه خلال الحرب الباردة ضد أعدائهم .

 

في السياق السياسي والثقافي المعاصر يشير مصطلح العالم الغربي بشكل عام إلى دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية وإسرائيل وجنوب أفريقيا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A

 

الكثير من المؤرخين والمفكرين أعطوا لمفهوم الغرب دلالةً فكريةً ثقافيةً ووصفةً مفهوميةً نقلته من المعنى الجغرافي إلى معنى آخر جديد طغت عليه الرؤية الثقافية التي باتت تنظر إلى الغرب من منظور كونه واقعاً مفاهيمياً غير مرتبط بمنطقة جغرافية معينة كما كان عليه الحال في السابق.. وبهذه النظرة أو الرؤية أصبحت دولة مثل اليابان – الواقعة في أقصى الشرق – من الدول الغربية. انظر مؤمنون بلا حدود للدراسة والأبحا ث انظرhttp://www.mominoun.com/articles

 

أما الجذر الأساسي الذي ارتكز عليه الغرب في نشأته ونموه، فهو الجذر المغروس في عمق الحضارة اليونانية القديمة – حضارة العقل – التي شكّلت التربة والوعاء الحضاري الأهم الذي استقت منه أوروبا (والغرب عموماً) ازدهارها وتطوّرها وأسس تقدمها اللاحق بعد مرورها بأدوار وتطورات ثقافية وسياسية ومجتمعية أهلية شديدة التعقيد والتنوع… كما كان للمسيحية تأثير كبير أيضاً في ذلك أيضاً، خصوصاً بعد تبنيها واحتضانها من قبل الحضارة الرومانية.

 

*مكونات الحضارة الغربية المعاصرة* :

أولاً: حقائق رياضية أو طبيعية أو اجتماعية أو نفسية ثبتت صحتها بالتجربة الحسية أو البراهين العقلية.

ثانياً: نظريات علمية عن الطبيعة أو الإنسان فرداً أو جماعة وهى ثلاثة أنواع:

أ. نوع نجح في تفسير كثير من الظواهر ولم نجد ما يدل.

 

ب. نوع ما زال في طور التجربة.

ج. نوع ثبت بطلانه.

ثالثاً: تقنية تكاد تشمل كل جوانب الحياة كان تطور العلوم الطبيعية والرياضية سبباً فيها.

رابعاً: مهارات تقنية وادارية مبنية على تلك العلوم.

خامساً: تصورات دينية أو فلسفية للوجود ومكانة الإنسان فيه وللقيم الخلقية والجمالية ولعلاقة الفرد بالمجتمع.

سادساً: أدب وفن يعبر عن هذه التصورات.

سابعاً: أوضاع سياسية واقتصادية وعلاقات اجتماعية وعادات وتقاليد تسوغها تلك التصورات.

ثامناً: الفكر الغربي بشقيه الليبرالى والرأسمالي والأممي الشيوعي يمثل الأصل والإطار التصوري الشامل للحضارة الغربية وتمثل في ذات الوقت المعيار التقويمى للحق والباطل والخير والشر. للمزيد انظر الدعوة الإسلامية في العالم المعاصر، (مقال كتبه د. جعفر شيخ ادريسرحمه الله ضمن مقالات دار الصحافة بدون تاريخ) .

*موقف التيارات الإسلامية من الحضارة الغربية:*

 

لقد أصبحت قضية صراع الحضارات الآن احدى مشكلات الفكر الإسلامى المعاصر حيث فتنت الفكر الإسلامى وجعلته يتخبط في أمره وبدلاً من أن يكون تعدد الحضارات ظاهرة صحية في الفكر الإسلامي أصبح الأمر خلافاً لذلك حيث كانت سبباً في تخبط الفكر الإنساني وإحداث الأزمة بين المسلمين في العصر الحديث.

 

فقد انقسمت ردود الفعل الإسلامية حيال الحضارة الغربية الى ثلاثة إتجاهات:

الاتجاه الأوّل : يرى أنه لا بد من الإنكفاء على حضارتنا وترك الحضارة الغربية وشأنها والإبتعاد عنها حتى لا تشكك في معتقداتنا واختار أصحاب هذا الإتجاه العزلة لأنفسهم بسبب الفتنة.

الاتجاه الثاني : يرى ضرورة الأخذ بكل ما جاءت به الحضارة الغربية لأنه يمثل لنا الخلاص مما نحن فيه من تخلف وولسان حال هذا التجاهيقول : (كما ساعدتهم حضارتهم على التطور والتقدم فلا بد أن نأخذها حتي نتطور) وهؤلاء تعرفهم بسيماهم في لحن القول من العلمانيين والليبراليين .

 

الإتجاه الثالث : يرى ضرورة الأخذ بما جاءت به الحضارة الغربية في مجال العلم والتكنولوجيا على أن يحتفظ المسلمون بمبادئهم وقيمهم والتى هى أفضل من قيم ومبادىء الغرب وهذا هو الإتجاه التوفيقى الذى يعبر عن صوت العقل والحكمة ويدعو الى التعقل «إن ردود الفعل ضد الغرب تتخذ ثلاثة أشكال هي: الأول اتباع مسار العزلة وعدم المشاركة في المجتمع العالمي الذى يهيمن عليه الغـــــرب بيد أنها تتكلف تكاليف عالية ثمناً لمواقـــفها. الثانى محاولة الإنضمام الى الغرب وتقبل قيمه ومؤسساته، الثالث التحديث من دون التغريب أى محاولة التوازن انطلاقاً من الشكل المحلى».للمزيد انظر الإسلام والغرب والديمقراطية، ص 33.

 

أما عن مجموعة العزلة عن الغرب والذين يرون أن سبب دمار البشرية وخراب الأمم انما هو نتاج لحضارة الغرب يقول عنهم مالك بن نبى «محاربة الدين باسم الدين أهم شعار يمكن أن نصف به جماعة المفكرين المسلمين الذين لاذوا بالفرار عندما بهرتهم الحضارة الغربية ففضلوا الإستكانة والرجوع الى اسناد ظهورهم على جدران الحضارة الإسلامية لقد واجهتهم الحضارة الغربية بما بهرهم وسحر أبصارهم وبعث خيالهم الى استلهام مجد حضارتهم ورشف كؤوسهم على تعداد ما أنتجته الحضارة الإسلامية السالفة وبهذا يطمئنون أنفسهم بعباراتهم اللطيفة: إن بضاعتنا ردت إلينا وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإستعمار عمد مراراً الى تذكير المسلمين بماضيهم المجيد لا رغبة منه في الإعتراف بالجميل ومحاولة إيقاظهم من سباتهم الطويل، وإنما إسهاماً منه في منادمة هؤلاء المسلمين علي تجرع كأس المجد الذاهب والإستكانة الى الفخر به». انظر إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث مالك بن نبي، مكتبة عمار، 197، ص 23.

 

 

لاشك أن هؤلاء باتجاههم هذا إنما يشكلون موقفاً سلبياً تجاه التعامل مع الحضارة وهم بذلك إنما يخالفون الدين الذي يأمر بالتزود بالعلم والحكمة ويقدمون بالتالى نموذجاً شائهاً للإسلام الصحيح.

أما عن المجموعة التي رأت أن تتخذ من الحضارة الغربية هادياً ومرشداً فهى أيضاً أخطأت الفهم القويم لما ينبغى أن يكون عليه التعامل مع الحضارات وهو عدم التبعية وهم بذلك كأنما ينسلخون عن مبادئهم بحثاً عن مباديء مستوردة «وعلى الكفة الثانية، في ميزان إنقسام الفكر الإسلامى – نتيجة سيطرة الثقافة الغربية وانتشار حضارة الغرب – نجد فريقاً آخر يدعو الى تقليد حضارة الغرب في مجاليها المادى والمعنوى وإذا كان الفريق الأول قد فضل الوقوف على أطلال مجده، فإن الفريق الثانى فضل أن يأخذ الطعام جاهزاً من مائدة الحضارة المتاخمة لحدوده فاقبل على استيعاب هذه الحضارة بعقلية المغلوب، مفتقداً قوة النقد والتمييز، متذرعاً بأن كل ما يأخذه عن سيده يعد معيار الجودة والصواب». الصراع الحضاري في العالم الإسلامي، شايف عكاشة، دار الفكر، ط1، 1986م، ص 18.

 

 

موقف الذذين يريدون أن ينسلخوا عن حضارتهم ويذوبوا في حضارة الغرب وبما أنهم يمثلون أحد أطراف النقيض إلا أن هناك من يدافع عن مثل هذا الموقف باعتبار أن الحضارة الإسلامية ذاتها لم تكن نتيجة تفاعلات داخلية فقط بقدر ما هى وليدة حضارات مستوردة «ولكن الذى ننساه أحياناً هو الفخر الذى نحس به إزاء الدور الذى قمنا به في «تصدير» فكرنا وعلمنا الى أوروبا، معناه أننا نعترف بأهمية إستيراد الفكر، لأن التصدير والإستيراد عمليتان متلازمتان بل هما وجهان لعملة واحدة ومع ذلك فإنك تجد الكاتب الواحد يحارب «الأفكار المستوردة» بلا هوادة ويشيد في الوقت ذاته بدور العرب العظيم في تنوير الأوروبيين ويعطي أوروبا – في نهاية العصر الوسيط – كل الحق في أن تستورد من العرب ما شاءت من الأفكار، ولايكف عن التباهي بهذه الحقيقة، كل ذلك دون أن يدرك فداحة التناقض الذي يقع فيه حين ينكر مبدأ استيراد الفكر من جانب ويزهو به من جانب آخر».انظر الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، د. فؤاد زكريا، دار الفكر المعاصر، القاهرة ط 1987م، ص 191 – 192.

 

أمثال هذه الدعوة التي تفتح الباب على مصراعيه لاستيراد الأفكار لا تحتاج الى كثير تعليق سيما إذا علمنا أنه نابعة من فؤاد زكريا أحد رؤوس الماركسية في مصر حيث نادى بالإستيراد عسى ولعل فكره يجد من يستورده من روسيا.

 

بين هذين التيارين نجد تيار الإحياء والتجديد وقد عبر عنه د. محمد عمارة بأنه التيار الذى رفض الجمود والإستغراب ليختار الأحياء والتجديد «وإذا كان تراث حقبة الجمود والتراجع في حضارتنا العربية والإسلامية قد كان بضاعة تيار التقليد للموروث وإذا كان النموذج الحضارى الغربى قد مثل منابع ومنطلقات التغريب. فإن المنابع التي انطلق منها تيار الاحياء والتجديد تمثلت في مبادىء الإسلام كما تمثلت في منابعه النقية والجوهرية: البلاغ القرآني والبيان النبوى للقرآن الكريم كما تمثل في السنة النبوية الثابتة. وثوابت التراث العربى الإسلامي التي مثلت قسمات الهوية الحضارية للأمة والتى حفظت لأجيالها تواصلها الحضارى ووحدتها كأمة عبر الزمان والمكان وكل ما أبدعه العقل الإنساني في مختلف الحضارات كما الحال في الحقائق والقوانين التي مثلت وتمثل العلوم التى لا تتغاير موضوعاتها بتغاير الحضارات والمعتقدات. أى العلوم الموضوعية المحايدة التى هى «مشترك انسانى عام» متميز عن «العلوم الإنسانية»، ومنها الثقافة، التى تدخل في الخصوصيات التي تتمايز فيها الحضارات».انظرأزمة الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد عمار، ص 99.

 

تلك هى المبادىء التى يرتكز عليها التيار الثالث وهو تيار التوفيق بين التراث وتيار النزعة الغربية المتطرفة ولذلك إن كان هنالك ثمة نهضة يرجى لها أن تكون في العالم الإسلامي فإن أنصار تيار التوفيق هم الذين يقودون هذه النهضة بعد أن يقدموا للعالم النموذج الأساسى الذى يدعو إليه الإسلام .

 

فلا غرابة في أن يكون هؤلاء هم دعاة الحوار مع الحضارة الغربية وفق أرضية راسخة الثبات مبنية على المبادىء الإسلامية.

*التيارات الإسلاميّة والموقف من الحضارة الغربيّة*

مدخل الى تقديم البديل الاستراتيجي لمخاطبة الغرب

العالم الغربي أو الغرب مصطلح متعدد المعاني وفقاً لسياق الحديث (أي حسب الفترة الزمنية والمنطقة والحالة الاجتماعية). وعليه فإن التعريف الأساسي لما يشكل “الغرب” غير ثابت حيث يتوسع ويتقلص مع الزمن وفقاً للظروف التاريخية المختلفة.

 

يعود مفهوم العالم الغربي في جذوره إلى الحضارة اليونانية والرومانية في أوروبا وظهور المسيحية والإنشقاق الكبير في القرن الحادي عشر الذي قسّم الدين إلى شطرين (شرقي وغربي ) .

في العصر الحديث تأثرت الثقافة الغربية بشكل كبير بتقاليد الثقافة المسيحية وعصر النهضة والتنوير والتوسعي الإستعماري في القرنين الثامن عشر والتاسع عشرواستخدم المصطلح من طرف الإتحاد السوفيتي وحلفائه خلال الحرب الباردة ضد أعدائهم .

 

في السياق السياسي والثقافي المعاصر يشير مصطلح العالم الغربي بشكل عام إلى دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وأوروبا الوسطى وأميركا اللاتينية وإسرائيل وجنوب أفريقيا. https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D8%A

 

أنّ الكثير من المؤرخين والمفكرين أعطوا لمفهوم الغرب دلالةً فكريةً ثقافيةً ووصفةً مفهوميةً نقلته من المعنى الجغرافي إلى معنى آخر جديد طغت عليه الرؤية الثقافية التي باتت تنظر إلى الغرب من منظور كونه واقعاً مفاهيمياً غير مرتبط بمنطقة جغرافية معينة كما كان عليه الحال في السابق.. وبهذه النظرة أو الرؤية أصبحت دولة مثل اليابان – الواقعة في أقصى الشرق – من الدول الغربية. انظر مؤمنون بلا حدود للدراسة والأبحا ث انظرhttp://www.mominoun.com/articles

 

أما الجذر الأساسي الذي ارتكز عليه الغرب في نشأته ونموه، فهو الجذر المغروس في عمق الحضارة اليونانية القديمة – حضارة العقل – التي شكّلت التربة والوعاء الحضاري الأهم الذي استقت منه أوروبا (والغرب عموماً) ازدهارها وتطوّرها وأسس تقدمها اللاحق بعد مرورها بأدوار وتطورات ثقافية وسياسية ومجتمعية أهلية شديدة التعقيد والتنوع… كما كان للمسيحية تأثير كبير أيضاً في ذلك أيضاً، خصوصاً بعد تبنيها واحتضانها من قبل الحضارة الرومانية.

 

مكونات الحضارة الغربية المعاصرة وهي: أولاً: حقائق رياضية أو طبيعية أو اجتماعية أو نفسية ثبتت صحتها بالتجربة الحسية أو البراهين العقلية.

ثانياً: نظريات علمية عن الطبيعة أو الإنسان فرداً أو جماعة وهى ثلاثة أنواع:

أ. نوع نجح في تفسير كثير من الظواهر ولم نجد ما يدل.

ب. نوع ما زال في طور التجربة.

ج. نوع ثبت بطلانه.

ثالثاً: تقنية تكاد تشمل كل جوانب الحياة كان تطور العلوم الطبيعية والرياضية سبباً فيها.

رابعاً: مهارات تقنية وادارية مبنية على تلك العلوم.

خامساً: تصورات دينية أو فلسفية للوجود ومكانة الإنسان فيه وللقيم الخلقية والجمالية ولعلاقة الفرد بالمجتمع.

سادساً: أدب وفن يعبر عن هذه التصورات.

سابعاً: أوضاع سياسية واقتصادية وعلاقات اجتماعية وعادات وتقاليد تسوغها تلك التصورات.

ثامناً: الفكر الغربي بشقيه الليبرالى والرأسمالي والأممي الشيوعي يمثل الأصل والإطار التصوري الشامل للحضارة الغربية وتمثل في ذات الوقت المعيار التقويمى للحق والباطل والخير والشر. للمزيد انظر الدعوة الإسلامية في العالم المعاصر، مقال كتبه د. جعفر شيخ ادريسرحمه الله ضمن مقالات دار الصحافة بدون تاريخ.

موقف المسلمين من الحضارة الغربية:

لقد أصبحت قضية صراع الحضارات الآن احدى مشكلات الفكر الإسلامى المعاصر حيث فتنت الفكر الإسلامى وجعلته يتخبط في أمره وبدلاً من أن يكون تعدد الحضارات ظاهرة صحية في الفكر الإسلامي أصبح الأمر خلافاً لذلك حيث كانت سبباً في تخبط الفكر الإنساني وإحداث الأزمة بين المسلمين في العصر الحديث.

 

فقد انقسمت ردود الفعل الإسلامية حيال الحضارة الغربية الى ثلاثة إتجاهات:

الاتجاه الأوّل : يرى أنه لا بد من الإنكفاء على حضارتنا وترك الحضارة الغربية وشأنها والإبتعاد عنها حتى لا تشكك في معتقداتنا واختار أصحاب هذا الإتجاه العزلة لأنفسهم بسبب الفتنة.

الاتجاه الثاني : يرى ضرورة الأخذ بكل ما جاءت به الحضارة الغربية لأنه يمثل لنا الخلاص مما نحن فيه من تخلف وولسان حال هذا التجاهيقول : (كما ساعدتهم حضارتهم على التطور والتقدم فلا بد أن نأخذها حتي نتطور) وهؤلاء تعرفهم بسيماهم في لحن القول من العلمانيين والليبراليين .

 

الإتجاه الثالث : يرى ضرورة الأخذ بما جاءت به الحضارة الغربية في مجال العلم والتكنولوجيا على أن يحتفظ المسلمون بمبادئهم وقيمهم والتى هى أفضل من قيم ومبادىء الغرب وهذا هو الإتجاه التوفيقى الذى يعبر عن صوت العقل والحكمة ويدعو الى التعقل «إن ردود الفعل ضد الغرب تتخذ ثلاثة أشكال هي: الأول اتباع مسار العزلة وعدم المشاركة في المجتمع العالمي الذى يهيمن عليه الغـــــرب بيد أنها تتكلف تكاليف عالية ثمناً لمواقـــفها. الثانى محاولة الإنضمام الى الغرب وتقبل قيمه ومؤسساته، الثالث التحديث من دون التغريب أى محاولة التوازن انطلاقاً من الشكل المحلى».للمزيد انظر الإسلام والغرب والديمقراطية، ص 33.

 

 

أما عن مجموعة العزلة عن الغرب والذين يرون أن سبب دمار البشرية وخراب الأمم انما هو نتاج لحضارة الغرب يقول عنهم مالك بن نبى «محاربة الدين باسم الدين أهم شعار يمكن أن نصف به جماعة المفكرين المسلمين الذين لاذوا بالفرار عندما بهرتهم الحضارة الغربية ففضلوا الإستكانة والرجوع الى اسناد ظهورهم على جدران الحضارة الإسلامية لقد واجهتهم الحضارة الغربية بما بهرهم وسحر أبصارهم وبعث خيالهم الى استلهام مجد حضارتهم ورشف كؤوسهم على تعداد ما أنتجته الحضارة الإسلامية السالفة وبهذا يطمئنون أنفسهم بعباراتهم اللطيفة: إن بضاعتنا ردت إلينا وتجدر الإشارة هنا إلى أن الإستعمار عمد مراراً الى تذكير المسلمين بماضيهم المجيد لا رغبة منه في الإعتراف بالجميل ومحاولة إيقاظهم من سباتهم الطويل، وإنما إسهاماً منه في منادمة هؤلاء المسلمين علي تجرع كأس المجد الذاهب والإستكانة الى الفخر به». انظر إنتاج المستشرقين وأثره في الفكر الإسلامي الحديث مالك بن نبي، مكتبة عمار، 197، ص 23.

لاشك أن هؤلاء باتجاههم هذا إنما يشكلون موقفاً سلبياً تجاه التعامل مع الحضارة وهم بذلك إنما يخالفون الدين الذي يأمر بالتزود بالعلم والحكمة ويقدمون بالتالى نموذجاً شائهاً للإسلام الصحيح.

أما عن المجموعة التي رأت أن تتخذ من الحضارة الغربية هادياً ومرشداً فهى أيضاً أخطأت الفهم القويم لما ينبغى أن يكون عليه التعامل مع الحضارات وهو عدم التبعية وهم بذلك كأنما ينسلخون عن مبادئهم بحثاً عن مباديء مستوردة «وعلى الكفة الثانية، في ميزان إنقسام الفكر الإسلامى – نتيجة سيطرة الثقافة الغربية وانتشار حضارة الغرب – نجد فريقاً آخر يدعو الى تقليد حضارة الغرب في مجاليها المادى والمعنوى وإذا كان الفريق الأول قد فضل الوقوف على أطلال مجده، فإن الفريق الثانى فضل أن يأخذ الطعام جاهزاً من مائدة الحضارة المتاخمة لحدوده فاقبل على استيعاب هذه الحضارة بعقلية المغلوب، مفتقداً قوة النقد والتمييز، متذرعاً بأن كل ما يأخذه عن سيده يعد معيار الجودة والصواب». الصراع الحضاري في العالم الإسلامي، شايف عكاشة، دار الفكر، ط1، 1986م، ص 18.

موقف الذذين يريدون أن ينسلخوا عن حضارتهم ويذوبوا في حضارة الغرب وبما أنهم يمثلون أحد أطراف النقيض إلا أن هناك من يدافع عن مثل هذا الموقف باعتبار أن الحضارة الإسلامية ذاتها لم تكن نتيجة تفاعلات داخلية فقط بقدر ما هى وليدة حضارات مستوردة «ولكن الذى ننساه أحياناً هو الفخر الذى نحس به إزاء الدور الذى قمنا به في «تصدير» فكرنا وعلمنا الى أوروبا، معناه أننا نعترف بأهمية إستيراد الفكر، لأن التصدير والإستيراد عمليتان متلازمتان بل هما وجهان لعملة واحدة ومع ذلك فإنك تجد الكاتب الواحد يحارب «الأفكار المستوردة» بلا هوادة ويشيد في الوقت ذاته بدور العرب العظيم في تنوير الأوروبيين ويعطي أوروبا – في نهاية العصر الوسيط – كل الحق في أن تستورد من العرب ما شاءت من الأفكار، ولايكف عن التباهي بهذه الحقيقة، كل ذلك دون أن يدرك فداحة التناقض الذي يقع فيه حين ينكر مبدأ استيراد الفكر من جانب ويزهو به من جانب آخر».انظر الصحوة الإسلامية في ميزان العقل، د. فؤاد زكريا، دار الفكر المعاصر، القاهرة ط 1987م، ص 191 – 192.

أمثال هذه الدعوة التي تفتح الباب على مصراعيه لاستيراد الأفكار لا تحتاج الى كثير تعليق سيما إذا علمنا أنه نابعة من فؤاد زكريا أحد رؤوس الماركسية في مصر حيث نادى بالإستيراد عسى ولعل فكره يجد من يستورده من روسيا.

بين هذين التيارين نجد تيار الإحياء والتجديد وقد عبر عنه د. محمد عمارة بأنه التيار الذى رفض الجمود والإستغراب ليختار الأحياء والتجديد «وإذا كان تراث حقبة الجمود والتراجع في حضارتنا العربية والإسلامية قد كان بضاعة تيار التقليد للموروث وإذا كان النموذج الحضارى الغربى قد مثل منابع ومنطلقات التغريب. فإن المنابع التي انطلق منها تيار الاحياء والتجديد تمثلت في مبادىء الإسلام كما تمثلت في منابعه النقية والجوهرية: البلاغ القرآني والبيان النبوى للقرآن الكريم كما تمثل في السنة النبوية الثابتة. وثوابت التراث العربى الإسلامي التي مثلت قسمات الهوية الحضارية للأمة والتى حفظت لأجيالها تواصلها الحضارى ووحدتها كأمة عبر الزمان والمكان وكل ما أبدعه العقل الإنساني في مختلف الحضارات كما الحال في الحقائق والقوانين التي مثلت وتمثل العلوم التى لا تتغاير موضوعاتها بتغاير الحضارات والمعتقدات. أى العلوم الموضوعية المحايدة التى هى «مشترك انسانى عام» متميز عن «العلوم الإنسانية»، ومنها الثقافة، التى تدخل في الخصوصيات التي تتمايز فيها الحضارات».انظرأزمة الفكر الإسلامي الحديث، د. محمد عمار، ص 99.

تلك هى المبادىء التى يرتكز عليها التيار الثالث وهو تيار التوفيق بين التراث وتيار النزعة الغربية المتطرفة ولذلك إن كان هنالك ثمة نهضة يرجى لها أن تكون في العالم الإسلامي فإن أنصار تيار التوفيق هم الذين يقودون هذه النهضة بعد أن يقدموا للعالم النموذج الأساسى الذى يدعو إليه الإسلام .

فلا غرابة في أن يكون هؤلاء هم دعاة الحوار مع الحضارة الغربية وفق أرضية راسخة الثبات مبنية على المبادىء الإسلامية.

 

 

 

 

‫شاهد أيضًا‬

المشروع الوطني لإصلاح وإعمار النسيج المجتمعي ينعي والدة أحمد الزبير محجوب

  بسم الله الرحمن الرحيم   هيئة علماء السودان   المشروع الوطني لإصلاح وإعما…